هذه المقالة نسخة منقحة من الأصل المنشور في موسوعة الحضارة الإسلامية في العصر الوسيط، المجلد 2، صفحة 343 ـ 345، مراجعة جوزيف و. ميري، روتليدج (نيويورك ـ لندن ؛ 2006 )
موجز
كان الحـسن بـن الهيثم؛ المعروف في اللاتـينية بِـ Alhazen ؛ (ولد 965 للميلاد في البصرة وتوفي بعد 1041 للميلاد في القاهرة) أحد أعظم الرياضيين الكلاسيكيين ؛ كما كان مطوراً ثورياً لعلم البصريات بالإضافة إلى أنه فلكي شهير . كـتب النص المؤثـر: كـتـاب الـمنـاظيـر (البصريات، المعنون في اللاتينية : De Aspectibus أو Perspectivae )، وأثَرت نظرياته حول الضوء والرؤية في تطور التقاليد المنظورية للمفكرين الأوربيين في العصر الوسيط ومنظري عصر النهضة في الفن والعمارة . كما أدت أبحاثه الرياضية المعمقة والمتقدمة في علم المخاريط إلى ظهور علم الانكسار وعلم الأخيلة ؛ بالإضافة إلى تسهيلها لأبحاثه الخصبة والرائدة في علم الفلك والأرصاد الجوية. برَع أيضاً في أبحاثه المتعلقة برياضيات اللانهايات وعلم الحساب ونظرية الأعداد.
Download PDF version of article -29 KB
كلمات رئيسية:
كتاب المناظير، الإمام الخليفة الحاكم، النهضة، علم، فن، رياضيات، علم الفلك، الميكانيك، الفيزياء، الاستقبال، الإصدار، بطليموس، أرسطو، رسالة في المكان، رسالة في الضوء, البصريات، مفهوم المكان (topos )، الهندسة التحليلية، قانون الحركة.
ابن الهيثم
ولد العالم الموسوعي أبو علي الحسن ابن الهيثم (965- 1041م)، المعروف في اللاتينية بـ Alhazen، في البصرة بالعراق. وبعد إتمام دراسته في العراق، استقر في مصر حيث كلفه الخليفة الفاطمي الإمام الحاكم (1021م) بتصميم سد على النيل. ومع أنه ساهم في تطور العديد من فروع المعرفة من الرياضيات وعلم الفلك إلى الميكانيك إلا أن تأثيره كان أعظم ما يكون في حقل البصريات. رسمَ كتاب المناظير (1027م)، وهو تحفة كتب ابن الهيثم، ومترجمٌ إلى اللاتينيهى باسمَ De aspectibus (1270م)، إلى حد كبير معالم نظرية المنظور الناشئة في علوم وفنون العصر الوسيط وعصر النهضة. ويبرز تأثيره على مفكري العصر الوسيط أمثال روجر بيكون وجورج بيكام وويتلو وَعلى منظري عصر النهضة كَليون باتيستا البيرتي ولورينزو جبرتي.
قدم كمال الدين الفارسي التفسير النقدي الأكثر أهمية لابن الهيثم عبر تاريخ العلم في العصر الوسيط في الإسلام وذلك في كتابه تنقيح المناظير . وشكلت نظريته حول الرؤية إنجازاً متفرداً في البصريات في الفترة الفاصلة بين كلاوديوس بطليموس وجوهانس كبلر .قدم حلاً للخلاف الإغريقي القديم حول طبيعة وسبب الرؤية، هذا الحل المستوحى، بمصطلحات فيزيائية، إما من دخول شكل الشيء المرئي إلى العين أو من النموذج الرياضي لانبعاث مخروط ضوئي من العين. بتتبع ابن الهيثم للفيزيائيين من مثل أرسطو فقد قرر أن الرؤية تحصل من دخول الشكل المنير من الجسم المرئيّ إلى العين. وكل كلٍّ فقد قام ابن الهيثم خلال شرحه لهذه العملية باستخدام نموذج مخروط الرؤية كما صاغه رياضيون من أمثال إقليدس وبطليموس، وهكذا أظهر أن الرؤية هي محصلة لدخول شكل مضيء عن طريق انتشار الضوء وفق خطوط مستقيمة عبر وسط شفاف، أي هنالك مخروط افتراضي يشكل مركز العين رأسه وسطح الشيء المرئي يشكل قاعدته. كما قال بأن الإدراك البصري ليس مجرد إحساس بل هو فعل استنتاج وتمييز في المقام الأول.
أضاف لكتابه المناظير علاوةًً على ذلك رسالةً في الضوء تبحث في المزيد من طبيعة وسلوك السطوع وانتشاره الشعاعي في أوساط شفافة ونصف شفافة مختلفة .كانت ملاحظاته المتعلقة بالعين معتمدة على فحص تشريحي لبنية العين ومدعومة بتجهيزات تجريبية مصممة لاكتشاف الأخطاء والتشوهات في الإدراك البصري ولاستكشاف ظواهر كالحجرة المظلمة (مبدأ الغرفة المظلمة الذي تعتمد عليه آلة التصوير ذات الثقب). وبحث أيضاً في ظواهر الطقس المتعلقة بقوس قزح وكثافة الجو، بالإضافة إلى بحثه في طبيعة ظواهر فلكية كالكسوف والخسوف والشفق وضوء القمر. اعتمد في هذا المسعى على مشاهداته للانحراف الضوئي وعلى التجريب في مجال تشكل الأخيلة والانعكاس باستخدام المرايا الكروية والقطوع المكافئة والعدسات المكبرة .
قدم أيضاً نقداً شاملاً لمفهوم المكان ( topos ) في كتاب أرسطو في الفيزياء حيث قال أرسطو بأن مكان شيء ما، هو الحدود الثنائية الأبعاد للجرم الحاوي الساكن والذي هو على تماس بما يحتويه . حاول ابن الهيثم - على العكس من هذا التعريف - أن يوضح ؛ في مؤلفه رسالة في المكان ؛ أن المكان هو الفراغ الثلاثي الأبعاد المتخيل ضمن السطح الداخلي للجرم الحاوي، وبالتالي فقد بين أن المكان مرتبط بالفضاء بطريقة مماثلة لما سيفعله ديكارت في extensio . قام ابن الهيثم، بالبناء على تراث إقليدس واستفاد بشكل جزئي من أعمال الرياضي ثابت بن قرة ( توفي 901 م )، بمزيد من تصنيف مهارات الهندسة التحليلية (رابطاً الجبر بالهندسة )، ورياضيات اللانهايات، وعلم المخاريط، ونظرية الأعداد. ودرس بالإضافة إلى ذلك آليات القانون الأول في الحركة الذي يعتقد بناءً عليه أن جسماً ما سيتحرك بشكل دائم ما لم تمنع من ذلك قوة خارجية توقفه أو تغير اتجاهه . يتبدى لدى ابن الهيثم أيضاً ؛ خلال دراسته للتجاذب بين الكتل ؛ إدراك طفيف لحجم التسارع المرتبط بمبدأ متعلق بقوة الجاذبية . كان رائداً في مساعيه وكان أيضاً مكافحاً لتطوير طرائق تجريب متينة للاختبارات العلمية المضبوطة وذلك في ضوء التحقق من الفرضيات النظرية وإثبات الحدس الاستقرائي.