| مأساة إبليس(1) | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Salmoni عضو جديد
| موضوع: مأساة إبليس(1) الإثنين يونيو 23, 2008 9:43 am | |
| صادق جلال العظم
القسم الأول
تمهيد
لو حاولنا أن نحدد المشاعر الرئيسية التي عبّرت بها الأديان الساميّة الثلاثة عن علاقة الانسان بالإله لوجدنا أنها تنحصر في المحبة والخوف والكراهية: محبة الله، والخوف من جبروته وعقابه، وكره عدوه إبليس. عالج المفكرون الدينيون هذه المشاعر وأفردوا لها الصفحات والكتب، وكانت أقوالهم عن إبليس تتراوح بين المحاولات "الجدية" لمعرفة المكانة التي يحتلها في نظام الكون وتحديد علاقته بالإله، واستقصاء الغاية التي وجد من أجلها، وبين مجرد الاستفاضة في شرح تلبيسه على البشر ةتلقينهم التعاليم والتعاويذ المعروفة بغية إبعاده، واتقاء شره. لا شك أن كل واحد منا يحمل في مخيلته صورة معينة عن شخصية إبليس ورثها كجزء لا يتجزأ من ثقافته التقليدية وتربيته الدينية. ولا أجدني مضطراً لأن أسترسل طويلاً في إعادة هذه الصورة إلى الأذهان، لأنها معروفة جيداً لدى الجميع. كان إبليس من المقربين بين الملائكة وكان له شأن عظيم في نظام الملأ الأعلى، إلى أن عصى أمر ربه فطرده من الجنة، ولعنه لعنة أبدية، فأصبح بذلك تجسيداً لكل ما هو شر، وجمع في ذاته كافة الخصائص التي تنتفي عن الله. ونلاحظ هنا أن اسمه يدل على جوهره وهو "الإبلاس"، أي اليأس التام من رحمة ربه، ومن العودة إلى الجنة (وفقاً للتفسيرات الإسلامية التقليدية لمعنى الإبلاس). ومن منا لا يعرف المثل الذي يُضرب بأمل إبليس في الجنة، دلالة على الأمل الضائع كل الضياع. تدل كلمة "إبليس" عند الجميع على الدس والفتنة والوسوسة والافساد والعصيان، وما إليه من الصفات الشنيعة والقبيحة التي جسدها خيال البشر في شخصية واحدة هي الشيطان. وعلى مر العصور أضفت مخيلة الانسان قوى كبيرة، وقدرات عظيمة على إبليس: منها الطاقات الفكرية الخلاقة، والقوى الفنية المبدعة، ومنها القدرة على القيام بخوارق الأعمال، وعجائب الأفعال، حتى أصبح إبليس يلي الإله مباشرة من حيث قوته ومنجزاته. وقد ألف الإمام جمال الدين بن الجوزي كتاباً سماه "تلبيس إبليس"(2) . أحاط فيه بالطرق التي يلبّس بها إبليس على البشر فيبعدهم عن طريق الصلاح، والطريف في هذا الكتاب أنه لا يرسم لنا الصورة التقليدية الشائعة لشخصية إبليس فحسب، وإنما يسبغ عليه، من حيث لا يعلم ولا يدري، قوى خلاقة مبدعة تثير الاعجاب والتقدير. وعلى سبيل المثال يعزو ابن الجوزي معظم الحركات الدينية والفكرية الكبرى التي قامت في تاريخ الحضارة الإسلامية إلى عمل إبليس، ويجعله مسؤولاً عنها، فيحوله بذلك إلى فيلسوف كبير، ومتكلم قدير. يقول إمامنا المحترم أن السفسطائية، والدهرية، والطبائعية، وأديان الشرق الأقصى، والمسيحية، وعلم الكلام، وفرقة المعتزلة هي من أعمال إبليس، ونتيجة لتلبيسه على المفكرين والعلماء(3) . كما أنه يرد حركة الخوارج والرافضة والزهد والتصوف إلى تلبيسه على ائمة هؤلاء القوم، بما فيهم، أبي طالب المكي، والإمام الغزالي(4). ويقول عن بعض الآراء الفلسفية ما يلي:"إن أرسطو طاليس وأصحابه، زعموا أن الأرض كوكب في جوف هذا الفلك، وأن في كل كوكب عوالم كما في هذه الأرض، وأنهاراً، وأشجاراً... فانظر إلى ما زينه إبليس لهؤلاء الحمقى مع ادعائهم كمال العقل"(5). كما أنه يقول عن تلبيس إبليس على أهل اللغة والأدب ما يلي:"قد لبّس على جمهورهم، فشغلهم بعلوم النحو واللغة من المهمات اللازمة التي هي فرض عين عن معرفة ما يلزمهم عرفانه من العبادات، وما هو أولى بهم من آداب النفوس وصلاح القلوب"(6).
نستنتج إذن، أن الفكرة الشائعة عن مقدرة إبليس لا تنحصر في مجرد اعتباره مصدر إغواء الناس عن سلوك الطريق القويم، بل تتعدى ذلك لتشمل قوى واسعة، وقدرات عظيمة لو أخذناها بعين الجد، لظهر لنا أن إبليس يسيّر قسماً كبيراً من مجرى الأحداث، ويعتبر مسؤولاً عن معظم الحركات الفكرية والفنية والسياسية في تاريخ الحضارة.
بعد هذه المراجعة السريعة للصورة التقليدية الشائعة عن إبليس، وسلطانه، أريد أن أبين أن هدف هذه الدراسة هو إعادة النظر في قصة إبليس، ودراسة شخصيته وموقفه، ومسؤوليته ومصيره على ضوء جديد يختلف عما ألفناه من عقائد وأفكار سيطرت على تصورنا لهذا المخلوق. أما المراجع الأولية التي سأعتمد عليها فهي الآيات القرآنية التي تروي لنا قصة إبليس وسيرته وبعض المؤلفات التي تركها لنا المفكرون المسلمون الذين اهتموا بإبليس وشخصيته، وعصيانه، ووظيفته، ونهايته.
ولكن قبل أن أدخل في صلب الموضوع، أريد أن يتضح للجميع أن بحثي يدور في إطار معين، لا يجوز الابتعاد عنه على الاطلاق، ألا وهو إطار التفكير الميثيولوجي – الديني الناتج عن خيال الانسان الاسطوري وملكاته الخرافية. إنني لا أريد معالجة قصة إبليس باعتبارها موضوعاً يدخل ضمن نطاق الايمان الديني الصرف، ولا أريد أن أتكلم عنه باعتباره كائناً موجوداً وحقيقياً، وإنما أريد دراسة شخصيته باعتبارها شخصية ميثيولوجية، أبدعتها ملكة الانسان الخرافية، وطوّرها وضخمها خياله الخصب. عند التفكير بموضوع إبليس، أجد نفسي واقفاً وجهاً لوجه أمام تراث ميثيولوجي – ديني عريق في قدمه وتاريخه. وجل ما أريد تحقيقه هو دراسة إحدى الشخصيات الرئيسية التي انحدرت إلينا مع هذا التراث، شرط أن نبقى ضمن حدود المعطيات البديهية للتفكير الميثيولوجي وبدون أن نخرج عن مسلماته الأولية.
ومن هنا، يجدر بي أن ألفت الانتباه إلى أن الفكرة المسبقة والشائعة عن الاسطورة، وعن أهميتها بعيدة قليلاً عن حقيقة الدور الذي تلعبه الأساطير في حياة الانسان، وفي تركيب حضارته. لقد اعتدنا أن نقول عن أمر ما أنه من باب "الأساطير والخرافات"، لنحط من شأنه ونبعد أذهان الناس عنه، ولننفي عنه صفات الواقعية، والموضوعية، ولنبين أنه مجرد وهم وخيال. لذلك أرى أنه لا بد من الاستطراد ولو قليلاً في شرح بعض الحقائق الهامة عن طبيعة الاسطورة، وعن أهمية التفكير الميثيولوجي بالنسبة للانسان والمجتمع.
عرّف الفلاسفة الانسان بأنه "حيوان ناطق"، وإذا كان الانسان حيواناً ناطقاً، فلا شك كذلك بأنه "حيوان خرافي". فكما أنه الحيوان الوحيد الذي يتصف بالنطق، فإنه الحيوان الوحيد الذي ينسج الخرافات والأساطير ويحولها إلى ميثيولوجيات معقدة، يؤمن بها إيماناً جازماً، كما لو كانت حقائق واقعة لا ريب فيها. التفكير الاسطوري إذن صفة جوهرية من صفات الانسان، ووجه هام من أوجه نشاطه العقلي بالمعنى الواسع للعبارة. لذلك وجه الكثيرون من الباحثين اهتمامهم إلى دراسة نشاط الانسان الخرافي، لما يكشفه من الحقائق الأساسية عن الانسان وعن مجتمعاته وقدراته وثقافاته وحضاراته. وعلى سبيل المثال عندما أتكلم في هذا البحث عن "مأساة إبليس"، لا بد أنكم ترجعون في أذهانكم إلى الارتباط العضوي القديم بين المأساة والدراما من جهة، وبين الميثيولوجيا والتفكير الأسطوري من جهة أخرى. كما أن إعادة النظر في هذه الشخصية الاسطورية التي درجنا على تسميتها بإبليس ستتفتق عن أبعاد ونتائج هامة بالنسبة للدين، والفن والفلسفة. وقد بذل الباحثون جهوداً كبيرة لشرح العلاقات والارتباطات العضوية بين التفكير الأسطوري وبين الابعاد الدينية والفنية والفلسفية لأية معضلة من المعضلات الكبرى التي يواجهها الانسان. الميثيولوجيا بحد ذاتها كانت ولا تزال ديناً بالقوة وفلسفة بالقوة، لأنها تحتوي في قالبها المرن غير المحدد الأطراف والأبعاد على عناصر المواساة والتعزية الضرورية لكل دين، وعلى خصائص التعبير الفني الخلاقة والاستجابة الجمالية للمؤثرات التي تحيط بالانسان، وعلى نزعة نحو تعليل الأحداث وتفسير الوجود والتساؤل عن أصله وغايته. بالاضافة إلى ذلك، كانت الأسطورة ولا تزال الوسط الذي واجه الانسان فيه مشكلاته الكبرى والدائمة كالموت، والمصير، والشر، وأصل الأسياء وغايتها ومعناها. لذلك كان التفكير الميثيولوجي يشكل دوماً قوة حضارية خلاّقة يغرف منها الفكر الديني والتأمل الفلسفي والتعبير الفني باستمرار. وزيادة في الإيضاح سأستشهد بنص كتبه الفيلسوف الإلماني إرنست كاسيرر الذي يعتبر من الرواد الذين درسوا طبيعة الأسطورة، وبينوا علاقتها الجوهرية بباقي أوجه النشاط العقلية، والروحية، والفنية عند الانسان. يقول كاسيرر في تحديده لعالم الأسطورة، وهو العالم الذي حصرت نفسي فيه في هذا البحث، ما يلي: "فعالم الأسطورة، عالم درامي – عالم أعمال وقدرات وقوى متصارعة، والأسطورة ترى هذا الاصطدام بين تلك القوى في كل ظاهرة من ظواهر الطبيعة. والادراك الأسطوري مفعم دائماً بهذه الخصائص العاطفية، فكل ما يرى أو يحس محاط بجو خاص – جو من الفرح أو الحزن أو العذاب أو الهياج والاستبشار والغم. في حال الأسطورة لا نستطيع أن نتحدث عن "الأشياء" باعتبارها مادة ميتةأو هامدة، فكل شئ ثمة خيّر أو شرير، صديق أو عدو، مألوف أو غريب، جذاب معجب أو منفر متوعد"(7).
سأختتم هذا الجزء التمهيدي من بحثي بالتأكيد على أن كلامي عن الله وإبليس والجن والملائكة، والملأ الأعلى لا يلزمني على الاطلاق بالقول بأن هذه الأسماء تشير إلى مسميات حقيقية موجودة ولكنها غير مرئية. إن تركيب اللغة يتطلب مني بطبيعة الحال أن أكتب وأتكلم بطريقة معينة توحي في الظاهر وكأن الشخصيات التي أذكرها موجودة بالفعل، ولكن يجب ألا يخدعنا هذا الوهم اللغوي، فلو كنت أكتب عن الأمير هملت مثلاً فلن يعتقد أحد منكم بأن لهذا الاسم مسمى خارج نطاق التراث الأدبي الذي تركه لنا شكسبير. كما أنه عندما نقول "قتل هملت عمه"، فإننا لا نعتقد بأن مثل هذه الحادثة وقعت فعلا في تاريخ الدانمرك. كذلك عندما نقول "طرد الله إبليس من الجنة"، يجب ألا نظن بأن مثل هذه الحادثة وقعت في تاريخ هذا الكون، لأن مغزى هذا الكلام ومعناه يكمن في كونه رمزاً لا في كونه وصفاً لإحداث وقعت بالفعل.
| |
|
| |
Salmoni عضو جديد
| |
| |
Salmoni عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الإثنين يونيو 23, 2008 9:47 am | |
| القسم الثالث
لنعد الآن إلى محنة إبليس الناتجة عن تناقض الأمر والمشيئة، عبّر الحلاج عن محنة إبليس بإيجاز رائع بقوله: "لما قيل لإبليس "أسجد لآدم"، خاطب الحق:"أرفع شرف السجود عن سري إلا لك حتى أسجد له؟ إن كنت أمرتني قد نهيتني"(17).
وحدد الإمام المقدسي طبيعة التناقض بين الأمر والإرادة الإلهية بالكلمات التالية: "فإني نظرت بعين اليقين دائرة الشقاوة والسعادة: تدور على خط الأمر، ومراكز الإرادة، وبينهما تدقيق يدق عن التحقيق، ومضيق يفتقر سالكه إلى رفيق للتوفيق. فالآمر يهب والإرادة تنهب، فما وهبه الآمر، نهبته الإرادة. الآمر يقول إفعل والإرادة تقول لا تفعل"(18).
يبدو أن الإمام المقدسي أدرك الكثير عن أهمية العناصر الدرامية والمأساوية التي تنطوي عليها محنة إبليس. لذلك نراه يشدد على عنصر التناقض الذي واجهه إبليس، وعلى عجزه عن أن يجد مخرجاً لائقاً لنفسه، مما جعل الاختيار الذي كان عليه أن يقوم به اختياراً مصيرياً تتوقف عليه شقاوته الأبدية أو سعادته الأبدية، فإما أن يخضع لمتطلبات المشيئة وينسجم مع واجبه المطلق فيسعد في نهاية المطاف، وإما أن ينزلق في الإذعان للأمر والخضوع لواجبات الطاعة الجزئية فيفشل في الامتحان ويشقى إلى الأبد. أي أن أمر السجود وضع كيان إبليس وحياته وسعادته الأبدية في الميزان لأن "الآمر يهب، والإرادة تنهب"، و"الآمر يقول إفعل والإرادة تقول لا تفعل". بالاضافة إلى ذلك تبين الفقرة التي استشهدنا بها من كتاب الإمام المقدسي أن الذين يقعون في مثل هذه المحنة لا يرون طريقهم واضحة ناصعة ولا يتاح لهم أن يميزوا بسهولة بين الاختيار الصائب والاختيار الفاسد، لأن "بينهما تدقيقا يدق عن التحقيق". كما أن الذين يتورطون في مثل هذا المأزق يجدون أنفسهم في وحدة تامة لا ينفعهم فيها لا نصح صديق، ولا معونة رفيق، عليهم أن يختاروا وحدهم وأن يتحملوا نتائج اختيارهم، لأن الطريق التي كتب عليهم أن يسلكوها "مضيق يفتقر سالكه إلى رفيق للتوفيق"، على حد قول الإمام المقدسي.
في الصفحات التالية سأحاول أن أحدد عناصر المأساة في محنة إبليس، وأن أبرز نواحيها المتعددة، بقدر ما يسمح به الموضوع من الدقة والوضوح. لذلك سأعتمد مرجعين رئيسيين هما: مسرح سوفوكليس من التراث الأدبي اليوناني الغربي، وقصة النبي إبراهيم من التراث الديني السامي، ولا حاجة لي أن أطيل الكلام في إعادة قصة إبراهيم إلى أذهانكم. أمر إبراهيم أن يذبح ولده إسحاق (أو إسماعيل) ولما هم بذلك فداه الله (بذبح عظيم)(19). وهنا أقف برهة لأشير إلى دراسة كيركجورد الشهيرة لقصة إبراهيم في كتابه "الخوف والقشعريرة" لأبين أني اعتمدت في هذا القسم من بحثي الخطوط العريضة لتأويله لتجربة إبراهيم. لكن هذا لا يمنع وجود بعض الخلافات الأساسية بين الآراء التي سأوردها حول هذا الموضوع وبين نظرة كيركجور الخاصة إلى شخصية إبراهيم.
مما لا ريب فيه أن قصة إبراهيم تحتوي على إمكانات مأساوية عنيفة، وتتضمن كثيراً من المقومات الرئيسية للتراجيديا، ولكنه لا يحق لنا، في أية حال من الأحوال، أن نعتبرها مأساة حقيقية، لأنها تنتهي نهاية سعيدة متفائلة يرتاح لها الجميع. فالشعور الذي تخلفه فينا قصة إبراهيم يختلف اختلافاً تاماً ونوعياً عن الشعور الذي تخلفه فينا قصة الملك أوديب مثلاً.(20).
توجد اعتبارات عديدة تجعل من محنة إبليس مأساة حقيقة، وسأوجه إليها الانتباه واحدة تلو الأخرى: 1- كثيرا ما تقع الماساة في ساعة الأزمات الكبرى والهزات العنيفة التي تقلب الأوضاع السائدة وتزلزل أركان الأنظمة القائمة وتهز القيم المسيطرة فيشعر الذين يمرون بالتجربة بان كيانهم السابق ونمط وجودهم المألوف قد وضعتا موضع التساؤل، وأن العالم الذي يحيط بهم أصبح على وشك الانهيار بمقوماته المادية والروحية والأخلاقية. أنعم الله على إبراهيم "بغلام حليم" "فلما بلغ معه السعي"، قال له "يا بني إني أرى في المنام اني أذبحك"، أمر إبراهيم بذبح ولده، تقدمة منه إلى الله، فقلب هذا المر المعايير والمقاييس، وصدع القيم، وأضاع الملامح وخلط القسمات إذ على الأب الرحوم العطوف أن يقتل ولده أشنع قتلة عن سابق تصميم وتدبير، وبكل هدوء وخشوع. كان إبليس للملائكة معلما، وعلى الكروبيين مقدما، كان كما يقول المقدسي، ساكن البال مستقيم الحال، صالح الفعال، ولكن بينما هو في حضرة الشهود، أتى الله بآدم إلى الوجود، وأمر له بالسجود (21)، فاهتز نظام الملأ الأعلى وانقلبت المعايير والموازين مرة أخرى إذ على الجبين الذي لم يسجد إلا للأحد، أن يذل بالسجود لبشر، وعلى معلم الملائكة في التوحيد أن يجحد التقديس والتسبيح، وعلى النار أن أخضع للصلصال. ولكن إبليس رفض السجود، فلعن إلى يوم الدين. بعبارة أخرى تعرض علينا القصة جحود إبليس وطرده وهو في قمة عزه، ومن ثم ترينا إياه في حضيض بؤسه وشقاوته شأنه في ذلك شأن القصة اليونانية القديمة التي تعرض علينا الملك أوديب في ذروة مجده وسلطانه، ومن ثم ترينا إياه ضالا في متاهات اليأس والعذاب والألم. لقد أضحى كل منهما منبوذا مشوها مكروها، بعد أن هوى إلى أدنى مهاوي الشقاء فأصبح كل من كان عونا لهما عوناً عليهما. 2- إذا رجعنا إلى مسرحية أنتيجونا، نجد أن المأساة التي انتهت إليها البطلة ناتجة عن التناقض الجوهري القائم بين ما تمثله انتيجونا من ناحية، وما يمثله كريون ملك ثيبة من ناحية أخرى. كانت أنتيجونا مصممة تصميما مطلقاً أن تدفن جثمان أخيها القتيل مهما كلفها الأمر، وكان دافعها إلى ذلك حبها العظيم لأخيها وإيمانها الذي لا يتزعزع بضرورة تنفيذ مشيئة السماء القاضية بدفن الموتى. تقول أنتيجونا لأختها أسمينا: "أما أنا فموارية أخي، فإذا أديت هذا الواجب فما أجمل بي أن أموت، ولئن مت فإنما أنا صديقة لحقت بصديقها. سأؤدي واجبا عدلا ملؤه التقوى، لأن الوقت الذي سأروق فيه إلى الموتى أطول من الوقت الذي سأروق فيه إلى الأحياء، فسأكون قرينته أبد الدهر"(22). ومن ناحية أخرى نجد أن الملك كريون كان مدفوعا بعاطفة نبيلة ووطنية لما أمر بإنزال العقاب بالأخ الذي حمل السلاح ضد مدينته وقتل على أبوابها. كما أنه كان صادقاً في محاولته لإحلال حكم القانون وإعادة النظام إلى مدينة ثيبة بعد الفوضى التي عصفت بها. لذلك كان لزاماً عليه أن يتمسك بالحزم ويتسلح بالشدة ويصر على تنفيذ أوامره وإرشاداته بحذافيرها، وبكل تفاصيلها وأن يتوعد كل من تسول له نفسه مخالفة النظام بأشد انواع العقاب. وجميع هذه الاجراءات أمور طبيعية وضرورية في مدينة عانت من ويلات الحرب والوباء والفوضى ما عانته ثيبة عندما تسلم كربون مقاليد حكمها وكانت النتيجة ذلك الصدام المفجع بين متطلبات السلطة الزمنية وضروراتها، متمثلة في شخصية كريون، وبين متطلبات السماء وأوامر الآلهة متمثلة في شخصية أنتيجونا وحصد الجميع الموت واليأس والمأساة. عندما يسأل كريون انتيجونا:"وكيف جرؤت على مخالفة هذا الأمر؟" أجابت:" ذلك لأنه لم يصدر عن "ذوس" ولا عن "العدل".. ولا عن غيرهما من الآلهة الذين يشرعون للناس قوانينهم، وما أرى أن أمورك قد بلغت من القوة بحيث تجعل القوانين التي تصدر عن رجل أحق بالطاعة والاذعان، من القوانين التي تصدر عن الآلهة الخالدين، تلك القوانين التي لم تكتب، والتي ليس إلى محوها من سبيل... ألم يكن من الحق عليّ إذن أن أذعن لأمر الآلهة من غير أن أخشى أحداً من الناس؟ وقد كنت أعلم أني ميتة وهل كان يمكن أن أجهل ذلك حتى لو لم تنطق به؟ لئن كان موتي سابقا لأوانه فما أرى في ذلك إلا خيرا ..."(23).
إذا نظرنا إلى قصة إبراهيم من هذه الزاوية تبين لنا أنها تحتوي على تناقض شبيه بالتناقض الذي صوره سوفوكليس في مسرحيته المذكورة. لا بد أن إبراهيم عانى الأمرين من التناقض بين احترامه لمتطلبات الأبوة العاطفية وواجباتها الأخلاقية من جهة، وبين ضرورة الاذعان للأمر الإلهي القاضي بذبح إسحق من جهة أخرى. كان إبراهيم يحب ولده أكثر مما يحب نفسه، وكان يقوم بواجبات الأبوة خير قيام، ولكن عساه أن يفعل إذا تعارض هذا الحب وتعارضت واجبات الأبوة مع متطلبات الطاعة التامة لأوامر الإله مع واجباته الدينية المطلقة تجاه ربه؟ الحق يقال أن محنة إبراهيم مشحونة بعناصر المأساة وببوادر توترها إلى درجة أعظم من مسرحية أنتيجونا لأن التناقض الأساسي في مسرحية سوفوكليس كان بين السلطة الزمنية وبين أوامر السماء الأزلية. ولكل واحد من طرفي هذا التناقض يعودان في نهاية الأمر إلى مصدر واحد هو الله. عندما خضعت أنتيجونا لأوامر السماء خالفت بذلك أوامر السلطات الزمنية، بينما حين خضع إبراهيم لأمر ربه ووضع المدية على عنق ولده خالف بذلك القواعد الاخلاقية المطلقة التي أنزلها الله على عباده عن كيفية معاملة الآباء للأبناء، والأبناء للآباء. بعبارة أخرى لما أطاع إبراهيم ربه من الناحية الدينية اضطر لأن يعصيه من الناحية الاخلاقية.
ولا تختلف محنة إبليس، من حيث النوعية، عن محنة كل من انتيجونا وإبراهيم. كان أمامه الأمر الإلهي المباشر بأن يقع ساجداً لآدم، وفي الحين ذاته كانت أمامه متطلبات المشيئة الالهية الداعية للتوحيد والتقديس والتسبيح والتي لا تسمح بالسجود لأحد سوى للذات الصمدية. فأذعن إبليس لمتطلبات المشيئة وعصى بذلك أمر السجود فطرد ولعن، وكتب عليه اليأس المطلق من العودة إلى الجنة. لكن مأساة إبليس كانت أعظم وأفجع من محنة إبراهيم، ولا نقول مأساة إبراهيم بسبب ذلك الكبش الذي ذبحه عوضاً عن إسحق، لأن التناقض الذي واجهه إبليس لم يكن بين واجبات الطاعة الدينية وبين واجبات الطاعة الاخلاقية، بل كان بين واجبات الطاعة للأوامر الالهية فحسب. بعبارة أخرى واجه إبليس الرب وهو يناقض نفسه بصورة مباشرة ومفضوحة فذهب ضحية هذا التناقض وضحية الموقف الذي اختاره ووقفه.
من ينظر إلى شخصية أنتيجونا بشئ من الدقة والعمق، لا يمكن أن يرى فيها مجرد البطلة التقليدية التي تمثل كل ما يوصف بالخير والحق والجمال، بينما يمثل خصمها نقيض هذه الخصال. كما أن من يفهم قصة إبراهيم بأبعادها الانسانية لا يمكنه أن يرى محاولته ذبح ولده مجرد جريمة نكراء تتنافى مع أبسط بديهيات الانسانية والأخلاق. وكذلك الأمر بالنسبة لإبليس لأن من يدقق النظر في محنته لن يرى في جحوده أمر السجود مجرد تجسيد للعصيان والشر والخطيئة. إذا نظرنا إلى الأمور من زاوية معينة فإننا نشك بأن إبليس كان عاصياً وجاحداً، ولكن من ناحية أخرى يجب ألا ننسى أن جحوده كان أعظم تقديس للذات الالهية وأكبر مثال على التمسك بحقيقة التوحيد. وقع إبليس في الاثم عندما جادل ربه ولكن الله هو الذي سمح له بذلك، وأصغى له عندما قال(أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين). وهنا تتجلى شخصية إبليس المأساوية باعتبارها مزيجا من البراءة والاثم، من الجمال والقبح، من الحق والباطل، ومن الخير والشر. إنه يتصف بهذه الصفات مجتمعة، شأنه في ذلك شأن الابطال المأساويين الذين عرفناهم من خلال التراجيديات الكبرى في تاريخ الأدب، إذ كان على إبليس أن يرفض السجود تماما كما كان على "أوريستيز" أن يقتل أمه، وعلى هاملت أن يقتل عمه، وكان عليه أن يتحمل مثلهم البلاء والألم واليأس الناتج عن فعله. وجميع هؤلاء الابطال وجدوا أنفسهم بين شقي الرحى. فهم محقون من ناحية وغير محقين من ناحية أخرى، ولا يتحمل هذا التوتر المأساوي إلا أشدهم بأساً وأصلبهم عوداً، أي لا يتحمله سوى من كان معدنهم من معدن الابطال.
3- ستتضح لنا الأمور بصورة أفضل لو ميزنا بين نوعين من المأساة:"مأساة الغربة" (Tragedy of Alienation )، و"مأساة المصير أو القدر" (Tragedy of Fate). وموضوع الذنب أريد أن أطرحه الآن هو: أن محنة إبليس تمثل بكل جلاء كلا النوعين من المأساة. ينتج البلاء في مأساة الغربة بسبب الانفصال عن "وضع معين"، كان البطل يشارك فيه قبلا ولكنه يجد نفسه غريبا عنه الآن. وتعطينا أعمال ميلتون ودوستويفسكي وكافكا وكتاب كامو "الغريب" أمثلة واضحة عن مأساة الغربة. أما بالنسبة لغربة إبليس فقد قال الحلاج، على لسان إبليس، وفي وصفها ووصف ويلاتها ما يلي:" أَفْردَنَى ، أوجدَني ، حيرني طردنى لئلا أختلط مع المخلصين ، مانَعنَي عن الأَغيار لغَيْرتي ، غَيّرني لِحيْرتِي ، حَيَّرَني لِغُربْتِي [-] حَرَّمَني ، لصُحبَتِي ، قَبَحَنِي لِمِدْحَتِي ، أَحْرَمَنِي لِهَجرتَي، هجرني لِمكُاَشَفَتي ، كَشَفَنِي لِوَصْلَتي"(24).
وكتب الامام المقدسي على لسان إبليس الأسطر التالية في وصف غربته وشقائه: "ثم لكمال شقوتي سألت الأنظار، فصرت أضحوكة للحضار، أذوب إذا سمعت الذاكرين، وأتمزق إذا رأيت الشاكرين، واحد أفر من ظله. وواحد أهرب من زكي فعله. وواحد تحرني أنفاسه. وواحد يعجزني مراسه.. إذا تاب التائب قصم ظهري. وإذا رجع الآيب نقص عمري، كلما بنيته مع العاصي في سنة، تهدمه التوبة في سنة، فأنا في ويل لا يزول. وحرب لا تحول، وحزن شرحه يطول"(25).
أما إذا رجعنا إلى الوصف الرائع الذي تركه لنا أبو الحيان التوحيدي لحال الغربة فإننا نجده ينطبق كل الانطباق على حال إبليس، قال أبو حيان: "يا هذا .. الغريب من غربت شمس جماله، واغترب عن حبيبه وعذاله، وأغرب في أقواله وأفعاله.. الغريب من نطق وصفه بالمحنة بعد المحنة، ودل عنوانه على الفتنة عقيب الفتنة، وبانت حقيقته فيه في الفينة حد الفينة.. يا رحمتاه للغريب .. طال سفره من غير قدوم، وطال بلاؤه من غير ذنب، واشتد ضرره من غير تقصير، وعظم عناؤه من غير جدوى"(26).
تعتبر مسرحية "الملك أوديب" ومسرحية "روميو وجولييت" لشكسبير من أروع ما كتب حول مأساة المصير. وكل من قرأ مسرحية سوفوكليس المذكورة يعرف كيف أخذ القدر مجراه المحتوم وصدقت جميع النبوءات، وكيف فشلت جميع المساعي التي قام بها أوديب وجوكاستا ليفلتا من مصيرهما المظلم. إذا نظرنا إلى محنة إبليس من هذه الزاوية تبين لنا أنه كان مسيرا في جميع خطواته وفقا للقدر الذي كتبه الله عليه شأنه في ذلك شأن كل ما هو كائن في ملكه بدليل الحديث القدسي القائل: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال يا رب وما أكتب قال مقادير كل شئ حتى تقوم الساعة من مات على غير هذا فليس مني"(27).
وعبر الحلاج عن هذه الحقيقة بانشاده عن إبليس: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له ***** إياك إياك أن تبتل بالماء
بعبارة أخرى كان إبليس خاضعا في أحواله واختياره وطرده ولعنته وتشويهه إلى أحكام الإرادة الإلهية ولأمر قضائه الذي لا يرد، كان مجبوراً بحكمته ومقهورا بمشيئته بدليل قوله تعالى: (إنا كل شئ خلقناه بقدر). وكتب الحلاج الكلمات التالية حول خضوع إبليس لقضائه وقدره: "قال الحق سبحانه لإبليس:"الاختيار لي لا لك"، فأجاب إبليس:"الاختيارات كلها واختياري لك، قد اخترت لي يا بديع وإن منعتني فأنت المنيع، وإن أخطأت في المقال فأنت السميع، وإن أردت أن أسجد له فأنا المطيع، لا أعرف في العارفين أعرف بك مني، لا تلمني فاللوم مني بعيد، وأجر سيدي فإني وحيد"(28).
هنا يجب ان نلفت النظر إلى أنه ليس كل من جار عليه القدر وسحقه المصير المحتوم يصبح بذلك شخصية مأساوية. لأن المرء يتوقف إلى حد كبير على نوعية الرد الفعل الذي يبديه الانسان تجاه محنته، وطبيعة الاستجابة التي يبديها نحو مصيره. وعلى سبيل المثال كانت شقيقة أنتيجونا واعية كل الوعي للتناقض الذي دفع باختها إلى نهايتها المفجعة غير أنه لا يجوز لنا بأية حال من الأحوال أن نعتبر أسمينا شخصية ماساوية لأنها ظلت سلبية في استجابتها لهذا التناقض واستسلمت لمجرى الاحداث، لذلك نراها تنصح بالتعقل والتحفظ وتثير الشكوك وتبدي المخاوف مما يبين أن معدنها لم يكن من معدن الأبطال. والاعتبار نفسه ينطبق على الملائكة (وسيماهم على وجوههم من أثر السجود). ومن الطريف أن نقارن بين موقف إبليس وموقف آدم من هذه الناحية. عصى آدم ربه شأنه في ذلك شأن إبليس ولو شاء ربك لآدم ألا يعصي لما عصى، ولما عاتبه الله على معصيته لم يبد آدم أي رد فعل إيجابي بل قال: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). أما البطل المأساوي الذي يصارع مصيره كما صارعه الملك اوديب فلا يقول(إني ظلمت نفسي)، لأنه يعلم حق العلم أن قدره المحتوم هو الذي ظلمه. أما إبليس فإنه استجاب بصورة إيجابية لعتاب ربه فقال (بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض) فنفى بذلك أن يكون قد ظلم نفسه أو أن يكون مسؤولا عن مصيره ومآله. ومرة أخرى ينطبق على إبليس وصف أبي حيان التوحيدي للغريب :"لا عذر له فيعذر، ولا ذنب فيغفر، ولا عيب عنده فيستر"(29). أي خاف آدم من الاعتراف بهذه الحقيقة لما عاتبه ربه بينما ناقشه إبليس وحاول أن يدافع عن فعله وأن يبرر اختياره بالغرم من علمه أنه لا مفر له مما قدره الله عليه مثله في ذلك كمثل أدويب وجوكاستا في محاولاتهما الافلات من مصيرهما المشؤوم مع العلم بأن فشلهما كان محتوما ومتوقعا. وحتى بعد أن نزلت اللعنة بإبليس ظل إيجابيا في موافقه وأفعاله بدليل قوله (لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين...) نرى إذن أن إبليس هو المعدن الذي صنع منه أبطال الأعمال التراجيدية الكبرى في الأدب العالمي وصورت شخصياتها المأساوية على صورته. ولا عجب إذن أن نجد بأن هؤلاء الأبطال كانوا إما على اتصال مباشر بالشيطان أو كانوا يتصفون بصفات شيطانية واضحة. كما أنه ليس من باب الصدفة أن تكون الشخصيات المأساوية الكبرى مستمدة في معظم الأحيان من بين جموع الشاذين والمخربين والعاصين والكافرين والجاحدين والقتلة، ولذلك وردت المحاكمات القانونية بكثرة في عدد كبير من الأعمال التراجيدية المشهورة. ويكفينا أن نذكر على سبيل المثال أسكيلوس، وكافكا، والأخوة كارامازوف، ورواية "الغريب" لكامو. وبامكاننا أن ننظر إلى الجدل الذي دار بين إبليس وربه على أنه نوع من المحاكمة العرفية السريعة حيث أتيحت لإبليس فرصة ليدافع عن نفسه قبل أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
| |
|
| |
Salmoni عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الإثنين يونيو 23, 2008 9:51 am | |
| 4- من العسير على الباحث في طبيعة المأساة ألا يتطرق إلى موضوع عاطفة الكبرياء وإلى الدور الذي تلعبه في حياة الشخصيات المأساوية. ويكتسب موضوع الكبرياء أهمية خاصة بالنسبة لنا بسبب الرأي الذي يعزو رفض إبليس السجود إلى دافع الكبرياء والفخار. قال الحق لإبليس لما طرده من الجنة "فاهبط منها فما لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين". ولندرك كبرياء إبليس على حقيقتها يجب أن نميز بين الكبرياء بمعنى العجرفة وبين "الكبرياء المأساوية" التي اتصفت بها الشخصيات المأساوية الكبرى، علما بأن هذا لا يمنع أن يكون البطل المأساوي متعجرفا. غير أن هذه الخصلة الذميمة تبقى عرضية وطارئة بالنسبة لبطولته ومأساته. فالتعجرف والكبرياء والدونكيشوتية لا يجلبان لصاحبهما سوى الشفقة والسخرية، أما الكبرياء المأساوية فإنها تفرض علينا موقفا جديا تجاه البطل فيه الكثير من الاعجاب والتقدير حتى لو كان موقفه مخالفا لكافة مبادئنا ومواقفنا الخاصة. لذلك كانت الكبرياء دوما من أهم الدوافع التي حركت الشخصيات المأساوية من الملك أوديب إلى إيفان كارامازوف.
يتكون جوهر الكبرياء الماساوية من رفض البطل لأن يبقى سلبيا في وجه ما يعتبره تحديا لواجبه وكرامته حتى لو كان يعلم أن هذا التحدي هو جزء من مصيره وأن كبرياءه ستنتهي به إلى الدمار واليأس والموت. هكذا انتهى أوديب وهكذا انتهت أنتيجونا وهكذا انتهى إبليس. أما آدم فلم يعرف هذا النوع من الكبرياء على الاطلاق ولو كان مقدرا له ان يكون شخصية ماساوية لما قال (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). نستنتج إذن أن كبرياء إبليس لم تكن ناتجة عن عجرفة فارغة ولا عن تطاول على معبوده بل كانت كبرياء ماساوية دفعته لأن يلجا إلى الله من قضاء الله عليه. ولم يغير إبليس موقفه من ربه حتى بعد أن أصبح طريدا ولعينا، وظل يعترف بسلطانه وقوته ويخاف منه ولا يقرّ لنفسه بمعبود سواه بدليل قوله تعالى (كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين). وبدليل جواب إبليس عندما أقسم أمام الله (بعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) - سورة ص 83, 84. أي أنه بيّن أن لا شئ أعز عنده من عزة ربه، حتى بعد أن نزلت به اللعنة، واستثنى عباده المخلصين من قسمه وكأنه يريد أن يبين حسن ثنائه وصدق ولائه لرب العالمين، حتى بعد اللعنة والطرد. لم يكن إبليس غريبا فحسب بل كان في غربته غريبا على حد تعبير أبي حيان. يصف الحلاج موقف إبليس من ربه بعد أن نزلت عليه اللعنة الابدية في محادثته التي تخيلها بين موسى وإبليس: "فقال موسى "الآن تَذْكُرُهُ؟" - فقال يا موسى الفِكْرَةُ لا تذكر ، أنا مذكور وهو مذكور ، ذِكْرُهُ ذِكرى ، وذِكْرِى ذِكْرُهُ ، هَلْ يكون الذاكرون إلا مَعاً ؟ خِدْمتِى الآن أَصْفَى ، ووقَتْى أَخْلى ، وذِكْرى أَجْلى ، لأَنى كنْتُ أخدِمُهُ فى القِدَم لحظِى ، والآن أخدمُهُ لحظَّه"ِ.
ونظر الإمام المقدسي إلى مصير إبليس وكبريائه نظرة غير مألوفة متأثرا في ذلك برأي الحلاج فقال: "قال لي أسجد لغيري قلت لا غير، قال عليك لعنتي قلت لا ضير، إن أدنيتني فأنت أنت، قال تفعل ذلك استكبارا وفخارا، فقلت سيدي من عرفك في عمره لحظة، أو خلا بك في دهره غمضة، أو صحبك في طريق محبتك ساعة، حق له أن يفتخر، كيف بمن قد قطع الأعمار. وعمر بحبك الآثار. كم قد رقمت من صحائف توحيدك في الليل والنهار. كم قد درست من دروس تقديسك وتمجيدك في الإعلان والإسرار، والآثار تشهد لي، والديار تعرف بحقي، والليل والنهار يصدقني.. فأين كان آدم وأنا أمام صفوف الملائكة، وخطيب جميع الكروبيين، وقادة وفد المقربين فلي معك سابق عبادة، ولك معي سابق إرادة، فلما ظهرت أعلام الإرادة، انطمست رسوم العبادة، فأخطأ المجتهد اجتهاده، وزال السيد عن رتب السيادة، وأصابه سهم القضا فما أخطى فءاده. فسواء أسجد أو لم أسجد. وعبدت أم لم أعبد، فلا بد من الرجوع إلى سابقة الأقدار. فإنك خلقتني من نار، فلا بد من العود إلى النار. منها خلقناكم وفيها نعيدكم"(31).
_________________________ 1- ألقيت كمحاضرة في النادي الثقافي العربي في بيروت، 10 كانون الأول 1965، نشرت مع شئ من الاختصار بمجلة "حوار"، بيروت، كانون الثاني 1966. أنظر أيضا مجلة النادي "الثقافة العربية"، العدد الثاني، شباط 1966. 2- حققه محمد منير الدمشقي، مطبعة النهضة، القاهرة، 1928. 3- راجع "تلبيس إبليس"، ص: 39- 44، 65، 73، 82، 83. 4- ص: 164- 165. 5- ص: 45- 47. 6- ص: 126. 7- من كتابه "مدخل إلى فلسفة الحضارة الإنسانية، أو مقال في الانسان"، ترجمة الدكتور إحسان عباس، دار الأندلس، بيروت، 1961، ص: 147- 148. 8- تفليس إبليس، مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة، 1906، ص: 11. 9- أورد الطبري في تفسيره الشهير الأسطورة التالية، وهي ذات مغزى هام بالنسبة للموضوع الذي نحن بصدده:"فبعث جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني. فرجع، ولم يأخذ. وقال: رب، إنها عاذت بك فأعذتها، فبعث الله ميكائيل، فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل، فبعث ملك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض، وخلط فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين". تمثل هذه القصة الفارق بين المشيئة والأمر، أمر الله جبرائيل وميكائيل، أن يأتيانه بطين من الأرض ولكنه شاء ألا يتحقق الأمر إلا على يدي ملك الموت، وكان له ما شاء. "تفسير الطبري" تحقيق محمود محمد شاكر، دار المعارف بمصر، ج 1- ص: 459. 10- تفسير الطبري، ج 1 - ص: 475. 11- تفليس إبليس، ص 15. 12- "كتاب الطواسين"، تحقيق لويس ماسينيون، باريس 1913، طاسين الأزل والالتباس. 13- طاسين الأزل والالتباس. 14- المصدر نفسه. 15- عباس محمود العقاد، "إبليس"، دار الهلال، القاهرة، ص: 10- 11. 16- العقاد، ص 148. 17- "كتاب الطواسين"، المقدمة، ص 11- 12. 18- تفليس، ص 4. 19- قال فريق من المجتهدين أن الابن الذي أمر إبراهيم بذبحه هو اسحق، بينما قال فريق آخر بأنه إسماعيل. وقد ناقش الطبري في تفسيره آراء الفريقين، وأورد حججهم وانتهى إلى تبني رأي القائلين بأنه إسحق. وسأتبع رأي الطبري في هذه التسمية. تفسير الطبري، (الطبعة القديمة)، المطبعة اليمنية بمصر، ج 8، الجزء 3، 49. 20- يرى كيركيجور في استعادة إبراهيم لابنه إسحق خاتمة دينية خاصة تسمو بقصة إبراهيم فوق المأساة بمعناها الأدبي المعروف ويرى في شخصية إبراهيم إنسانا تجاوز بمراحل شخصية البطل المأساوي كما نجده في الأدب العالمي. بينما الواقع هو أن قصة إبراهيم تقتصر تقصيرا تاما عن الوصول إلى مستوى المأساة، وتبقى شخصيته دون شخصية البطل المأساوي للأسباب المذكورة أعلاه. 21- تفليس إبليس - ص: 15. 22- طه حسين- "من الأدب التمثيلي اليوناني، سوفوكليس" - دار المعارف بمصر، ص: 138. 23- من الأدب التمثيلي - ص: 151. 24- طاسين الأزل والالتباس 25- تفليس - ص: 36- 37. 26- "الإشارات الألهية"، تحقيق عبدالرحمن البدوي، القاهرة، 1950، ص: 80، 81، 82. 27- الشيخ محمد المدني، الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية، حيدآباد، 1258 هـ. - ص: 87. 28- طاسين الأزل والالتباس. 29- الاشارات الالهية، ص: 81. 30- طاسين الأزل والالتباس. 31- تفليس، ص: 21- 22.
| |
|
| |
Salmoni عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الإثنين يونيو 23, 2008 9:53 am | |
| مأساة إبليس 2\2
صادق جلال العظم
القسم الرابع
عالجت في الصفحات السابقة مشكلة إبليس على مستويات مختلفة، بدأت بالنظرة التقليدية الشائعة ثم وصفت محنته ثم حددت النواحي المأساوية في شخصيته وموقفه، ومما لا ريب فيه أنه كلما انتقلنا من أحد هذه المستويات الثلاث إلى المستوى الذي يليه انكشفت لنا حقيقة إبليس بصورة أفضل وأعمق وتبينت لنا جوانب شخصيته المتعددة بجلاء أعظم. ولكن هذا لا يعني أن فهمنا لشخصية إبليس على مستوى المأساة يبين لنا حقيقته تامة وكاملة إذ أن شخصيته ليست من إنتاج الخيال الأدبي والدرامي بقدر ما هي من إنتاج الخيال الديني الصرف. لذلك تظل نظرتنا المأساوية إلى إبليس ناقصة لا تكشف إلى جانباً من حقيقته ولن تكتمل الصورة ما لم نعالجها على المستوى الديني البحت الذي سيكشف لنا وضع إبليس الحقيقي والنهائي في نظام الخليفة. أما السبب الرئيسي الذي يدعوني إلى هذا القول فهو تعذر قيام المأساة بمعناها النهائي والمطلق ضمن إطار الأديان السامية الثلاثة. يستحيل على الدين أن يقبل المأساة بصفتها النهائية لأن العناية الإلهية تحيط بالكون إحاطة تامة وتسيره نحو الغايات القصوى التي اختارها اللـه له، لذلك نجد أن الدين بطبيعته يدعي تجاوز المأساة مهما كانت مفجعة ويدعي حل جميع إشكالاتها، إن لم يكن في الحياة الدنيا، ففي الآخرة إذن. وعلى سبيل المثال تتطلب النظرة المأساوية للأشياء أن يتكبد الأبطال خسائر فادحة لا يمكن أن تعوّض على الإطلاق يرمز إليها في معظم الأحيان بالموت أو اليأس التام، كما يطلب من الأبطال أن يتحملوا بلاء وعذاباً لم يستحقوهما ولم يريدوهما لأنفسهم. أما الدين فلا يقبل بهذا المنطق المأساوي ويقول بأن الخسائر التي يتكبدها الصالحون ستعوض عليهم في يوم ما كما عوّض اللـه أيوب على المصائب التي حلت به وكافأه على صبره الطويل. أما الخسائر التي يتكبدها الأشرار فإنها عقاب عادل استحقوه بسبب آثامهم وأفعالهم الشريرة بدليل أن "من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وحتى فاجعة الموت، بالنسبة للدين، ليست إلا خسارة مؤقتة ترمز إلى الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء. أي أن الدين لا يقبل المأساة إلى بصورة مؤقتة ومرحلية ويتبع من ذلك أنه لا بد لمأساة إبليس من أن تكون مأساة مؤقتة ستتلاشى في يوم من الأيام.
بعد هذه الإشارة إلى حدود النظرة المأساوية إلى شخصية إبليس أريد أن أطرح السؤال التالي: لماذا أمر إبليس بالسجود لآدم؟ أو بالأحرى لماذا وضعه اللـه في هذا المأزق ورماه في هذه المحنة؟ والجواب هو لأنه أراد أن يمتحنه ويجربه كما امتحن من بعده أيوب وابراهيم وغيرهما من عباده الصالحين. والإشارة إلى تجربة إبليس واضحة في قوله لربه "بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض" و "فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم..." أي أنه سيغوي البشر كما أغواه اللـه وسيبتليهم كما ابتلاه. كان إبليس أمام الملائكة وخطيب الكروبيين فأراد اللـه أن يبتليه فأمره بالسجود لآدم ليرى مدى تمسكه بحقيقة التوحيد وتشبثه بدعواه في التقديس والتسبيح، وبرهن إبليس عن استعداده لأن يضحي بكل شيء في سبيل دعواه بمعبود واحد. يقول الحلاج عن إبليس: "هو الذي كان أعلمهم بالسجود، وأقربهم من الموجود، وأبذلهم للمجهود، وأوفاهم بالعهود، وأدناهم من المعبود سجدوا لآدم على المساعدة وإبليس جحد بالسجود لمدته الطويلة على المشاهدة" (32).
وكما ابتلى اللـه ابراهيم بأن طلب منه تضحية أعز ما عنده في سبيل وجهه تعالى كذلك ابتلى إبليس بأن طلب إليه تضحية أعز ما لديه في سبيل معبوده ومحبوبه.
من خصائص التجربة الدينية أنها تدخل الممتحن في محنة صعبة تحمله ما لا يطاق، فتظهر حقيقته بكل جلاء وبدون أي تمويه أو تزييف. والفكرة الرئيسية التي أريد أن أبينها هي أن إبليس اجتاز التجربة التي ابتلاه اللـه بها بنجاح تام، وتتضح لنا هذه الحقيقة من الاعتبارات التالية:
1 – نجح ابراهيم في التجربة لأنه علّق مفعول واجباته الأبوية والتزاماته العائلية والإنسانية ليذعن للأوامر الإلهية ويقوم بواجبه نحو ربه مهما كلفه الأمر. كذلك نقول أن إبليس نجح في التجربة لأنه علق مفعول واجبات الطاعة الجزئية ليذعن للمشيئة الإلهية ويتمسكل بواجبه المطلق في التوحيد والتقديس.
2 – كما حول الأمر الإلهي، ذبح إسحق من مجرد جريمة نكراء إلى تضحية كبرى وعطاء ما بعده عطاء، حول تمسك إبليس بواجبه المطلق، جحوده من مجرد عصيان إلى أسمى تقديس توجه به مخلوق إلى الذات الإلهية.
3 – في الواقع جعل الأمر الإلهي من واجبات ابراهيم الأبوية والتزاماته الإنسانية، واجبات ابتلاء لو أذعن لها لفشل في التجربة، كذلك أصبحت واجبات إبليس الجزئية واجبات ابتلاء بالنسبة للواجب المطلق، لو امتثل لها لفشل في التجربة.
4 – كما أن ابراهيم لم يسلك سلوك الإنسان العادي تجاه واجباته الأبوية وإنما سلك سلوك الأنبياء والأولياء فظهرت حقيقته من خلال التجربة، لم يسلك إبليس سلوك الملائكة بالنسبة لواجباته الجزئية نحو اللـه بل سلك سلوك القديسين والصالحين والمقربين فبانت بذلك حقيقته بكل صفائها ونقائها.
5 – أصبح من الجلي أن الابتلاء الإلهي هو مصدر البلاء والعذاب واليأس الذي يمر به الممتحن. كانت رغبة ابراهيم الشديدة في إنقاذ إسحق والاحتفاظ به مصدر عذابه وشقائه، ولولا هذه الرغبة العنيفة لما استحقت تجربته كل هذا الاهتمام لأنه يكون قد قدم إلى ربه شيئاً لا يعز عليه إلا قليلاً ولا يشكل فقدانه بلاء عظيماً. كذلك الأمر بالنسبة لإبليس. عندما جربه اللـه كان يشعر برغبة جامحة لأن يذعن لأمر السجود وعز عليه إلى أقصى الحدود أن يضحي بهذه الرغبة في سبيل تمسكه بحقيقة التوحيد وإلا يكون قد ضحى بشيء لم يكن يرغب فيه أصلاً إلا رغبة طفيفة. كان إبليس وابراهيم يعلمان أن اللـه يجربهما وأنه يطلب منهما أشق أنواع التضحيات وأغلاها على الإطلاق ولكن ما من تضحية تصعب عليهما في سبيل وجهه تعالى، لذلك رفض إبليس السجود ورفض إبراهيم روابط الأبوة والإنسانية.
وعندما عالجنا محنة إبليس على مستوى المأساة وقارناها بقصة ابراهيم ومسرحية أنتيجونا ذكرنا أن محنة ابراهيم عجزت عن الوصول إلى مستوى المأساة بسبب ذلك الكبش المشهور وبسبب تعذر وجود المأساة الحقيقية في الدين. كما قلنا حينئذ أن محنة أنتيجونا تعلوها في الأهمية من حيث أنها تمثل مأساة حقيقية، أما محنة إبليس فاعتبرناها مأساة المآسي لأنها تعبر عن المأساة بأجلى صورها وأقصى حدودها وأبعد معانيها. غير أنه عندما ندرس هذا الموضوع على مستوى التجربة الدينية نضطر لأن نغير هذا التصنيف ونستعيض عنه بتصنيف جديد ينسجم مع منطق الدين وموقفه من المأساة. ولو قدّر لحقيقة إبليس أن تتجلى على مستوى المأساة فحسب لانتهت مشاغلنا عند التصنيف الأول. أما التصنيف الجديد فإنه يضع محنة أنتيجونا في أسفل السلم لأن تجرتها فرضت عليها الاختيار بين أمر السلطة الزمنية وبين أمر السماء وكل منهما يعود إلى مصدر غير المصدر الذي يعود إليه الآخر. بينما نجد أن تجربة ابراهيم كانت أهم مغزى وأقوى مفعولا لأنها خيرته بين أمر اللـه المباشر وبين الواجبات الأبوية والالتزامات الأخلاقية والإنسانية التي كان يعتقد ابراهيم أنها مقدسة ومنزلة من عنده تعالى. أي أن اختياره كان بين أمرين نبعا من مصدر واحد هو اللـه. أما تجربة إبليس فهي تجربة التجارب وأعظمها شأناً وأشدها مرارة لأنها اضطرته للاختيار بين متطلبات المشيئة الربانية من ناحية وبين الأمر الإلهي المباشر من الناحية الأخرى. أي لم يكن على إبليس أن يختار بين الدنيوي والأزلي كما كان على أنتيجونا أن تفعل، ولم يكن عليه أن يختار بين الإلهي والأخلاقي كما كان على ابراهيم أن يفعل، بل كان عليه أن يختار بين الإلهي والإلهي أو بين الأزلي والأزلي لذلك كان ابتلاؤه لا يطاق وبلاؤه لا يقاس ويأسه لا يوصف.
من المقومات الأساسية للتجربة الدينية الناجحة أن يجهل الممتحن جهلاً تاماً النهاية التي ستسفر عنها تجربته إن كانت هذه النهاية لصالحه أم لم تكن. فلو شك ابراهيم لحظة واحدة أنه سيذبح كبشاً عوضاً عن إسحق لما كانت محنته تجربة بل كانت مهزلة، ولو توقع أيوب تعويضاً لصبره على المصائب التي ابتلاه اللـه بها فتحمل العسر أملاً منه باليسر الذي سيليه لفقدت تجربته كل معانيها ومغازيها وفشل في الامتحان. ولو دخل في خلد إبليس يوماً أن لعنته ليست أبدية أو أن خاتمته النهائية ليست جهنم وبئس المصير لانقلبت محنته من تجربة مفعمة بالمأساة إلى مسرحية هزلية. بعبارة أخرى من شروط التجربة الناجحة أن يعتقد الممتحن اعتقاداً راسخاً لا يتطرق إليه الشك بأن تجربته ستسفر عن خاتمة مفجعة، وكم عندئذ ستكون فرحته عظيمة عندما يكتشف أنها أسفرت عن نهاية سعيدة، كما حدث لابراهيم لما استعاد ولده، ولأيوب لما أعاد اللـه إليه أمواله وذريته أضعافاً مضاعفة. وبما أن اللـه كافأ ابراهيم وأيوب على صبرهما ونجاحهما وتمسكهما بواجبهما المطلق نحوه يجوز لنا أن نستنتج بأنه سيكافئ إبليس على نجاحه وتضحيته ويعوض عليه ما تكبده من خسارة مفجعة وما عاناه من شقاء وبلاء وغربة. ولكن إذا كان هذا الاستنتاج صحيحاً لماذا لعنه إلى يوم الدين؟ الجواب بسيط: لعنه إلى يوم الدين لأن التجربة بحد ذاتها تتطلب ذلك، فلو اعتقد إبليس مثلاً أن اللعنة نزلت به كانت مؤقتة فأمل بالعودة إلى الجنة لفقدت تجربته مغزاها ومعناها، ذلك لأن تمسكه بحقيقة التوحيد، بالرغم من يأسه التام من النجاة، هو دليل اجتيازه التجربة بنجاح، تماماً كما كان يأس ابراهيم من إنقاذ اسحق ووضعه المدية على عنقه الدليل القاطع على نجاحه في التجربة التي ابتلاه اللـه بها. بعبارة أخرى لا تبين اللعنة الأبدية مصير إبليس الحقيقي فهو أمر يجب أن يظل سراً مكتوماً عنه إلى أن يحين موعد إفشائه، تماماً كما ظل مصير إسحق سراً مكتوماً على ابراهيم حتى حان الوقت المناسب لإعلانه. كما أنه لا يجوز لإبليس أن يبقى ملعوناً إلى الأبد، بعد اجتيازه التجربة بنجاح، لأن بقاءه على هذه الحال يشكل مأساة كبرى وحقيقية في الكون. ومنطق الدين، كما مر معنا مراراً، لا يسمح بذلك على الإطلاق.
كما أن فهمنا لشخصية إبليس على مستوى المأساة لا يبين لنا حقيقته تامة وكاملة، كذلك الأمر بالنسبة لمعالجتنا لشخصيته على مستوى التجربة والابتلاء مع العلم بأن مستوى التجربة يقربنا إلى حقيقته بصورة أفضل وأعمق من أي مستوى آخر ذكرناه. ولنصل إلى معرفة حقيقة إبليس التامة ومنزلته الفعلية في الكون علينا تحديد علاقته الجوهرية المباشرة بالمشيئة الإلهية. ومهما بحثت لن أجد تعبيراً عن علاقة إبليس الحقيقية بالمشيئة الإلهية أفضل من التعبير الذي ضمنه الإمام المقدسي في الأسطر التالية حيث قال على لسان إبليس:
"خلقني كما شاء. وأوجدني لما شاء. واستعملني فيما شاء. وقدّر علي ما شاء فلم أطق أن أشاء إلا ما شاء. فما تجاوزت ما شاء. ولا فعلت غير ما شاء. ولو شاء لردني إلى ما شاء. وهداني بما شاء ولكنه شاء. فكنت كما شاء... فمن يكون على القضاء عوني. ومن يطق من القدر صوني. ولكن كل ما يرضيه مني. رضيت به على رأسي وعيني. يا هذا ما حيلة من ناصيته في قبضة القهر. وقلبه بيد القدر. وأمره راجع إلى حكم القدم. وقد قضي الأمر وجف القلم" (33).
بعبارة أخرى كان إبليس صنيعة الإرادة الإلهية خاضعاً لأحكامها ومنفذاً لطلباتها. وعندما اختار العصيان والجحود لم يختر سوى ما كان اللـه قد اختاره له منذ الأزل. إنه مستعمل فيما قدّره اللـه عليه واقع في قبضة قهره وبذلك بطل الأمر والنهي. يستطرد الإمام المقدسي في تبيان مكانة إبليس الحقيقية والغرض الإلهي من طرده فيقول على لسان إبليس:
"يا هذا. أتظن أني أخطأت التدبير. ورددت التقدير. وغيرّني التغيير. لا وعلو عزته. وسنا قدرته. لكنه خلق الحسن والقبيح. والمستقيم والصحيح. جمعاً بين الشيء وضده. ليدل على كمال قدرته. فإن الأشياء لا تعرف إلا بالأضداد. فجعلني في الأول أعلم المحاسن في الملأ الأعلى فأبينها للأملاك. وأزين بها الأفلاك. فكنت معلم التوحيد. فلما طالع أطفال المكتب أمثلة توحيدهم. وحققوا حروف هجاء تقديسهم وتمجيدهم. نقلني من العالم الأعلى إلى العالم الأسفل أعلمهم ما هو ضد ذلك فأبين لهم القبائح وأزينها لهم. فبي عرف الحسن والقبيح. وميز المستقيم والصحيح. فأنا في الأرض والسماء. عريف العرفاء. معلم العلماء. فأنا معجز القدرة. ومشاهد حضرة الحكمة. فمن هو في الحضرة أدنى مني. ومن هو في الذكر أشهى مني. فلي شرف إذ ذكرني. وإن كان لعنني. ولي فخر إذ نظرني. وإن كان قد طردني. فبمعرفتي له أنكرني. ولحيرتي به حيرني. ولغيرتي عليه غيرني. ولخدمتي خذلني. ولصحبتي حرمني. فالآن وقتي به أصفى. وحالي معه أشفى. لأني كنت أخدمه لحظي. والآن أخدمه لحظه. فارتفع الحظ من البين. وأنت تظنه بين. فلئن كنت قد سقطت من العين. فقد وقعت في عين العين" (34).
سأكرس هذا القسم من بحثي لمحاولة إيجاد تعليل ديني مقبول لبعض المفارقات التي وردت معنا في الأقسام السابقة من هذا البحث وللإجابة على بعض الاسئلة الهامة التي ما تزال معلقة. وفي ما يلي تصنيف لأهم هذه المفارقات والأسئلة.
1) عندما طرحت السؤال، لماذا أمر إبليس بالسجود لآدم، أجبت عليه بقولي: لأن اللـه أراد أن يجربه ويبتليه كما جرب ابراهيم وأيوب من بعده، والسؤال الذي يبرز أمامنا الآن هو، لماذا يبتلي اللـه ملائكته وعباده وهو العليم بكل ما يظهرون وما يبطنون؟ هل باستطاعتنا مثلاً أن نحدد صفة من الصفات الإلهية التي تدعو اللـه لأن يجرب عباده؟ أو بالأحرى إلى أية صفة من صفات الذات الإلهية يجب أن ننسب هذا الميل إلى ابتلاء العباد؟ 2) لما ميزنا بين المشيئة والأمر في مطلع هذا البحث ذكرنا أن اللـه يأمر أحياناً بشيء بينما يكون قد شاء تحقيق شيء آخر. ترى هل من تعليل ديني لهذه المفارقة في تصرفات الإله؟ 3) رأينا أن إبليس واقع في قبضة قهرة خاضع خضوعاً تاماً لقدره وأحكام مشيئته، شأنه في ذلك شأن بقية المخلوقات، مما يبطل مفعول الأمر والنهي عنه. إذا كان هذا القول صحيحاً لماذا طرده من الجنة بحجة الأمر والنهي؟ بالإضافة إلى ذلك قدر اللـه منذ الأزل من هم أصحاب الجنة ومن هم أصحاب النار. والأدلة الدينية على ذلك عديدة أورد منها، على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، الحديث القدسي التالي: "إن اللـه تعالى قبض قبضة فقال هذا إلى الجنة برحمتي ولا أبالي وقبض قبضة هذا إلى النار ولا أبالي" (35). ولكن بالرغم من ذلك أنزل اللـه الكتب وأرسل الرسل وشحنها بالأمر والنهي وميز بين الحلال والحرام، وما فائدة كل ذلك لمن كان مجبوراً بحكمته ومستعملاً فيما قدره عليه. 4) إذا كان اللـه صانع الأشياء كلها ومقدر الخير والشر على عباده لماذا أراد للناس أن يعتقدوا أن إبليس هو سبب الشر والمعصية ولماذا شاء تحميله أوزار أولئك الذين خلقهم للشر وأجرى الشر على يديهم؟ هل باستطاعتنا أن نعلل هذه المفارقة بردها إلى إحدى الصفات الإلهية المعروفة؟
أعتقد أن الصفة الإلهية التي نبحث عنها للإجابة عن هذه الأسئلة هي صفة المكر. وإليكم بعض الآيات القرآنية التي تبين طبيعة هذه الصفة: 1) "ومكروا ومكر اللـه واللـه خير الماكرين" (آل عمران 54). 2) "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر اللـه واللـه خير الماكرين" (الأنفال 30). 3) "وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مسّتهم إذا لهم مكر في آياتنا قل اللـه أسرع مكراً إن رسلنا يكتبون ما تمكرون" (يونس 21).
نجد أيضاً أن بعض الآيات الأخرى تنسب إلى الذات الإلهية صفة متشابهة هي صفة الاستهزاء، كما في قوله تعالى "اللـه يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون" (البقرة 15). وأوردت بعض الآيات المعنى نفسه دون ذكر المكر الإلهي وتخصيصه كما في الآيات التالية:
1) "ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين" (آل عمران 178). 2) "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول". أي وجب عليها العذاب (الإسراء 16). 3) "إن المنافقين يخادعون اللـه وهو خادعهم.." (النساء 141).
نستخلص من تفسير الطبري للآيات المذكورة ما يلي: أ) ينطوي المكر على الاستهزاء والخديعة (36). ب) ينطوي المكر على إظهار شيء لشخص ما وإضمار شيء آخر له لذلك: "يظهر لهم من أحكامه في الدنيا خلاف الذي عنده في الآخرة" (37). ج) إملاء اللـه للقوم، يعني "أن يمد من عمرهم وسعادتهم وجاههم، ليأخذهم في حال أمنهم عند أنفسهم بغتة" (38). د) لما قال اللـه: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول" كان قد شاء تدمير القرية، ولكن لئلا يكون للعباد عليه حجة في ما شاء لجأ إلى المكر فأمر مترفيها أن يفسقوا حتى يبدو للجميع وكأن القرية استحقت ذلك التدمير. بينما الحقيقة غير ذلك.
| |
|
| |
Salmoni عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الإثنين يونيو 23, 2008 9:55 am | |
| ويشرح أبو طالب المكي فكرة المكر الإلهي ويربطها بكل وضوح بابتلاء العباد فيقول في كتابه الشهير "قوت القلوب" ما يلي: "وحدثنا عن أبي محمد سهل رحمه اللـه تعالى قال رأيت كأني أدخلت الجنة فلقيت فيها ثلثمائة نبي فسألتهم ما أخوف ما كنتم تخافون في الدنيا فقالوا لي سوء الخاتمة هي من مكر اللـه تعالى الذي لا يوصف ولا يفطن له ولا عليه يوقف ولا نهاية لمكره لأن مشيئته وأحكامه لا غاية لها ومن ذلك الخبر المشهور أن النبي صلى اللـه عليه وسلم وجبريل بكيا خوفاً من اللـه تعالى فأوحى اللـه إليهما لم تبكيان وقد أمنتكما، فقالا ومن يأمن مكرك فلولا أنهما علما أن مكره لا نهاية له لآن حكمه لا غاية له لم يقولا ومن يأمن مكرك مع قوله قد أمنتكما ولكان قد انتهى مكره بقوله، ولكانا قد وقفا على آخر مكره، ولكن خافا من بقية المكر الذي هو غيب عنهما.. فكأنهما خافا أن يكون قوله تعالى (وقد أمنتكما مكري) مكرا منه أيضا.. ويختبر بذلك حالهما.. كما اختبر خليله عليه السلام لما هوى به المنجنيق في الهواء فقال (حسبي الله ربي) فعارضه جبريل عليه السلام فقال: ألك حاجة؟ قال: لا، وفاء بقوله: (حسبي الله) فصدق القول بالعمل"(39).
بعد هذه المراجعة السريعة لفكرة المكر الالهي بامكاننا القول أن الله كان يبدي لإبليس من الرضا غير ما شاء له من مصير وأضمر له من قدر ومحنة وخاتمة. أي أنه مكر به فأمره ظاهراً بالسجود لآدم ولكنه شاء له ضمنا أن يعصي الأمر حتى يكون له حجة على إبليس ليفعل به ما شاء وينفذ فيه قضاءه وقدره. لم يكن أمر الابتلاء إذن سوى أداة المكر الإلهي غايتها تنفيذ أحكام المشيئة وتبريرها أمام مخلوقاته فتصبح بذلك مقبولة في أعينهم فلا يكون لهم حجة عليه فيما يفعل بهم. وكما قال أبو طالب المكي: لا غاية لمشيئته وأحكامه، ولكن المكر الإلهي يتدخل ليجعل الأمور تبدو للعباد على غير ما هي عليه أي ليجعل المشيئة تبدو وكأن لها غايات ومبررات وأسبابا. لذلك مكر الله بالملائكة فأبدى لهم وكأن إبليس طرد لسبب وجيه هو العصيان ولولا هذا التدبير الماكر لاستعظمت الملائكة طرد سيدهم أكثر مما استعظمت قوله: (إني جاعل في الأرض خليفة)، ولتعذر عليها تحمل أحكام المشيئة الربانية ومواجهتها مباشرة دون توسط المكر بمبرارته وتفسيراته. لذلك طرده من الجنة بحجة الأمر والنهي وليس بحجة نفاذ مشيئته فيه. كما أنه يحسن للعباد، من الناحية العملية، أن يعتقدوا أن إبليس عصى أمر ربه فطرده بسبب جحوده، لأنهم لو آمنوا عن حق بأن الله قدر عليه هذا المصير التعيس منذ الأزل لما تحملت عقولهم هذه الحكمة فيفقدون صوابهم ويكفرون بعدالته ورحمته. لذلك رأى أن الإمام المقدسي قد وقع على عين الصواب حين كتب ما يلي عن إبليس:
"إن زل أحدهم قال إنما استزلهم الشيطان. وإن نسي أحدهم قال فأنساه الشيطان. وإن عمل أحدهم قال هذا من عمل الشيطان، فأنا حمّال أوزار المذنبين، وحمّال أثقال الخاطئين".(40).
رأينا أن أبا طالب المكي ربط بين تجربة إبراهيم وبين المكر الإلهي لأنه عندما كان إبراهيم على وشك السقوط في النار توكل على الله توكلا تاماً بقوله (حسبي الله ربي) غير أن الله اراد اختبار تمسكه بهذا التوكل فمكر به بأن أرسل له جبريل يعرض عليه المساعدة. أي كان إرسال جبريل إغواءاً له للجحود بتوكله على الله ولكنه رفض مساعدة الملاك ونجح في التجربة، فكانت النار برداً و سلاماً على إبراهيم. بعبارة أخرى شاء الله منذ القدم لإبراهيم أن يكون من أهل الجنة ومن أنبيائه الصالحين فابتلاه حتى لا يكون لأحد من مخلوقاته حجة عليه فيما شاء لإبراهيم من قدر ومصير. أما بالنسبة لإبليس فقد شاء له الله منذ الأزل أن يكون معلم التوحيد في الملأ الأعلى وأن يكون معلم الشر والمعصية في العالم الأدنى لذلك ابتلاه ومكر به حتى لا يكون لأحد عليه حجة فيما شاء لإبليس من مصير تعيس.
ومع أن الله قرر منذ الأزل من هم أصحاب الجنة ومن هم أصحاب النار، أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وملأها بالأمر والنهي، وميز بين الحلال والحرام ليبدي لعباده أن سعادتهم وشقاوتهم تتوقفان على سلوكهم واختياراتهم في إتباع أنبيائه والتمسك بشرائعه وبذلك لا يكون لهم حجة عليه بالنسبة للمصير الذي كتبه عليهم "إنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون". وهذا يعني أن إرسال الرسم، وإنزال الكتب، والتمييز بين الحلال والحرام ليست إلا وسائط مكر لتنفيذ أحكام مشيئته في عباده، شأنهم في ذلك شأن أهل القرية التي أراد الله تدميرها فأمر مترفيها ففسقوا فيها، وشأن الذين أملى الله لهم خيرا لأنفسهم ليزدادوا إثما فعذبهم عذاباً مهينا. ومع أن إبليس كان مجبوراً بحكمته لا حول له ولا قوة تجاه ربه لم ينفذ مشيئته فيه ويلعنه إلا بعد أن مكر به بواسطة أمر السجود, فظهر للجميع وكأن إبليس كان مسؤولاً واستحق هذا العقاب.
رددنا مراراً أن الله هو صانع الخير والشر بدليل الحديث القدسي القائل: " إن الله عز وجل يقول لا إله إلا أنا خلقت الخير وقدّرته فطوبى لمن خلقته للخير وخلقت الخير له وأجريت الخير على يديه، أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الشر وقدرته فويل لمن خلقته للشر وخلقت الشر له وأجريت الشر على يديه" (41).
ولكن من مكره أراد للعباد أن يعتقدوا غير ذلك بأن ينسبوا النقيصة والقبيحة إما لأنفسهم كما فعل آدم عندما قال: "ربنا ظلمنا أنفسنا" أو إلى تلبيس إبليس وغوايته، وأن ينسبوا الخير والعدل والرحمة إلى الله كما فعل آدم عندما قال: "إن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين". بالإضافة إلى ذلك يحسن للعباد من الناحية العملية، أن يعتقدوا بصورة عامة أن لله عدواً اسمه إبليس اللعين هو مصدر الشر والزلة والخطيئة، لأنهم لو آمنوا عن الحق أن الله هو مصدر بلائهم ومصائبهم التي تحيط بهم من كل جانب لما تحملت عقولهم هذه الحقيقة فيفقدون صوابهم ويكفرون به وبنعمته. كتب الإمام المقدسي على لسان إبليس ما يلي: "وبعد ذلك. فإنه جعلني سبباً لوجود الزلة. وعلة لتوجه الأمر والنهي. في الحقيقية لا علة لأمره، ولا معقب لحكمه. ولا سبب لبعد أعدائه ولا نسب لقرب أوليائه. فأن الله تعالى غني عن خلقه.. قائم بنفسه قيوم بعباده، لا تنفعه حسنات المحسنين ولا تضره سيئات المسيئين. فقد نفذ حكمه. ومضى قضاؤه. وجف قلمه بما هو كان في ملكه.. أن شاء عذّب وإن شاء عفا لا يلزمه إثبات الوعيد. بل الأمر إليه في وعيده. والمشيئة إليه في تهديده. فله أن يعذب بلا سبب. وأن يسعد بلا نسب ولا مكتسب"(42)
إن كان باستطاعة آدم أن ينسب النقيصة إلى نفسه أو إلى إبليس الذي أغواه وأن يطلب المغفرة والرحمة من ربه تمشياً مع توصية السيد المسيح: "أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، فإلى من يجب أن ينسب إبليس عصيانه وجحوده؟ أو على حد قول إبليس: "فلئن كنت إبليس آدم فليت شعري من كان إبليسي؟"(43). وبطبيعة الحال أحال إبليس جحوده إلى مصدره الحقيقي والنهائي بقوله: "فيما أغويتني" فأعطى بذلك لله ما لله ولم يعط لقيصر شيئاً، لأن قيصر لا يملك شيئا على الإطلاق بالنسبة لإبليس ولا حول له ولا قوة حتى ينسب له أي شيء. إذا استرسلنا في مقارنة موقف آدم بموقف إبليس نجد أنه إذا كان إبليس أول بطل مأساوي في الكون كان آدم أول انتهازي لأنه رفض اتخاذ موقف محدد بين الأمر والمشيئة رغبة منه بالنجاة كيفما تمت الأمور، وهذا واضح في جوابه الذي رددناه مرات عديدة، فلو صح "الأمر" وكان آدم مسؤولا بالفعل عن عصيانه يكون قد اعترف بذنبه واعتذر من ربه واستغفره فأتاح له فرصة النجاة، ولو صحت المشيئة وبذلك انتفت عنه مسؤولية العصيان يكون قد نجا بتسليم أمره لله وتعلقه برحمته وغفرانه، بعبارة أخرى أضاف آدم الفعل إلى نفسه لما قال: "ربنا ظلمنا أنفسنا" وأخذ مسؤولية العصيان على عاتقه فكان "قدرياً" ونفى بذلك أن يكون الله قد قدر عليه الظليمة وأرادها له. ولما قال آدم "إن لم تغفر لنا وتحرمنا لنكونن من الخاسرين" تعلق بحبال الرحمانية المنوطة بعروة المشيئة فكان "جبرياً" ونفى بذلك عن نفسه مسؤولية الظليمة لأنه في هذه الحال يكون الله قد قرر منذ الأزل فيما إذا كان سيرحم آدم أم سيعذبه فتكون الظليمة حجة الله على آدم ولا يكون لآدم حجة على ربه. نرى إذن أن آدم حاول النجاة عن طريق القدرية وعن طريق الجبرية في آن واحد تحوطاً منه إذا أنه لم يكن على يقين أيهما ستصح في نهاية المطاف. أما إبليس فقد اتخذ موقفاً محدداً بقوله "فبما أغويتني" فلم يضف شيئاً إلى نفسه بل أحال كل شيء إلى مصدره الحقيقي أي إلى المشيئة الإلهية فكان بذلك جبرياً مخلصاً ولم يحاول الاستفادة من القدرية كما فعل آدم بغية السلامة والنجاة.
رفض بعض المجتهدين إحالة النقيصة إلى المشيئة الإلهية وقالوا إن إبليس هو مصدر الشر وخالق المعصية(44) رغبة منهم بتنزيه الله عن خلق الشر وتقديره على عباده. أعتقد أن هذا الاجتهاد ينسجم مع بعض النظريات الفلسفية التي تأثر بها المفكرون المسلمون أكثر بكثير مما ينسجم مع النظرة الدينية الخالصة للموضوع، وبما أننا نعالج شخصية إبليس ومكانته في الكون على المستوى الديني البحت لا يمكننا أن نأخذ بالاجتهاد المذكور. بالإضافة إلى ذلك ينسب هذا الاجتهاد إلى إبليس القدرة على الخلق والتكوين لا على التشويه والإفساد فحسب. وهذا قول مردود من الناحية الدينية. ولو أراد إبليس خلق المعصية لكان بقدرته تعالى أن يمنعها وبما أنه لم يمنعها نستنتج أن وجودها كان منسجماً مع مشيئته السرمدية.
ورد معنا قول أبي طالب المكي "أن الخاتمة هي من مكر الله تعلى الذي يوصف ولا يفطن له ولا عليه يوقف". يعود بنا هذه القول إلى الخاتمة النهائية التي توقعتها لإبليس عندما قلت أن الله سيكافئه على نجاحه في التجربة التي ابتلاه بها ويعيده إلى الجنة يوم تشرف هذه الدراما الكونية على الانتهاء. سأقدم فيما يلي الاعتبارات والاسباب التي جعلتني استنتج أن نهاية إبليس ستكون نهاية سعيدة ومرضية:
أ) تمسك إبليس بحقيقة التوحيد تمسكا لا مثل له ولذلك لا يمكن أن ينتهي في جهنم عملا بالحديث القدسي القائل: "قال الله عز وجل اني أنا الله لا إله إلا أنا من أقر له بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن عذابي"(45). يتبع
| |
|
| |
Salmoni عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الإثنين يونيو 23, 2008 9:56 am | |
| ب) نجح إبليس في التجربة التي ابتلاه الله بها وصبر على البلاء الذي حل به من جرائها وعليه فإن مكافأته النهائية مضمونة بدليل الحديث القدسي القائل:"قال الله عز وجل إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً فحمدني و صبر على ما ابتليته فإن يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا ويقول الرب للحفظة إني قيدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر" (46)، ولولا هذه النهاية السعيدة المتوقعة لإبليس لكانت خاتمته مأساة حقيقية ونهائية لا يمكن لمنطق الدين أن يقبل بوجودها كما مر معنا في السابق. وبما أن الخاتمة هي من كره تعالى، جعل الله إبراهيم وأيوب يعتقدان أن خاتمة تجربة كل منهما ستكون على نقيض ما كانت عليه فعلاً، وعلى عكس ما أراد لها الله من خاتمة أي أنه أبدى لهما من أحكامه عند بداية التجربة غير ما أضمر لهما بالنسبة لخاتمتها. ينطبق هذا الاعتبار على إبليس إذ أن مكر الله يتطلب أن يعتقد إبليس اعتقاداً جازماً بأن خاتمته لن تكون تعيسة ويائسة. نستنتج إذن أن اللعنة التي نزلت بإبليس لم تكن تعبيراً عن نهايته الحقيقية التي شاءها الله له، وإنما كانت مكراً إلهيا غايته تنفيذ أحكام المشيئة فيه.
لنفترض جدلاً أني على صواب في ما قلته عن حقيقة إبليس وعن خاتمته ومصيره النهائي، ماذا يستتبع هذا الافتراض من نتائج بالنسبة لموقفنا الشخصي من إبليس؟ أعتقد: أولا أنه يجب علينا إدخال تعديل جذري على نظرتنا التقليدية إلى إبليس وإحداث تغيير جوهري في تصورنا لشخصيته ومكانته. ثانيا، يجب أن نرد اعتباره بصفته ملاكاً، يقوم بخدمة ربه بكل تفانٍ وإخلاص، وينفذ أحكام مشيئته بكل دقة وعناية. وأخيراً، يجب أن نكف عن كيل السباب والشتائم له، وأن نعفو عنه ونطلب له الصفح، ونوصي الناس به خيراً بعد أن اعتبرناه زورا وبهتانا، مسؤولا عن جميع القبائح والنقائض. ولكن أرى من واجبي أن أحذركم أن العفو عن إبليس ورد الاعتبار له يستتبع نتائج وعواقب هامة لا تخطر على بال أحد في أول الأمر. إن مثل هذه الخطوة تضطرنا لأن نبدل الكثير من أفكارنا الدينية ومعتقداتنا الموروثة حول أمور الدنيا والآخرة. ولأعطيكم فكرة بسيطة عن خطورة العواقب التي قد يؤدي إليها العفو عن إبليس، سأستشهد بقصة طريفة وجميلة كتبها توفيق الحكيم (47). يقول الحكيم في هذه القصة أن إبليس قرر ذات يوم أن يتوب إلى ربه وأن يرجع عن إثمه ليكرس نفسه لعمل الخير والسير على الصراط المستقيم، فذهب إلى شيخ الأزهر ليتوب على يديه ويدخل بإرشاده في الدين الحنيف، فدار الحوار التالي بين إبليس وشيخ الأزهر: "- إيمان السيطان؟! عمل طيب ولكن .. - ماذا؟ أليس من حق الناس ان يدخلوا في دين الله أفواجا؟ أليس من آيات الله في كتابه العزيز: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)؟ هأنذا أسبح بحمده واستغفره، وأريد أن أدخل في دينه خالصا مخلصا، وأن أسلم ويحسن إسلامي وأكون نعم القدوة للمهتدين!
وتأمل شيخ الأزهر العواقب لو أسلم الشيطان، فكيف يتلى القرآن؟ هل يمضي الناس في قولهم:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟!" لو تقرر إلغاء ذلك لاستتبع الأمر إلغاء أكثر آيات القرآن.. فإن لعن الشيطان والتحذير من عمله ورجسه ووسوسته لمما يشغل من كتاب الله قدراً عظيماً .. كيف يستطيع شيخ الأزهر أن يقبل إسلام الشيطان دون أن يمس بذلك كيان الإسلام كله؟!
رفع شيخ الأزهر رأسه ونظر إلى إبليس قائلا: إنك جئتني في أمر لا قبل لي به... هذا شئ فوق سلطتي، وأعلى من قدرتي، ليس في يدي ما تطلب... ولست الجهة التي تتجه إليها في هذا الشأن. - إلى من أتجه إذن؟ ألستم رؤساء الدين؟ كيف أصل إلى الله إذن؟... أليس يفعل ذلك كل من أراد الدنو من الله. أطرق شيخ الأزهر لحظة.. وهرش لحيته ثم قال: - نية طيبة ولا ريب! ... لكن ... على الرغم من ذلك أصارحك أن اختصاصي هو إعلاء كلمة الاسلام، والمحافظة على مجد الأزهر، وأنه ليس من اختصاصي أن أضع يدي في يدك".
أي أدرك شيخ الزهر ضرورة وجود إبليس لإعلاء شأن الدين والمحافظة على مؤسساته. ولو اختفى الشيطان لزال سبب وجوده وذهب مبرر استمراره، وكما يقول الحكيم نفسه في ذات القصة:
"كيف يمحى إبليس من الوجود دون أن تمحى كل تلك الصور والأساطير والمعاني والمغازي التي تعمر قلوب المؤمنين وتفجر خيالهم؟.. ما معنى "يوم الحساب" إذا محي الشر من الأرض؟ وهل يحاسب أتباع الشيطان الذين تبعوه قبل إيمانه أم تمحى سيئاتهم ما دامت توبة إبليس قد قبلت...؟"(48)
وبعد أن يئس إبليس من شيخ الأزهر صعد إلى السماء مباشرة وتكلم مع جبريل طالبا منه ان يتوسط له عند ربه لينال المغفرة وتقبل توبته فدار الحوار التالي بين إبليس وجبريل: " - نعم ولكن زوالك من الأرض يزيل الأركان، ويزلزل الجدران، ويضيع الملامح ويخلط القسمات، ويمحو اللوان. ويهدم السمات. فلا معنى للفضيلة بغير وجود الرذيلة... ولا للحق بغير الباطل.. ولا للطيب بغير الخبيث.. ولا للأبيض بغير الأسود .. ولا للنور بغير الظلام.. بل ولا للخير بغير الشر.. بل أن الناس لا يرون نور الله إلا من خلال ظلامك .. وجودك ضروري في الأرض ما بقيت الأرض مهبطاً لتلك الصفات العليا التي أسبغها الله على بني الإنسان! - وجودي ضروري لوجود الخير ذاته؟! نفسي المعتمة يجب أن تظل هكذا لتعكس نور الله!. سأرضى بنصيبي الممقوت من أجل بقاء الخير ومن أجل صفاء الله ... ولكن ... هل تظل النقمة لاحقة بي واللعنة لاصقة باسمي على الرغم مما يسكن قلبي من حسن النية ونبيل الطوية... - نعم يجب أن تظل ملعونا إلى آخر الزمان .. إذا زالت اللعنة عنك زال كل شئ.. - عفوك يا ربي! لماذا أحمل هذا الوقر العنيف، لماذا كتب عليّ هذا القدر المخيف؟ لماذا لا تجعل مني الآن ملاكا بسيطا من ملائكتك، يباح له حبك وحب نورك، ويثاب على هذا الحب بالعطف منك والحمد من الناس؟ هأنذا أحبك حبا لا مثيل له ولا شبيه.. حبا يستوجب مني هذه التضحية التي لم تدركها الملائكة ولم يعرفها البشر.. حبا يقتضيني الرضا بارتداء ثوب العصيان لك، والظهور في لبوس المتمرد عليك، حبا يستلزم مني احتمال لعنتك عليّ ولعنة الناس. حبا لا تسمح لي حتى بشرف ادعائه. ولا بفرح الانتساب إليه.. حبا إذا كتمه النساك ملأ صدورهم نورا.. وأنا أكتمه، ولكن نوره يأبى من صدري اقترابا..
وبكى إبليس .. وترك السماء مذعنا .. وهبط الأرض مستسلما.. ولكن زفرة مكتومة انطلقت من صدره، وهو يخترق الفضاء.. رددت صداها النجوم والأجرام، في عين لوقت كأنها اجتمعت كلها معها لتلفظ تلك الصرخة الدامية. "إني شهيد !... إني شهيد!...."
________________________
الهوامش:
31- تفليس إبليس، ص: 21، 22. 32- طاسين الأزل والالتباس. 33- تفليس، ص: 13. 34- تفليس، ص: 22- 23 35- الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية، ص: 68. 36- تفسير الطبري، ج 1، ص: 301- 302. 37- تفسير الطبري، ج 1، ص: 303. 38- تفسير الطبري، ج 7، ص: 421- 422. 39- أبو طالب المكي، قوت القلوب، ج 1، ص: 229. 40- تفليس، ص: 26. 41- الاتحافات السنية، ص: 71. 42- تفليس، ص: 28- 29. 43- تفليس، ص: 16. 44- تفسير الطبري، ج 1، ص: 477- 488، 508. 45- الاتحافات السنية، ص: 4. 46- الاتحافات السنية، ص: 10. 47- الشهيد. 48- الشهيد.
| |
|
| |
رياض زهرة مدير
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الثلاثاء يونيو 24, 2008 4:00 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد موضع هام وجدير بالحوار وتسليط الضوء عليه وأن شاء الله أعتباراً من صباح الغد سأكون معكم وسوف نعيد مواضيعك التي أحتفظنا بها ... تتابعاً مع ردنا عليها على العام مع تحيات الهميسع والى اللقاء ++++++++++++++++++++++++++++ | |
|
| |
ابو وعد عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأربعاء يونيو 25, 2008 7:13 am | |
|
[size=12]تحية جليلة إلى السلموني لهذا التحليل المنطقي والذي قد يكون أحاط بعدة جوانب من فهم إبليس
إما ما ورد من الحديث بان الإنسان هو حيوان ناطق وهو يأخذ الأفضلية من ذلك فانا لي رأي آخر في ذلك وهو من أطلق هذه الصفة على الإنسان هو الإنسان ذاته .. مثلا عندما نقتلع شجرة من ترابها .. هل هذه الشجرة تشعر بالألم اوتتاوه بلغة لا يفهمها الإنسان وهي قادرة على التفاهم فيما بينها ولكن قدرتها على الدفاع عن نفسها قليلة بالنسبة لقدرة الإنسان وإمكانيته الجسدية وينطبق ذلك على الحيوان ..... هدفي من هذا الكلام إن الإنسان يفرض أحكامه حسب علمه وتفكيره ومصالحه ولا يرى في الكون غيره حتى انه سخر الإله والأديان منذ قديم العصور لخدمة الخاصة من الناس وهم الأباطرة والحكام والكهنة في المعابد ليتمكنوا من السيطرة حتى على أبناء جنسهم , فابتدعوا القوانين والمحللات والمحرمات للسيطرة وإرعاب من يسيطروا عليهم من بشر وحيوانات ونبات وارض .
فالإنسان هو معبود لذاته وعابد لها .
والملاحم والأساطير القديمة خير شاهد على جميع التناقضات بين الآلهة وبين البشر وحيث الحاكم كان اله أو نصفه اله ومنه يستمد الخير والشر والموت والحياة , حتى أنهم وصلوا إلى التضحيات بالإنسان إضافة للحيوان لإرضاء رغبة الرب الحاكم .
هذا بعض من الرأي الذي أتبناه قد يكون صوابا أو لا ولكن رأي ليس بمسيطر وارى انك أخي السلموني قد دخلت قي فلسفة قد تجد الكثير المعادي لأفكارك ولكنها ناتجة عن عقل منفتح محلل علميا مفكر أتمنى من الجميع الاستفادة مما كتبت وأتمنى أن تكون محتفظا بنسخة من هذه الكتابات لكي لا تخسرها من إدارة نادي في الصفحات الالكترونية قد تكون هذه الإدارة جاهلة في فهم ما كتبت .
ولي رجاء خاص من السيد الهميسع أن يضع هذا الموضوع بشكل مثبت لكي لا يذهب في غياهب الصفحات المختفية من كثرة المشاركات ولمن يحب الاطلاع والمعرفة . وبصفة هام وشكرا للجميع
[/size] | |
|
| |
Salmoni عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأربعاء يونيو 25, 2008 9:35 am | |
| شكرا ابو وعد، انا سعيد جدا بان هذه الدراسة اعجبتك. وللهميسع نقول الرجاء عدم الحذف. | |
|
| |
Salmoni عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأربعاء يونيو 25, 2008 9:38 am | |
| بالواقع أن الأمر يختلف من أي وجهة ننظر بها إلى مسمى هذه الشخصية.. وبالتالي وفق أي اعتبار نعالجها.. بمعنى إن أردنا سوق الدراسة لها من المنظار الذي اتخذه العظم .. لخرجنا بأنها شخصية خرافية ابتدعها الفكر الديني، وأضفى عليها قدرات خارقة دعت - على ما يذكر العظم - عدد من العلماء المسلمين ليس أقلهم إبن الجوزي ليرى أن إبليس أو الشيطان أو مهما كان مسماه هو الفاعل بانشاء ووجود الحركات والمنظومات الفكرية لكل من : السفسطائية، والدهرية، والطبائعية، وأديان الشرق الأقصى، والمسيحية، وعلم الكلام، وفرقة المعتزلة . والخوارج والرافضة وأصحاب الزهد والتصوف وغيرهم ... ومن هذا المنطلق ولما لهذه الشخصية من الوزن في التفكير المثيولوجي الديني دعت الحاجة لأفراد البحث هذا عنها، لا باعتبار ماهيتها ومنشأها وتطورها، بل من منظار التصاقها بالدين، وبما يسلطه عليها الدين الاسلامي تحديدا - وفق هذا البحث - من أطر وتحديدات .. وفي هذا يقول العظم في البحث المتقدم:"ولكن قبل أن أدخل في صلب الموضوع، أريد أن يتضح للجميع أن بحثي يدور في إطار معين، لا يجوز الابتعاد عنه على الاطلاق، ألا وهو إطار التفكير الميثيولوجي – الديني الناتج عن خيال الانسان الاسطوري وملكاته الخرافية. إنني لا أريد معالجة قصة إبليس باعتبارها موضوعاً يدخل ضمن نطاق الايمان الديني الصرف، ولا أريد أن أتكلم عنه باعتباره كائناً موجوداً وحقيقياً، وإنما أريد دراسة شخصيته باعتبارها شخصية ميثيولوجية، أبدعتها ملكة الانسان الخرافية، وطوّرها وضخمها خياله الخصب. عند التفكير بموضوع إبليس، أجد نفسي واقفاً وجهاً لوجه أمام تراث ميثيولوجي – ديني عريق في قدمه وتاريخه. وجل ما أريد تحقيقه هو دراسة إحدى الشخصيات الرئيسية التي انحدرت إلينا مع هذا التراث، شرط أن نبقى ضمن حدود المعطيات البديهية للتفكير الميثيولوجي وبدون أن نخرج عن مسلماته الأولية." وهنا يعود السؤال ليتمركز ويتبلور من جديد .. حول ماهية هذه الشخصية ووجودها .. وهنا يكمن تفصيل أول معين .. ويدور في محور اثبات أو عدم إثبات وجود هذه الشخصية، وهذا أمر يتشكل كجزء من كلية الدين، - أتكلم بحسب المشهور - فمن يؤمن ويعتقد بوجود الله ايمانا متكاملا نوعا ما - خصوصا في الإسلام - غالبا ما يلزم بالايمان بوجود هذه الشخصية (هذا لا يلغي أن بعض المفكريين الاسلاميين ممن لا يحضرني الان في الذاكرة، قد رأوه شخصية اعتبارية - اعتبارية من المنطق .. لا من مشهور استخدام هذا المصطلح - لا تحقق لها في الخارج، ولم يروا بزعمهم هذا أي ضرر يمس أس الدين في إنكارهم لتحققه الوجودي - لا من مذهب الوجودية المعروف.. بل من الوجود الشاغل لحيز .. ).. هذا لما لهذه الشخصية من أهمية ومكانة في العقيدة بطريقة ما، ولانتشار قصصه والآيات التي تتحدث عنه في الكثير من السور القرآنية .. وان اردنا مزيدا من التفصيل بهذا الأطار، لقلنا أنه قد يشكل بأسلوب أو بآخر أحد أهم أبطال العملية المفصلية التي تسمى لدى المسلمين نوعا ما، أو يصدق عليها غالبا تسمية "عملية الاستخلاف" .. التي جمعت على ما هو معلوم من واضح آيات القرآن : الله، إبليس، آدم والملائكة.. لكن مع هذا ومع لزوم إيمان مشهور المسلمين به .. هل هناك من إلزام واقع فعلي بتوجه شرعي لهم يلزمهم باكتناه ماهيته الحقة؟؟ الجواب أن لا على مستوى التفصيل، فهم ملزمون دينيا بمعرفته بإطار مهمته اتجاههم لا باعتبار ماهيته وجوهره.. وذلك كي يأمنوا سطوته وتزيينه القبائح والذنوب لهم .. ومن ثم فهناك آية قرآنية تقول بما معناها (الشيطان عدو لكم فاتخذوه عدوا) .. قد يأتي قائل بقول: أن القرآن قد لمح في كثير من آياته على طبيعة الشيطان، وذكر جانب من ماهيته، الجواب هو نعم صحيح، لكن لم يجعل الاسلام الغور في ذاتيات الشيطان وفهم ماهيته خصوصا فيما قبل تلك العملية التي أطلقت عليها اسم "عملية الاستخلاف" من أولى أولوياته، أو من المهام الأصيلة التي قد كُلف بها الانسان .. ولذا نجد أن الغموض يلف بطريقة ما تلك الشخصية، فحينا هو من الملائكة، وأخرى هو من الجن - على ما يقول القرآن - "فسق عن أمر ربه" .. وأخرى هو عبد من أصلح العباد المكلفين، وغير ذلك مما يطول المجال بسرده .. | |
|
| |
رياض زهرة مدير
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأربعاء يونيو 25, 2008 5:13 pm | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
أرحب بالسلموني Salmoni المشاكس النشيط ومواضيعه الجريئة والمثيرة للانتباه والمشوقة للبحث والتقصي العلمي لمعرفة خباياها وفكفكة رموزها والكشف عن أسرارها .
والتي تهم شريحة واسعة من الناس أن كانوا متدينين أو لا دينيين
وبعد إطلاعي على موضع السلموني
الذي خصصه عن { مأساة إبليس } كما عنون موضوعه
وللكم الهائل من الأفكار الجديرة بالبحث التي تضمنها هذا البحث ولكي لا نهمل أياً منها ...!!!
ونعطي كلاً منها حقه من البحث والتمحيص وتسليط الضوء .
لذلك سوف أجزء وأرقم النقاط المهمة التي ورددت في موضع السلموني ... كي نسهى عن أياً منها .
ونسهل التعقيب على جميع ما طرح وبشكل مرقم أيضاً .
وعلى بركة الله وتوفيقه أبدأ
حيث كتب العزيز السلموني ما يلي
النقطة الأولى
+++++++++++++++++
صادق جلال العظم
القسم الأول
تمهيد
لو حاولنا أن نحدد المشاعر الرئيسية التي عبّرت بها الأديان الساميّة الثلاثة عن علاقة الانسان بالإله لوجدنا أنها تنحصر في المحبة والخوف والكراهية: محبة الله، والخوف من جبروته وعقابه، وكره عدوه إبليس.
+++++++++++++
نرد على ما تفضلت به هنا من قول لكاتب صادق جلال العظم
بقول مقابل لأمير المؤمنيين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
(حيث قال: إن قوماً عبدوا الله رغبة ، فتلك عبادة التجار ، وإن قوماً عبدوا الله رهبة ، فتلك عبادة العبيد ، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.)
النقطة الثانية
حيث كتب العزيز السلموني ما يلي
+++++++++++++++
نستنتج إذن، أن الفكرة الشائعة عن مقدرة إبليس لا تنحصر في مجرد اعتباره مصدر إغواء الناس عن سلوك الطريق القويم، بل تتعدى ذلك لتشمل قوى واسعة، وقدرات عظيمة لو أخذناها بعين الجد، لظهر لنا أن إبليس يسيّر قسماً كبيراً من مجرى الأحداث، ويعتبر مسؤولاً عن معظم الحركات الفكرية والفنية والسياسية في تاريخ الحضارة.
+++++++++++++++++++
نرد على ما تفضلت به بآية لله عز وجل
حيث قال سبحانه وتعالى
{ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } ص82 - 83
{ إِلَّا } { إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }
لاحظ عزيزي أن { إِلَّا } هي أداة حصر واستثناء وبذلك تكون قدرة إغواء إبليس على عباد الله المخلصين محصلتها صفر ..!!
وتنحصر مقدرته على إغواء عباد الله الغير مخلصين ..!!!
وهم بطبيعة الحال مغويين بدون تتدخل إبليس هذا الذي تناولته بالبحث أخي الكريم
أي محصلة إغوائه لهم محصلتها صفر أيضاً .
وسنضرب لك مثالاً على ذلك
فلو جاء ( شقلعي ) مقطع وموصل إلى مدير مدرسة الطالبية للتعليم الأساسي في السلمية الأستاذ أبو أيهم له تحياتي من هنا .
وهدده بأنه سوف يمنع جميع طلاب المدرسة من القدوم إلى مدرستهم إلا الطلاب المخلصين المدواميين على مدرستهم ...!!!
فما هي محصلة تهديد هذا الشقلعي بالنسبة لطلاب المدرسة
أنها صفر حيث أنه لا يستطيع منع أي طالب مدوام على دراسته من القدوم إلى مدرسته كا المعتاد ...!!!
وما هي محصلة تأثيره على طلاب المدرسة المنقطعين عن مدرستهم
أنها صفر أيضاً لأن الطلاب المنقطعين عن الدراسة هم غير مدواميين بدون أن يكون أي تأثير أو تدخل لهذا الشقلعي بانقطاعهم عن دوامهم .
تعريف الشقلعي
هي كلمة سلمونية المنشأ تطلق على كل إنسان يسيء و يؤذي الآخرين بدون سبب مبرر لهذا الأذاء وبدون جني فائدة شخصية لأذاءه هذا
أي أنه أجرام لمجرد الأجرام ...!!!
النقطة الثالثة
حيث كتب العزيز السلموني التالي
++++++++++++++++++++++++
ولكن قبل أن أدخل في صلب الموضوع، أريد أن يتضح للجميع أن بحثي يدور في إطار معين، لا يجوز الابتعاد عنه على الاطلاق، ألا وهو إطار التفكير الميثيولوجي – الديني الناتج عن خيال الانسان الاسطوري وملكاته الخرافية. إنني لا أريد معالجة قصة إبليس باعتبارها موضوعاً يدخل ضمن نطاق الايمان الديني الصرف، ولا أريد أن أتكلم عنه باعتباره كائناً موجوداً وحقيقياً، وإنما أريد دراسة شخصيته باعتبارها شخصية ميثيولوجية، أبدعتها ملكة الانسان الخرافية، وطوّرها وضخمها خياله الخصب. عند التفكير بموضوع إبليس، أجد نفسي واقفاً وجهاً لوجه أمام تراث ميثيولوجي – ديني عريق في قدمه وتاريخه. وجل ما أريد تحقيقه هو دراسة إحدى الشخصيات الرئيسية التي انحدرت إلينا مع هذا التراث، شرط أن نبقى ضمن حدود المعطيات البديهية للتفكير الميثيولوجي وبدون أن نخرج عن مسلماته الأولية.
+++++++++++++++++++++++
والهميسع رهن الإشارة بطريقة الدراسة التي تريدها
ولكن قبل الولوج بهذا البحث إلى الوجهة التي تريد أن توجهه بها
لابد للهميسع من تبسيط بعض الكلمات التي يتكرر ورودها في بحثك كي يبقى على ذات النهج الذي يكتب بها وألفه بها المتابعين للموا ضيعة
فقد تكرر كتابتك لبعض العبارات مثال
( التفكير الميثيولوجي - شخصية ميثيولوجية - ميثيولوجيات معقدة، - الميثيولوجيا _ )
أولا ما معنى كلمة ميثيولوجيا
تعني الأساطير وهي حكايات خرافية نشأت منذ فجر التاريخ ويلعب فيها دور الأبطال خيالية والأبطال تقوم بتوضيح وشرح الظواهر المختلفة للطبيعة والمجتمعات.
النقطة الرابعة
حيث كتب العزيز السلموني ما يلي
++++++++++++++++=
عدل سابقا من قبل الهميسع في الأربعاء يونيو 25, 2008 5:18 pm عدل 2 مرات | |
|
| |
رياض زهرة مدير
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأربعاء يونيو 25, 2008 5:15 pm | |
|
النقطة الرابعة
حيث كتب العزيز السلموني ما يلي
++++++++++++++++=
عرّف الفلاسفة الانسان بأنه "حيوان ناطق"، وإذا كان الانسان حيواناً ناطقاً، فلا شك كذلك بأنه "حيوان خرافي". فكما أنه الحيوان الوحيد الذي يتصف بالنطق، فإنه الحيوان الوحيد الذي ينسج الخرافات والأساطير ويحولها إلى ميثيولوجيات معقدة، يؤمن بها إيماناً جازماً، كما لو كانت حقائق واقعة لا ريب فيها .
..........................................
سأختتم هذا الجزء التمهيدي من بحثي بالتأكيد على أن كلامي عن الله وإبليس والجن والملائكة، والملأ الأعلى لا يلزمني على الاطلاق بالقول بأن هذه الأسماء تشير إلى مسميات حقيقية موجودة ولكنها غير مرئية. إن تركيب اللغة يتطلب مني بطبيعة الحال أن أكتب وأتكلم بطريقة معينة توحي في الظاهر وكأن الشخصيات التي أذكرها موجودة بالفعل، ولكن يجب ألا يخدعنا هذا الوهم اللغوي، فلو كنت أكتب عن الأمير هملت مثلاً فلن يعتقد أحد منكم بأن لهذا الاسم مسمى خارج نطاق التراث الأدبي الذي تركه لنا شكسبير. كما أنه عندما نقول "قتل هملت عمه"، فإننا لا نعتقد بأن مثل هذه الحادثة وقعت فعلا في تاريخ الدانمرك. كذلك عندما نقول "طرد الله إبليس من الجنة"، يجب ألا نظن بأن مثل هذه الحادثة وقعت في تاريخ هذا الكون، لأن مغزى هذا الكلام ومعناه يكمن في كونه رمزاً لا في كونه وصفاً لإحداث وقعت بالفعل.
++++++++++++++++++++++++++
أخي الكريم نحن كمتدينين نؤمن بشكل غير قابل للشك بتاتاً بقول الله عز وجل في محكم تنزيله ونفضله على قول الفلاسفة التي تفضل بآرائهم .
وهذا لا يعني أننا نغمض أعيننا ونصم أذاننا عن أقوال وأراء وأبحاث الفلاسفة ...!!
فأبحاثهم وأقوالهم هو نتيجة تطور العقل البشري وهو موروث ثقافي نتمسك به ...!!
ولكن عندما نوضع في موقف اختيار أو اختبار أو تفضيل أو أتباع .... الخ مابين كلام الله عز وجل وكلام الفلاسفة ... طبعاً نتبع ونختار آيات الله عز وجل ...!!!
إما فهم الرمزية الميثيولوجية في آيات الله فهذه سنأتي إلى شرحها لاحقاً و في مكانها المناسب ..!!!
قال الله تعالى
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }التين4
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }البقرة212
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ }لقمان20
النقطة الرابعة
حيث كتب السلموني مشكوراً
+++++++++++++++++++ | القسم الثاني
إذا رجعنا إلى المصادر التي قلنا أننا سنعتمدها في دراستنا لقصة إبليس نجد أن سيرته تبدأ بوصف لمكانته المرموقة في نظام الملأ الأعلى وعرض للمنزلة الرفيعة التي كان يتمتع بها بين الملائكة قبل طرده من الجنة. يقول الإمام عز الدين المقدسي في كتابه "تفليس إبليس"، مخاطباً الشيطان:
"وأنت الذي خلقك الله بيد قدرته، وأطلعك على بدائع صنعته، ودعاك إلى حضرة قربته، وألبسك خلع توحيده، وتوّجك بتاج تقديسه وتحميده، وجعلك تجول في مجال ملائكته، يقتبسون من نورك، ويستأنسون بحضورك، ويهتدون بعلمك، ويقتدون بعملك، فما برحت في الملأ الأعلى، تشرب بالكأس الأملى، وتتلذذ بالخطاب الأحلى، طالما كنت للملائكة معلماً وعلى الكروبيين مقدماً"(.
ومن ثم تصف لنا الآيات القرآنية ماذا حدث لإبليس وكيف عصى ربه فلعنه إلى يوم الدين، وطرده من الجنة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) – البقرة :30-34.
|
++++++++++++++++++++++++=
قبل طرده من الجنة
+++++++++++++++++
الحقيقة هذه المعلومة التي تتفضل بها وكأنها أمر واقع وحصل وتبني معظم موضعك عليها .... فتفضل لنعود معاً وندقق أكثر برمزية قصة آدم عليه السلام في هذه الآية الكريمة .
حيث قال الله عز وجل
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }
{ إِنِّي جَاعِلٌ }
نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى يخبر ملائكته بقرار تم اتخاذه من قبل وهو جعل الله لآدم خليفة في الأرض قبل خلق آدم .
فما هي الحكمة أخي الكريم من أن الله عز وجل يضع آدم عليه السلام وزوجته في الجنة ثم التربص لهم والعياذ بالله حتى يحدث الخطأ المنتظر والذي يجب أن يحدث كي يتم استغلال أو تصيد هذا الخطأ من اجل طرد آدم وزوجته من الجنة إلى الأرض ليس عقوبة عما اقترفت يداه وإنما تنفيذاً للوعد والأخبار الإلهي بجعل آدم خليفة لله في الأرض وليس في الجنة ...!!
أذاً أين هو الخطأ الذي أرتكبه آدم ... على أعتبار أن مصيره النهائي هو في الأرض تنفيذاً للجعل الإلهي قبل خلق آدم عليه السلام ...!!!
ولو افترضنا أن آدم عليه السلام لم يقرب الشجرة المنهى عليها ...؟؟؟
فهل كان سيبقى وزوجته وذريته الى يوم القيامة في الجنة وبذلك يفقد الله مصداقيته والعياذ بالله إمام ملائكته بأخبارهم أن هناك في المستقبل سيكون آدم قبل خلقه ونفخ الروح فيه خليفة الله في الأرض وليس في الجنة .
النقطة الخامسة
وهناك نقطة أخرى جديرة بالبحث والتقصي على اعتبار أنك تريد أن تبحث الموضع كأسطورة ميثيولوجية لها رمزيتها في كتاب الله وليس كنص جامد يصعب تفسيره ظاهرياً على معظم علماء المسلمين وفلاسفتهم .
نعود إلى قوله تعالى
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء }
الملاحظ أن أخبار الله عز وجل لملائكته عن الجعل الإلهي لخليفته في الأرض هو قبل خلق آدم عليه السلام .
والسؤال هو : كيف علمت الملائكة بأن من سيكون خليفة الله في الأرض في المستقبل سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء ......؟؟؟؟
وهي في عالم الخير المطلق الذي لا يوجد به أفساد ولا سفك للدماء ...؟؟؟
فهل كانت هذه الملائكة ... تعلم الغيب برأيك ...؟؟؟
النقطة السادسة
قال الله تعالى
{ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } آل عمران 43
{ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ }
الاصطفاء هو الانتقاء والاختيار والتمييز مابين عدة أشياء من ذات النوع والصنف .
والسؤال هو
كيف تم اختيار وانتقاء وتمييز و اصطفاء آدم عليه السلام وهو لوحده لا يوجد مثيل مشابه له يتم الاختيار والتفضيل فيما بينهم ....!!!
أم أن رأيك حسب الميثيولوجية الرمزية في آيات الله التي فتحت هذا الموضع من أجلها ... كان هناك بشر قبل آدم عليه السلام ومن بينهم تم الاصطفاء والانتقاء والاختيار ...؟؟؟
للرد الهميسع تتمة
لذا يرجى عدم الفصل بين ردوده حتى ينتهي منها
مع تحيات الهميسع والى اللقاء
++++++++++++++++++++++++++++++
| |
|
| |
رياض زهرة مدير
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) السبت يونيو 28, 2008 4:23 pm | |
| عذراً على التأخير الذي حصل بعدم تواصلي مع المنتدى
نظراً لظروف قاهرة تمنعني من ذالك وسأحاول أنهاء ردي غداً أن شاء الله ++++++++++++++++++++====== | |
|
| |
رياض زهرة مدير
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأحد يونيو 29, 2008 5:08 pm | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
نكمل ردنا على العزيز Salmoni ونعتذر عن التأخير
Salmoni كتب مشكوراً في نهاية بحث طويل
++++++++++++++++++++++++
نستخلص مما ورد: 1- أن لا فضل لآدم على الملائكة، بما فيهم إبليس، لا من حيث قدرته على صنع الخير والشر، ولا من حيث علمه بالأسماء كلها. 2- أن جوهر إبليس أفضل وأسمى من جوهر آدم، لأن الله خلقه من نار، وخلق آدم من صلصال، وهو الذي أراد للصلصال ألا يسمو سمو النار. 3- أن دعوى العقاد القائلة بأنه كان يجب على إبليس أن يسجد لآدم، لأنه أفضل من الملائكة دعوى فاسدة ومردودة.
++++++++++++++++++++++++++++
الحقيقة أخي الكريم أنه جاء في القسم الثاني كلام كثير ونقل لآراء الآخرين يحتاج إلى صفحات للرد عليهم هم ..؟؟
فنحن هنا لنرد عليك أنت السلموني المسجل في منتدانا ونتحاور معك أنت ولا يهمنا ما يقوله العقاد أو الطبري أو الحلاج أو المقدسي أو مسرح سوفوكلس من التراث الأدبي اليوناني الغربي أو كيركجورد والقصة اليوناينة القديمة ومسرحية أنتيجونا ومسرحية سوفوكليس وأبو حيان التوحيدي ومسرحيات أوديب وروميو وجوليت لشكسبير ومسرحية سوفوكليس وأبو طالب المكي وتوفيق الحكيم وقصة إبليس مع شيخ الأزهر غيرهم من المفسرين الذي حفل بهم بحثك المهم ...؟؟؟
وأهميته تكمن تثمين جهدك المبذول والذي عرفنا بأشياء كثيرة لا نعرفها من قبل ... ولكن هذا لا يمنع من تبيان تبنيك لأحد هذه التفسيرات أو تتفضل بتبيان رأيك الشخصي أنت لكي نحاورك به ونستفيد من علومك ... ولا يهمنا الرد عليهم جميعاً لأن أكثرهم يتبع الظن ...!!!
ونذكرك بقوله تعالى
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }الأنعام116
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }يونس36
{وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28
نستنتج أن الأكثرية تتبع الظن وهذا يؤكد ان هناك أقلية تتبع الحق واليقين وتسير على صراط الله المستقيم ...!!
وعليه سيتم حوارنا
إما أن ننقل إلى المنتدى جميع التفسيرات المتناقضة التي كتبت حول قصة آدم وإبليس وتنتظر أن نناقشها ونرد عليها جميعاً بدون أن تبين لنا وجهة نظرك الشخصية منهم ومع من ترجح أن يكون التفسير الأكثر انسجاما مع آيات الله والآمر والمشيئة والعلم الإلهي ... فأعتقد هذا سيكون محال .
على كل حال لقد ورد في نقلك لما كتب حول قصة آدم وإبليس نقطتين رئيسيتين وهما الآمر والمشيئة الإلهية ولا أدري إغفالك للعلم الإلهي فيصبح عندنا آمر ومشيئة وعلم
ونضرب لك مثال
عندما تكون في حالة سفر وأبنك يحضر لامتحان شهادة مهم فأنت تعلم أنه في هذا الساعة التي تبث بها مبارة رياضية مهمة للمنتخب الوطني سوف يكون تاركاً لكتابه وجالساً إمام التلفاز ... بينما تعلم أيضاً أن أخيه الذي تعلم أنه لا يطيق الرياضة يكون في ذات التوقيت جالساً على شرفة البناء يشرب النرجيلة في غياب والده يراقب بنت الجيران التي تلوح له من خلف نافذتها ... بينما الصغير يتابع أفلام كرتون على جهاز آخر بينما أخيهم البدين يغط في نوم عميق بعد التهام وجبة دسمة ...!!!
أن آمرك ومشيئتك وتعليماتك لهم قبل سفرك لم تتدخل في سلوكهم وتصرفاتهم ... ولكن علمك المسبق لطبائعهم وميولهم وهوياتهم أعلمتك ولو بشكل تقريبي بحالهم في هذا التوقيت أو ما قبل أو ما بعد ...؟؟؟
رغم أن علمك جزئي ومعرض للخطأ وعلم الله عز وجل كلي ومطلق وغير قابل للخطأ ... فهو بكل شيء وأي شيء محيط وعليم .
قال الله تعالى
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }طه110
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء }البقرة255
{ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً }النساء126
ثم أن هناك أمراً على غاية من الأهمية أغفلته في بحثك
وهو ما همنا نحن الآن في القرن الواحد والعشرين وفي سنة \ 2008 ميلادية \ لما جرى ما بين آدم وإبليس منذ بدأ الخلق وفي ذاك الزمان .......؟؟؟؟
فهل كتاب الله هو كتاب تاريخي يروي لنا القصص التي جرت من قصة آدم إلى قصة نوح وقصة إبراهيم وموسى والعبد الصالح وهارون و عيسى ومريم وذكريا ويحيى ولوط ويونس وغيرهم .. الخ عليهم السلام جميعاً لنستمتع بأصوات المقرئين من عبد الباسط عبد الصمد وحسين النقشبندي ... ثم نغلق جهاز التسجيل وكتاب الله لنستفتي عباد الله في دين الله ..؟؟
والله عز وجل يقول قوله الحق
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89
{ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ }
فمنتدانا هو للحوار الإسماعيلي المتحضر وليس لمناقشة تفاسير الآخرين للآيات الله ... إلا أذا تبنيت أحد تفاسيرهم على أنه تفسيرك الشخصي ومستعد للدفاع عن صحته .... كما سبق ووضحت لك ..!!
نعود لقصة آدم عليه السلام من خلال شخصيته الميثيولوجية التي تبحث عنها من خلال كتاب الله وآياته .
لذلك نذكرك بقوله تعالى
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ }البقرة35
{ وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ }
ما يهمنا هو معرفة هذه الشجرة التي تدور حولها كل قصة آدم عليه السلام وإبليس ... !!!
العزيز السلموني لنختصر المسافات وتسويد الصفحات ونستفسر منك شخصياً عن ماهية هذه الشجرة ....!!!
وهل هي في الجنة أم في الأرض ...؟؟؟
وهل هي شجرة خشب أم لها ماهية أخرى ..؟؟؟
وهل فنيت منذ ذاك الزمان ولم يبقى منها سوى ميثيولوجيتها القصصية في كتاب الله أم ما تزل موجودة بيننا وتستطيع الدلالة لنا عليها مع وصفها ...!!
ولا يهمنا هنا في منتدانا ويهم متابعينا من أعضاء وزوار نقل ما يقوله المفسرين الآخرين من أنها شجرة تفاح أو نخيل أو كرمة أو حنطة أو عليق أو بعضهم يهرب بقوله علمها عند الله أو غير هذا وذاك مما حفلت بها تفاسيرهم ...!!!
فالهميسع ليس في صدد الرد عليهم هم وعلى تفاسيرهم المتناقضة والمتشعبه والتي تعكس وجهة نظر مذاهبهم ...؟؟؟
وإنما أنت المسجل عندنا بمعرف Salmoni تفضل بين لنا بماذا تصف لنا هذه الشجرة ..؟؟
قال الله تعالى
{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى } طه 120
{ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى }
فهل الله عز وجل ينقل لنا كذب إبليس على آدم عليه السلام بوصفه للشجرة بقوله { شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى } أو هي فعلاً كذلك ...؟؟
و!ذا كانت هي شجرة خالدة فعلاً ... فهل لك أن تصفها لنا وتدلنا عليها وتبين ماهيتها كما طلبت منك ذلك سابقاً ....؟؟؟
وأخيراً قصة إبراهيم عليها السلام والذبح والغلام الحليم والعليم نفرد لها موضعاً منفرداً بعد ان ننهي ما هو عالق بيننا حتى الآن ...!!
مع تحيات الهميسع
والى اللقاء
+++++++++++++++++++++++++++
| |
|
| |
Salmoni عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الثلاثاء يوليو 08, 2008 8:13 am | |
| أعود الى أصل المطلب.. فأقول .. أن وجود ابليس في الفكر الديني .. الاسلامي تحديدا هو وجود واقعي له ثقله ووزنه.. وقد ذكر صراحة في القرآن .. وبالتالي فالعقل الديني لا يراه اجمالا في حيز المجازية او الخيال او غير ذلك ..
هذا في الاطار العام ..
ثم إن أردنا الالماح الى ماهية ابليس فيما يتفق به كافة الديانات لخرج معنا انه كائن ممثل للشر، والخطيئة على ما اسلفت فيما سبق.. وتتعدد مهامه واسمائه ووظائفه واساليبه .. الا ان غايته المثلى المتفق عليها على ما تعرف عزيزي هي الصد عن الله واستعباد الناس بدلا عن الله .. هذا هو المشهور .. ومن هذا الباب اسمح لنفسي الدخول في مبحث الشر والخير لاتناوله بحيز من الالماح بالاطار الفلسفي، متجاوزا بذلك محل البحث الذي أراد الدكتور العظم تناوله، لان الرجل قد كفى ووفى في سبيل بحثه وفي سبيل اخراجه بهذه الصورة .. لا بد من الاشارة بادئ ذي بدء أن الخير والشر هما مفاهيم أخلاقية غير مطردة، بمعنى ما نسبية، أي ربما قد تختلف وتتخلف في بعض الازمنة عن بعض أزمنة أخرى.. والشر يرتبط دائما بالسوء والظلم والفساد .. والخ .. من صفات وأفعال اصطلح العقل المشهور على ذمها .. وهذا ايضا قد دعا بعضهم من امثال الصوفية مثلا لانكار الشر .. بسبب تناقضه الاجمالي غالبا مع طبع الانسان .. باسقاط ديني معين لا مجال الان لذكره ربما .. لكن مع هذا فالشر غالبا ما كان يلعب دور المحرك والممون والفاعل بطريقة او بأخرى للخير .. فالاخلاق المثلى العالية بما هو متعارف لا يمكن لها أن تكون أو تتم الا من خلال حالة من التصادم نوعا ما بينها كخير مع الشر .. بمعنى أن النفس الانسانية التي تتفاعل معه كضد بطريقة ما كي تنطلق الى حيّز الخير عبر صراع قائم في سبيل دفعه والتلبس بالخير .. واظنها حالة مطردة لدى الجميع.. فالشر اذن يحفز الارادة للفعل باتجاه الخير .. والخير ايضا يتمثل كغاية ومطلب لا يمكن ان يُنجز او يُتلبس به الا من خلال الصراع مع الشر .. وهنا يكمن السؤال .. هل الشر هو عنصر دخيل .. (وهو الاعتبار الذي دعا بعض من وقف موقف الانكار له ولوجوده) ليس له اي اولوية او تساوي مع الخير؟ او انه والخير متساويان متداخلان، بمحور ازدواجي القطب، وعلاقتهما الجدلية الصراعية متساوية دائما وابدا .. بالواقع ان اغلب الفلاسفة القدامى قدموا الخير على الشر، وجعلوا للخير ميزة التقدم والسمو .. ووضعوا الشر غالبا في حيز الفوضى والاضطراب والشذوذ عن الطبع الانساني .. طبعا بما يتناسب مع نسبية كل منهما باعتبار الزمان والمكان .. ولمزيد من التعمق بهذا الاطار.. فقد رأى بعضهم ان الشر يشتمل بذاته على تناقض واضح باعتبار ان الاولوية بالوجود للخير، فهو لا اولوية للوجود فيه، وبالتالي وجوده المتحقق ناتج عن تناقض يمكن ان يوصف بمعنى من المعاني بالشاذ ..
وبالاضافة الى هذا فلقد توقف بعضهم عن اعتبار ماهية الشر .. بمعنى.. انهم لم يقبلوا بفكرة تقابل الخير بالشر .. الا انهم لم يتمكنوا بتاتا من فصل حالة التبادر الحاصلة لمفهوم الشر عند طرح مفهوم الخير ..
وذهب بالطبع الكثير من الفلاسفة في مذاهب شتى بهذا الاطار .. لا اعتقد ان المجال يسع الان للحديث فيها
وفي نهاية سريعة لهذه المداخلة السريعة .. اعود لاصل الموضوع .. الى ان أس الخير يتبين غالبا بالشر .. وهنا يكمن ضرورة حقيقة إبليس في الفكر الديني الاسلامي تحديدا لابراز الصفات الخيرة لله .. وهذا هو المحور الذي لعب به العظم في بحثه اعلاه .. جعل بطل الشر المتعارف يعيش مأساة الغبن واقعا لتلبسه الضمني بالخير الفعلي.. ولهضم حقه..
| |
|
| |
الثقب الأسود عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الخميس يوليو 10, 2008 5:53 pm | |
| السلام عليكم
لماذا هذا الأستخفاف بعقول المتابعبن لكم
ولماذا لا يتم الأجابة حسب النقاط التي طرحها الهميسع
واين جواب هذا السؤال
- اقتباس :
قال الله تعالى
{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى } طه 120
{ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى }
فهل الله عز وجل ينقل لنا كذب إبليس على آدم عليه السلام بوصفه للشجرة بقوله { شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى } أو هي فعلاً كذلك ...؟؟
و!ذا كانت هي شجرة خالدة فعلاً ... فهل لك أن تصفها لنا وتدلنا عليها وتبين ماهيتها كما طلبت منك ذلك سابقاً ....؟؟؟
Salmoni فإذا كان
صاحب منظرة ونسخ ولصق فلماذا لا يتبرع أحد المثقفين للأجابة على النقاط التي نتشوق لمعرفة أجاباتها
ثم ان على الهميسع تقديم الأجابة في حال واصل السلموني من التهرب بطريقته البولسية هذه | |
|
| |
Salmoni عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الجمعة يوليو 11, 2008 4:45 am | |
| الى الثقب الاسود، هل لك ان تبين لنا كيف نستخف بعقلك لاسمح الله؟ عندما انقل موضوعا اقول ذلك صراحة وقد وضعت اسم الكاتب في اول السطر (صادق جلال العظم) ولم تكتشفني انت بنباهتك وقد اضفت مداخلتين عن الموضوع ورد الهميسع جاء قرأنيا صرفا وقد رد على الكاتب الأصلي ضمن فهمه للموضوع ولقد بينت انني اتفق مع صادق جلال العظم في طرحه.
اما بالنسبة لمداخلتك فهي ذكرتني بالجهلاء الذين كان يخاطبهم الرسول في احاديثه فمثلا عندما قال الرسول" إياكم وخضراء الدمن " سألوه فورا وماهي خضراء الدمن يارسول الله؟ لاحظ الجهل الذي كان يعاني منه الجمهور من حوله!!!!
اتمنى ان تعيد قراءة محاضرة الدكتور العظم واذا كان لديك تساؤلات حولها فمرحبا بأسئلتك وسأحاول ان اساعدك. والآن سأجتهد واحاول ان اشرح الآية فإذا اخطأت كان لي ثواب واحد واذا اصبت كان لي ثوابين. ننتقل الآن الى موضوع الشجرة.
إن وصف الجنة التي وصفها الله لآدم لا يشبه وصف جنة المتقين، لأن الجنة والنار لم توجدا بعد وإنما ستقومان على أنقاض هذا الكون بقوانين مادية جديدة، وأن من صفات جنة المتقين الخلود واختفاء ظاهرة الموت. فكيف يمكن إغراء إنسان بشيء لا يعرفه وغير موجود؟ وقد تم إغراء آدم بقوله: (هل أدلك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى). فلولا أن آدم يعرف الموت وأن الأشياء تبلى لما تغرر بذلك القول وهذه الآية تنوه أيضاً بأن غريزة البقاء هي أقوى غريزة لدى المخلوقات كلها. ثم تأتي بعدها شهوة التملك وبقاء الممتلكات بقوله (وملكٍ لا يبلى). لايستطيع الإنسان أن يلوم جماعة من البدائيين قامت بتأليف تلك الأساطير لكن العيب الحقيقي علي من لايزال يؤمن بها لليوم ويعتقد بصحتها فياعزيزى هذه قصة اراها انا وهمية وخرافية ومؤلفها لم يأخد فى الاعتبار ان هناك اشخاص مثلنا سيكون لهم عقل مفكر يتصايد الاخطاء الساذجة ويحللها تحليل منطقى ليجد فى النهاية انه امام اله وهمى | |
|
| |
ابو وعد عضو جديد
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) السبت يوليو 19, 2008 8:17 am | |
| السلام عليكم جميعا
العيب ليس في فهم الناس لمفهوم الخير والشر وإنما العيب في الإرث الثقافي الذي تبنيناه فبكل العصور السابقة والمؤرخة تحديدا كان للخير مواصفات كما للشر ,فلقد تم تحليل زواج الأخ للأخت في أيام آدم وهو ما ذكر في الكتب الدينية , وهذه العادة إلى المدى المنظور كانت مجال فخر في بعض القبائل الهندية ( كما أطلقت عليهم التسمية ) في الأمازون وهذه العادة محرمة دينيا وتعتبر مرفوضة أخلاقيا في المجتمع المدني المتحضر .
الم يعجب الإمام علي من الفقير الذي لا يحمل سيفه ليحصل على قوته من الغني , وهذه العادة مرفوضة من المجتمع المتحضر .
الم تكن التضحية بالإنسان من العادات الموجودة قبل ظهور الأديان التوحيدية وتبدلت هذه العادة الوثنية بالحيوانات قربانا ليرضى الإله , الم ترجم الزانية عند اليهود ثم حرم الرجم في عهد عيسى وأعيدت هذه العادة اللاانسانية في الإسلام وهنا استغرب تنفيذها مع عدم وجود آية صريحة لذلك الفعل السيئ .( لست ادعوا للزنا حتى لا تفهم بشكل خاطئ ) .
كل هذه المقدمة لأقول أن الشر والخير هو نتاج ضمير المجتمع الذي يسن قوانينه من حيث ما هو شر وما هو خير , وهنا يأتي دور الدين الذي هو مترجم لهذا الضمير المجتمعي المتطور دائما بعقل مبدع الأحداث وهو الإنسان , فاعلا ورابطا ذلك بعقيدة دينية كانت أو بشرية مجازا , فالكل من صنع الإنسان ومن تطور حاجاته ومصالحه , فهو يسخر كل ما يستطيع تسخيره لمصالحه ودون أي تعذيب لضميره في إفناء ذاته بالتعدي على الطبيعة والتعدي على الصحة العامة والتعدي على مثيله الأضعف ليستضعفه بشكل اكبر ويسيطر عليه .
أين الخير عندما تحارب الأديان العلماء حين وصلوا بعلمهم إلى أن الأرض كروية , أين الخير عندما تهدر دم شخص عبر عن رأيه وقناعاته بان الكون ليس من خلق الله , واستنبط علما من خلال نظريات علمية ابتعدت عن التسليم بخالق الكون , ما هي الفائدة الحقيقية من جعل نصف المجتمع مغيب ( النساء) هم فقط للنكاح وليس لهم أي فائدة أخرى سوى إمتاع الرجال حتى أنهم في الجنة للمتعة ... أين الحكمة من ذلك ؟ أين الحكمة من السماح باغتصاب الصغيرات في السن بحجة أن الله حلل ذلك ( وهنا أصر على كلمة اغتصاب لأنها لم تصل إلى مرحلة تقرير أن ذلك في مصلحتها أو لا أي دون إرادتها ) أين الخير والإنسانية في ذلك , وما ذكرت غيض من فيض إذا كتب كل ما هو شرير في العقائد الدينية تشيب لها شعور رأس الأطفال فكيف بالكبار !!!!!!!
يا للعجب منكم ومن تفكيركم يطرح السلموني فكرا بتجرد ناظرا بشكل عام على المعتقدات ومن خلفية تحليلية منه أو منقولة مقتنعا بها , فيبدأ اللوم والاتهام بشتى النعوت والسباب , يجب محاورة الفكرة ونقاشها دون تزمت برأي
والاعتراف بالخطاء أو إعطاء البديل .
لم يحرم الإسلام العبودية وإنما سمح بها وباستغلال النساء مما ملكته إيمانكم للنكاح وهذا ما جعل عمر يعترض على العبودية بقوله ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) أليس في هذا القول ثورة لمن يفهمه , ثورة على تعاليم الإسلام بالسماح للعبودية ........ استفسارات برسم من هو يتقن السباب والشتائم والهروب من الحوار بخلفية متعصبة بعيدة عن العقل ( خذوا رسول الإسلام محمد (ص) مثالا لقد حاور من هو ليس مؤمنا ليدخله إلى الإيمان ولم يشتمه وكثير من الآيات تثبت ذلك وإذا كنتم لا تعرفونها استطيع وضعها لكم في الإرسال القادم .
فليس في الشتائم حوار استطيع أن اكتب قاموسا كبيرا بالشتائم ولا احد يستطيع منعي لان الأكثرية منكم لا يعرفني كما لا أعرفكم إلا من خلال هذه الحوارات ...... اتقوا الله إن كنتم تؤمنون به , واتقوا إنسانيتكم إن كنتم لا تؤمنوا بالله . | |
|
| |
ابو علي الموسوي مشرف عام
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأربعاء أكتوبر 08, 2008 5:02 am | |
| ابليس هو كلب الحضرة الالهية من كان من اهل الله تركه يدخل الى الحضرة الالهية ومن كان مغير اهلها نبح عليه وطرده ويقول الشاعر واصف جاره السكير لو جئتكم وريح الخمر تسبقني لما شكّ كلبكم اني صاحب الدار وشكرا لكم | |
|
| |
رياض زهرة مدير
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأربعاء أكتوبر 08, 2008 5:06 pm | |
|
العزيز أبو علي الموسوي المحترم
نرحب بك في منتدانا للحوار الاسماعيلي المتحضر ونرحب بجميع استفساراتك ... أياً كانت ...!!!
ولكن يجب أن توثق لنا تفسيراتك التي تفضلت بها من أي آية من كتاب الله أتيت بها
فعندما تفضلت وكتبت
+++++++++++++++++++
ابليس هو كلب الحضرة الالهية من كان من اهل الله تركه يدخل الى الحضرة الالهية ومن كان مغير اهلها نبح عليه وطرده ويقول الشاعر واصف جاره السكير لو جئتكم وريح الخمر تسبقني لما شكّ كلبكم اني صاحب الدار وشكرا لكم
+++++++++++++
ننتظر أن تتفضل بالآية الكريمة التي أقتبست منها هذا التفسير بخصوص أبليس ....!!!
وإلا أطلب البيان حول هذه النقطة من المنتدى
والأخوة الكرام سيزودونك بما تطلب والسلام
الهميسع
+++++++++++++++
| |
|
| |
ابو علي الموسوي مشرف عام
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الخميس أكتوبر 09, 2008 2:29 am | |
| اخي العزيز قرأت بحثكم القيّم واعجبني كثيرا ولي اسئلة قبل ان اجيبكم على سؤالكم عن مصدر كلامي بان ابليس هو كلب الحضرة الالهية هل ابليس من الجن ام من الملائكة ؟ واذا كان من الجن كقوله تعالى ( الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه ) فهذا يعني ان الامر لم يكن له بل كان للملائكة ؟ ما الفائدة وما الغاية من وجود ابليس اصلا ؟ هل ابليس شخص ام صفة ؟ هل ابليس افضل من الانسان ؟ وهل الملائكة افضل من الانسان ظ وهل الجن افضل من الانسان ؟ هذه اسئلتي وان شاء الله ساجيبك عن سؤالك الكريم في ردي القادم وببحث سارفعه الى منتداكم الرائع وارجو قبول اعتذاري اذا اخطات او زللت فانا باحث عن الحقيقة والمعرفة وشكرا لكم اخوكم ابو علي الموسوي | |
|
| |
رياض زهرة مدير
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأحد أكتوبر 12, 2008 1:08 am | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
يا عــــــــــــــــــــــــــــــــــلي مدد
نشكر من أعماق قلوبنا الأخ الفاضل أبو علي الموسوي
على أسئلته التي تنم عن سعة إطلاع وأراده وتصميم ببحثه عن الحق الذي يريده الله في محكم تنزيله
وأن شاء الله سنصل معاً وبالتعاون يداً بيد إلى تسليط الضوء على بعض النقاط الهامة والواردة في إرسالك
وسيكون هذا مساء اليوم أن شاء الله وفي موضع جديداً مستقل
فالنقاط التي وردت في إرسالك وتستفسر عنها تستحق منا تخصيص موضوع منفرد لها
مع تحيات الهميسع
+++++++++++++++++++++++++++
| |
|
| |
رياض زهرة مدير
| موضوع: رد: مأساة إبليس(1) الأحد أكتوبر 12, 2008 5:13 pm | |
| | |
|
| |
ابو علي الموسوي مشرف عام
| موضوع: السلام عليكم الجمعة أكتوبر 24, 2008 12:07 am | |
| - الهميسع كتب:
-
يا علي مدد
أخي أبو علي الموسوي
تفضل على هذا الرابط
https://readz.yoo7.com/montada-f4/topic-t265.htm#1110
الهميسع
++++++++++++++++++++++++++ استاذي الفاضل الهميسع المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته استاذي العزيز انا منذ فترة اتابع بحوثكم ومقالاتكم حتى اني زرت منتدى الحوار الاسماعيلي وساءني انسحابكم منه هذا على حد معرفتي وظني وقد اكون مخطئا لان بعض الظن اثم اخي واستاذي العزيز بالنسبة لفكرتي حول ابليس يحضرني استفسار وهو ان الله جل وعلا حين يبين واقعة اكل الشجرة من قبل آدم وزوجته حواء يذكر اسم الشيطان ولا يذكر اسم ابليس وحين يذكر واقعة عدم السجود لآدم يذكر ابليس ولا يذكر آدم هذا اولا وثانيا ما الدليل على ان عنصر النار هو اسمى من عنصر الطين عملية تفضيل آدم كانت بسبب نفخ الروح فيه وحصول العوالم الاربعة فيه ففيه الناسوت والملكوت والجبروت واللاهوت اي بمعنى ان الناسوت هو عنصر الطين او الجماد والملكوت وهو عالم الجن فيه وطبيعته والجبروت هو عالم العقل والنظام وهو عالم الملائكة واللاهوت هو عالم الروح فالانسان جمع العوالم الاربعة فيه وسابين ان ابليس كان في حقيقته قد سمى بكماله ليصل الى مستوى عالى من الكمال فكان في ظنه انه سيكون هو المؤهل ليكون هو قمة الكمال بالنسبة لخلق الله ولكن آدم الذي كان نتيجة الدورة السابقة غدى المؤهل لخلافة الله في الارض ومن غير المنطق ان يكون الخليفة اذا لم يك هناك خلقا آخر فآدم لم يكن هو الخلق الوحيد من البشر بل كان هناك بشر آخر وآدم اكملهم فهل يعقل ان يكون وحاشاه خليفة يدير شؤون الحيوانات ؟؟؟ أذاً القضية بالنسبة لابليس الذي كان من الجن ثم سمى بالتكامل ليصل الى رتبة الملائكة بالكمال اي في عالم الجبروت وعلى كماله كان يرى انه الاجدر بان يكون انسانا كاملا او على الاقل الاجدر بان يكون خليفة الله فابليس لم يك سيد الموحدين حتى انه يمتنع عن امر الله بالسجود لآدم لانه يعتبره شركا ولم تك غاية الله جل وعلا اختبار ابليس وطرده ( ولكن تبيان حقيقة كماله ) وستكون له منزلة عالية برفض السجود لان السجود ياتي بمعاني كثيرة ومنها الخضوع والاطاعة وعلى قول القائل ان المحب لمن احب مطيع فلو كان ابليس محبا لله لاطاعه في امر الخضوع ولم يامره الله بان يتخذ من آدم الها بديلا عن الله وتعضد هذه المقوله قوله تعالى ولله يسجد له ما في السموات وما في الارض والنجم والشجر يسجدان وآيات كثيرة اي بمعنى خضوعها لنظام معين متكامل موزون وارجو المعذرة على الاطالة لان في الحديث بقية وعذرا اذا كان رايي خاطئا فانا باحث عن الحقيقة وتلك الافكار غايتها العرض لا الفرض جزيتم خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوكم وخادمكم ابو علي الموسوي
وللحديث بقية | |
|
| |
| مأساة إبليس(1) | |
|