محمد الماغوط من الرسم إلى الشعر
بقلم : الأستاذ عادل أبو شنب / مجلة تشرين
هتف ذات يوم في قصيدة عنوانها " نجوم وأمطار " من ديوانه غرفة / غرفة بملايين الجدران / أول ديوان له .
ما أكتبه في الصباح
أشمئز منه في المساء
أشتهي قتله في العاشرة
لكنه لم يكن كذلك أبدا . كان يحب الناس حتى العظم وكان يتمنى الحرية والرغد لجميع البشر , وها قد تجاوز السبعين قبل وفاته إنه محمد الماغوط الذي جاء من مدينة على تخوم الصحراء , ( السلمية ) ليعيش في دمشق التي إذا ما غاب عنها . ليوم . اشتاق إليها .
" أظنها من الوطن
هذه السحابة المقبلة كعينين مسيحيتين
أظنها من دمشق
هذه الطفلة المقرونة الحواجب
هذه العيون الأكثر صفاء
منه نيران زرقاء بين السفن
ولد محمد الماغوط في السلمية عام / 1934 / م في مجتمع وسط بين الرعوية والحضرية وعاش فيها , مطلع حياته . بإحساس بالظلم , وبفقدان العدالة الإجتماعية والإقتصادية , لأن مجتمع السلمية كان منقسما إلى أقلية من الأمراء وأكثرية من الفلاحين والرعاة كما قال لي , وأسرته الماغوطية تتوزع بين ملاكين وفلاحين . لكن فرعه ينتمي إلى الفلاحين . والده أحمد الماغوط . وأمه ناهدة الماغوط , وإخوته السبعة (( خمس شقيقات وشقيقان )) كان أبوه يعمل بعرقه في الأرض , ليطعمهم ,
نشأ الماغوط على حب اللغة العربية . من قراءته للقرآن الكريم في / الكتًاب / ومن المنعطفات المهمة في حياته
الطفوليه ختمه للقرآن الكريم . حفظا وكتابة , وكانت الختمة تستوجب احتفالا يكرم فيه الطفل . وكان قد ختمه بين السنة الخامسة والسادسة من عمره , وكانت هذه مواهبه المبكرة .
استهوى محمدا مع ما استهواه في هذا الكتاب الإلهي .. القصص التي فيه . يقول : - هذه القصص حركت مخيلتي أبدا. إنها قصص رائعة . موجزة . لكنها رائعة .
في بواكيره جرب تفريغ شحنات الإحساس بالظلم وفقدان العدالة في كتابات . كانت الأبرز بين كتابات لذاته .
عرف في المرحلة الإبتدائية بجودة الأسلوب وبتعبيرات مركزة جيدة . ساخرة بالتأكيد منذ ذلك الوقت . وبصورة مبتكرة . تدعوا للإدهاش والمفاجأة . فماذا كان يجتب محمد وهو طفل . قال : كتبت خواطر وانطباعات . هل تعرف أنني كنت أحاول في الرسم ! ( ليس صدفة أن ينتقل هاجس الرسم من الأب محمد الماغوط إلى ابنته " سلافه الماغوط " خريجة كلية الفنون الجميلة )
وظاهرة الرسم تقلصت في الكبر عنده , لتتمدد وتتطاول وتتعملق الظاهرة الشعرية . أو لأقل الظاهرة الكتابية , مكانها
كتب الماغوط أنواعا مختلفة تتدرج من " المقالة القصيرة " الساخرة في الصحف اليومية . في دمشق " الرأي العام السورية – الخليج الإماراتية – تشرين السورية – المستقبل الأسبوعية الفرنسية – البناء البيروتية ) إلى المسرحية والدراما التلفزيونية . والسيناريو السينمائي .. وإلى الشعر , وهو من قممه الإبداعية , حتى أنه عرف ب ( الشاعر ) أكثر من أي نوع آخر .أتذكر محمد الماغوط في ذكرى وفاته وأقول إنه لن يتكرر ... لن يتكرر .