أبو النبل

مشرف عام

[b]مر صديقنا العزيز جداً الأديب نبيل سليمان بأزمة صحية من العيار الثقيل، فقد علمت أن قلبه توقف عن الخفقان قبل حوالي ثلاثة أشهر، توقفاً تاماً، ثم أقلع، وهذا يدل على أنه ذو عين قوية، ولا يرميها واطئة، أو كما كان يقول الأديب الراحل حسيب كيالي حرفياً: شاقّ الأرض وطالع!
كان نبيل، قبل أن يتحول إلى إنسان مقلوب (أي مصاب بمرض القلب)، يُزهى علينا نحن أصدقاءه بأن له اسماً كيساً، بينما أسماؤنا نحن وحشة، فقد قال لنا حينما التقيناه في مدينة الثورة قبل بضع سنوات:
- أنا أستغرب كيف تستطيعون أن تعيشوا بمثل هذه الأسماء مثل خطيب بدلة وتاج الدين الموسى وما بعرف شو،.. لاحظوا كم هو كيِّسٌ اسمي: نبيل (ومط حرف الياء) وسليمان (ومط حرف الألف)!
فقلت له ممازحاً:
- ما شالله عليك، والله لو كان رياض السنباطي حياً لكنا أعطيناه اسمك وطلبنا منه تلحينه مستخدماً عدة مذاهب وكوبليهات!
ومع أن اسم نبيل سليمان- بزعمه- كيس وذو جرس موسيقي عالي المستوى، وأنا اسمي مجعلك، ولفظه يفشخ الحنك، فقد كانت بيننا نقاط تشابه كثيرة، أهمها أن الواحد منا كان يدخن- قبل أن ينقلب- مثل ميكروباص انبعجت فيه طرنبة الزيت، ومع ذلك تراه يمشي في الشوارع ويطلق سحائب الدخان الأسود من (الاشكمان) بعلم شرطة السير وعلى مرأى منهم! وحينما نزل تحت القثطرة القلبية تبين أن شرايينه الأربعة مسدودة (وزاقمة!) بنسب تشبه العلامات الجامعية للطلاب المتفوقين، أي تتراوح بين تسع وتسعين بالمئة، ومئة بالمئة!.. وكلانا أدخل إلى جناح العمليات على نحو إسعافي، لأن حياته في تلك اللحظة كانت واقفة على نفخة! وكلانا خرج منها ينطبق عليه وصف المرحوم حسيب كيالي الذي أشرت إليه أعلاه.
حينما كان أبو النبل في وسط المعمعة كنت أتابع أخباره أولاً بأول عبر الصديقين الأديبين أسامة الفروي ووفيق خنسة، وحينما نقلوه إلى الشام أخذت أتصل بزوجته السيدة سميعة، وبعد أن طمأنتني على وضعه ونجاح العملية، سألتها بلهجة العارف:
- على علمك أنه سيتوقف عن التدخين بعد ما حصل، أم لا؟
فقالت لي: سيكون هذا غصباً عن الذين خلفوه!
وهذه نقطة تشابه أخرى بيننا، فأنا تركت التدخين بعد العملية غصباً عن الذين خلفوني، ولكن الغريب في الأمر أنني لم أندم على تركه، وتبين لي أن التدخين عادة سيئة مارستها خمساً وثلاثين سنة من دون تفكير تقريباً.
أمضى نبيل فترة النقاهة البالغة شهراً وأسبوعاً في منزله الكائن في لاذقية العرب، غائباً عن جلسات الثلاثاء الثقافي التي كان عنصراً بارزاً فيها، وكنت أطمئن على صحته هاتفياً عن طريق ابنته إيناس، أو زوجته سميعة، دواليك حتى استرد عافيته بالكامل، ولكن ما حصل معه بعد ذلك كان شيئاً طريفاً يستحق أن أرويه لحضراتكم بالفم الملان:
ذهب أبو النبل، بعد النقاهة، إلى دمشق ليراجع الطبيب، وبعد الفحص السريري والصور الشعاعية والإيكو والميكو والرنين، والتي واللتيَّا، بشره الطبيب بأنه قد تجاوز كل خطر ممكن، وبقي عليه أن يلتزم بالتعليمات الغذائية، وأن يمشي عشرة كيلومترات في كل يوم، دون زيادة أو نقصان.
ولأن نبيلاً، مثلنا، يحب الحياة ويتمسك بها، فقد نفذ تعليمات الطبيب بحذافيرها، وبعد أن مضى عليه ثلاثة عشر يوماً، اتصل بطبيبه عبر الهاتف الجوال وقال له:
- مرحبا دكتور، أنا محسوبك نبيل سليمان، الروائي والناقد المعروف، نفذت تعليماتك بحذافيرها، ومشيت ثلاثة عشر يوماً، بمعدل عشرة كيلومترات في اليوم، وقد وصلت إلى الآن إلى مدينة إدلب فماذا أفعل؟!!!!!

خطيب بدلة

[/b]