إخوان الصفاء والإسماعيلية*الجزء الأول

عضو جديد

إخوان الصفاء والإسماعيلية*

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* كتبت هذه الدراسة قبل عدة سنوات ، ونشرتها مجلة النور ( العدد 125 ـ تشرين الأول 2001 ) ، وهي في الأصل استهلال للفصل السابع في كتاب للمؤلف ( سبعة : الرقم المقدس ـ صدر في دمشق عام 2003 ) ، ثم أضيفت إليها فقرات جديدة ، وتم التوسع بأخرى .

إخوان الصفاء جماعة سرية ، لا يُعرف عددها ، جمعت أصناف العلم والفلسفة والشريعة ، وصنفت رسائل في أجزاء الفلسفة عُرفت باسم ( رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء ) .

أول من أشار إلى جماعة إخوان الصفاء هو أبو حيان التوحيدي عند حديثه على زيد بن رفاعة الذي (( أقام بالبصرة زماناً طويلاً ، وصادف جماعة جامعة لأصناف العلم وأنواع الصناعات ، منهم أبو سليمان محمد بن معشر البيستي ، ويُعرف بالمقدسي ، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني ، وأبو أحمد المهرجاني ، والعوفي ، وغيرهم . فصحبهم وخَدَمَهم ، وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة ، وتصافت بالصداقة ، واجتمعت على القدس ، والطهارة ، والنصيحة .... وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة الإسلامية فقد حصل الكمال . وصنفوا خمسين رسالة في أجزاء الفلسفة ، وأفردوا لها فهرساً ، وسموها رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء ، وكتموا أسماءهم ، وبثوها بين الوراقين )). ( 1 )

من هنا بدأ الباحثون في دراسة الرسائل للوقوف على حقيقة تلك الجماعة ، فلم يهتدوا إلى رأي واحد جامع . لقد تعدد أراؤهم ، واختلفت مشاربهم ، وذهب كل فريق منهم مذهباً يسعى إلى هدم رأي المذهب الآخر ، لكن معظمهم تحدث عن وجود صلة بين إخوان الصفاء والإسماعيلية ، وباستعراض آراء بعض الباحثين تتضح الأمور .

يمكن تحديد تلك الآراء بثلاثة اتجاهات ، حاول كل اتجاه أن يتناول مسألة فكر إخوان الصفاء ، وانتمائه إلى جماعة بعينها :

اتجاه ينفي وجود أية علاقة بين
إخوان الصفاء والإسماعيلية

في هذا الاتجاه نجد أنفسنا أمام ثلاثة آراء رئيسة ، تتباين في طريقة مسألة النفي ، لكنها تتفق في المحصلة النهائية :

* نفي .... وافتراض

رأي أول ينفي وجود تلك الصلة بشكل قاطع ، بات ، لكنه ـ في الوقت نفسه ـ يقول بوجود علاقة بين إخوان الصفاء ومذهب منشق عن الإسماعيلية ، ويفترض أن كاتبي الرسائل جماعة من الصابئة .

* تساؤل .... وتقرير

رأي ثانٍ يبني نفيه على تساؤل يشي بحالة من التعجب والاستنكار ، ثم يقرر أن كاتب الرسائل ليس هو الإمام الذي تنسب إليه الإسماعيلية الإشراف على كتابتها ، وكتابة بعضها .

* نفي .... ونفي

في حين ينفي آخرون النظرية التي تبناها التوحيدي حول نسبة الرسائل إلى زيد بن رفاعة وصحبه ، أو نسبتها إلى بعض الأئمة الإسماعيلية ، حسب ما ذهب إليه نفر من الباحثين ، ويقرر أن الإسماعيلية أخذت عن الرسائل ، ولا عكس .

هذا موجز لتلك الآراء المتباينة ، وهي تستدعي وقفة متأنية عند بعض التفاصيل التي تساعد على تبيان أوجه الاختلاف .

اختلاف الباحثين

الباحث محمد عبد الحميد الحمد يذهب في قوله إلى أن (( هذه الرسائل لا علاقة لها بالمذهب الإسماعيلي بتاتاً ، بل المذهب الإسماعيلي اعتمدها لنصرة دعوته ، بعد ظهورها وشيوعها بين أيدي الناس ، وفي دكاكين الوراقين )) . ( 2 )

وهو في ذلك يأخذ برأي الدكتور عادل العوا القائل بأن المذهب الإسماعيلي أخذ من الرسائل ، وليس العكس . وينضم إلى رأي إحسان إلهي ظهير الذي يتساءل : (( لا ندري كيف يقول الإسماعيلية إن كاتب رسائل إخوان الصفاء هو الإمام الإسماعيلي أحمد بن عبدالله التقي ، فكيف يخالفون رأيه إذا كان الإمام معصوماً لا يُخطئ ؟ ( وهو ينفي دور الإمام ) ، وهذا من الأدلة على أن الإمام المذكور لم يكتب الرسائل )) . ( 3 )

يفترض محمد الحمد أن واضعي الرسائل هم سنان بن ثابت بن قرة الحرَّاني ( المتوفي عام 332 هـ ) بعد إسلامه على يد عضد الدولة ، وقريبه ، وأبو إسحاق الصابئ إبراهيم بن هلال ( المتوفي عام 385 هـ ) ، وثابت بن سنان الحرَّاني ، وأبو الخطاب الصابئ ، ووهب بن يعيش الرقي . دبجوا تلك الرسائل ، ودسوها في دكاكين الوراقين . ( 4 )

ويضيف : (( وأقرب المذاهب الإسلامية إليهم مذهب الموحدين الدروز ، وأما المذهب العلوي فقد تأثر بهم إلى حد كبير ، ولكنه ظل ملتصقاً بعلم الإمام جعفرالصادق عليه السلام ، وبتعاليم القرآن الكريم )) . ( 5 )

من المعروف أن مذهب الموحدين ( الدروز ) انشق عن المذهب الإسماعيلي الأم بعد اختفاء الحاكم بأمر الله ( الخليفة الفاطمي السابع ، الإمام الإسماعيلي السادس عشر ) سنة 411هـ / 1021 م ، ودخل كهف التقية ، ثم استأنف المذهب نشاطاته العلنية سنة 418 هـ / 1027 م . ( 6 )

الباحث الدكتور عادل العوا يناقش نظريات نِسبَة الرسائل إلى : المجريطي ، والكرماني ، وبعض الأئمة الإسماعيلية ، وزيد ابن رفاعة وصحبه ، والقرامطة ، والإسماعيلية ، والحركة الاعتزالية . وخلاصة القول لديه : (( ليس المجريطي ، ولا الكرماني مؤلفاً حقيقياً للرسائل )) .( 7 ) وأن نِسبَة الرسائل إلى بعض الأئمة الإسماعيلية (( لا تنال قبول سوى الباحثين الإسماعيلي الميول والنزعات )) .( 8 )

أما النظرية التي تحدد أسماء معينة ( زيد بن رفاعة وصحبه ) بوصفهم مؤلفي الرسائل هي نظرية عاجزة ، إن لم تكن خاطئة . ( 9 ) وهناك فوارق يختلف فيها الإخوان عن القرامطة ، وهي فوارق كبرى ، تبلغ في بعضها درجة التعارض الحقيقي . (10)

وبالنسبة إلى صلة الإخوان بالإسماعيلية ، فهو يُبعد جانباً آراء ثلة من الباحثين الذين أكدوا وجود تلك الصلة . يقول : (( إذا تركنا جانباً آراء العازفين عن تأكيد صلة الإخوان بالإسماعيلية ، مثل : عمر الدسوقي ، وعمر فروخ ، وإيف ماركت ، وسيد حسن نصر ، وكوربان ؛ أمكننا الانتباه إلى فويرقات في مواقفهم ، وإن شملهم التردد والارتباك ، ولاسيما أن الأخير يبرز خصوصية نزعة الإخوان الإسماعيلية ، وجميعهم أدنى جزماً من عارف تامر ، ومصطفى غالب ، والحق أن تامر يعتمد في تأكيد هذه الصلة على معطيات الفلسفة الإسماعيلية ، ولكنه يصيب كبد الصواب حين يرى أن الإسماعيلية مذهباً ، أخذت عن الرسائل ولا عكس )) . ( 11 )

عند مناقشة ارتباط نشاط الإخوان بالحركة الاعتزالية القديمة يرى أن طبيعة المدرسة التي تبدو إلى حد كبير على أنها معتزلية ، تدعوه إلى قبول علاقة بين رسائل إخوان الصفا وحركة الاعتزال البصرية زمن ( ابن رفاعة ). ( 12 ) وأمام نقائص جميع النظريات التي تحدث عنها ، يضطر إلى توجيه دراساته حصراً بوجه التقريب في المنحى الذي سيدعوه : الهوية الروحية إخوان الصفا ، وهذه الهوية هي هوية (مدرسة) ، وهي تتكشف عن أنها من طبيعة كلامية ، بل معتزلة بالدرجة الأولى ، ويرجح وصفها بأنها معتزلة حديثة . ( 13 )