تطور الكون وظهور النور

عضو جديد

من المثير ان اتباع نظرية الخلق، يقبلون نظرية تتطور الكون بعد لحظة الانفجار العظيم، محاولين الاكتفاء باعتبار ان "مادة الانفجار" هي التي جرى خلقها، وان الارادة الالهية تمثلت بالضغط على الزناد لاطلاق الانفجار. ويعود قبولهم على الارجح الى الصعوبة المتزايدة لمقاومة هذه النظرية بعد قدرة العلماء على الحصول على "صور الماضي" وذرات الانفجار، وقدرة الفقهاء على إعادة ترجمة النصوص الدينية بما يتتطابق مع المعرفة التي يصعب انكارها.

ورغم الاعتراف بأن الاشكال الكونية تظهر وتتغير عبر التراكم والتحول، يجد اتباع نظرية الخلق، من الصعوبة عليهم الاستمرار بتقبل نفس النظرية عندما تصل الى لحظة تفسير ظهور الحياة والانسان. هنا يصعب عليهم إعادة ملائمة صيغ نصية دينية اكثر وضوحا، لما تقدمه نظرية التتطور، مما يجبرهم على رفض النظرية ، ويحتم عليهم استخدام كل الاساليب للطعن بالنظرية واحتوائها.

لماذا سيخلق كل شئ في الكون عبر عملية التتطور، في حين تستثنى من ذلك الحياة نفسها؟

يعالج الموضوع نظرية كيفية ظهور الضوء والشموس في الكون من بعد الانفجار الكبير، مهيئة الظروف الممهدة لظهور الحياة. حتى فترة قصيرة كانت من غير المفهوم كيف ظهرت الشموس الاولى. اليوم يمتلئ الكون بالشموس، ولكن في الفترة الاولى للنفجار العظيم كان الكون غارقا بالظلام. الفراغ كان مملوءا بغاز الهليوم والهيدروجين، الذي اصبحت كثافته ارق باستمرار بفضل توسع الكون. حرارة الغيمة الغازية كانت تهبط ايضا بالارتباط مع التوسع، ولم يكن هناك اي نور في اي مكان من الكون المادي. المجرات والشموس التي نعرفها اليوم لم تكن موجودة.

بفضل المراقبة المستمرة والانظمة الحسابية المعقدة والكمبيوتر، تمكن العلماء من الحصول على نموذج لظهور الشموس والضوء في الكون. الشمس الاولى التي ظهرت كانت هائلة لايوجد مثيل لها اليوم. وبالرغم من ان هذه الشمس اصبحت من الماضي، فقد وضعت الاساس لظهور شموس اليوم. بالرغم من ان هذه الشموس الهائلة لم تعد موجودة نستطيع اليوم من حيث المبدأ رؤية الضوء الذي انبعث منهم. الضوء القادم الينا من ابعاد كبيرة، هو في الواقع ضوء من الماضي.

الغيمة الكونية المكونة من وحدات الهيدروجين، تمتص الضوء اليها، ومن هنا فأن الضوء الاول قد امتص ايضا في مراحل مبكرة، الى درجة ان درة حرارة الغيمة ارتفعت الى درجة التأيين، وبالتالي اصبحوا شفافيين، ويمكن رؤية المعلومات التي يعكسوها. هذا الضوء مر عبر الكثير من الغيوم الغازية، والملاحظة تشير الى ان حتى هذه الغيوم البعيدة وبالتالي القديمة، تحوي على المعادن الاساسية الثقيلة، التي لايمكن ان تكون قادمة إلا من انفجار الشمس الاولى.

الشموس الاولى، تشكلت بطريقة مختلفة عن الشموس الحالية. حياة الشموس الحالية مرتبطة الى حد كبير بمحتوياتها من المعادن الثقيلة المشعة، التي تحتوي على مجموعة من المواد الاساسية. انجذاب هذه المواد الى بعضهم البعض تحرر طاقة ممايجعل الغازالشمسي اكثر حرارة، و بدوره يزيد هذا الامر الضغط في الشمس، الى ان يصبح الضغط الغازي الى الخارج يعادل ضغط الجاذبية الى الداخل.

الشمس تستطيع تخفيف الضغط فقط من خلال اطلاق الحرارة والتخلص منها، على شكل اشعة. في حين يحتاج نظام تبريد فعال من اجل اجبار غيمة غازية على التقلص لتصبح شمسا. ولحسن الحظ فأن الطبيعة نفسها لديها الحل. اليوم تنشئ الشموس من الغيوم الغازية، التي تحوي ايضا على جزئيات المعادن الثقيلة الاساسية، وهذه الغيمة تأخذ الحرارة من انجذاب مكوناتها الى بعضهم البعض، لترسل الحرارة على شكل اشعة مافوق الحمراء. الامر الذي يجعل السؤال التقليدي قائما: مالذي جاء اولا البيضة ام الدجاجة؟

من جهة يظهر وكأن عملية تشكل الشموس تتطلب معادن ثقيلة، حتى تتقلص السحابة الغازية لتصبح شمسا، ومن جهة فأن الشمس ضرورية من اجل ان تخلق المعادن الثقيلة، اذ ان هذه المواد لاتظهر إلا نتيجة حرارة قادمة من انفجار هائل. في حالة الشموس الاولى لم يكن هناك مادة اساسية عدا الهيدروجين والهاليوم، حيث شكلت هذه العناصر نفسها اصل المواد الاساسية والمعادن.

الان تظهر الابحاث المدعمة بالموديلات الكمبيوترية ان السحابة الغازية للعصور الاولى كانت تستطيع التقلص من خلال استغلال الترابط الهدروجيني نفسه كنظام تبريد. مائة مليون عام بعد الانفجار العظيم، حيث الكون لازال صغيرا مكثفا ومظلما. الموجود لايزيد عن سحابة هائلة من الهيديروجين والهليوم مختلطة مع المادة المظلمة، التي تشكل 90% من مجموع المادة. مجمل المادة كانت متوزعة بانتظام، غير انه في بقعة منها كانت الكثافة اعلى. هذه البقعة هي التي شكلت النواة للشمس الاولى.

بعد المليارات من الحسابات الكمبيوترية، ظهر لنا كيف حدثت التغييرات في كثافة البقع وكيف تتطورت. النتائج تظهر ان البنيات الكونية الاولى كانت عبارة عن خيوط طويلة من الغاز، التي شكلت شبكة "عنكبوتية" هائلة. في النقاط التي تقاطعت الخيوط مع بعضها تشكلت بقع ذات كثافة اعلى، وبالضبط هنا تشكلت الشموس الاولى. في هذه النقاط كانت القوة الجاذبة كافية لخلق التقلص في الكتلة الغازية. العملية لم تكن فعالة بدرجة كافية، اذ ان وحدة هيدروجينية، سيئة بارسال الحرارة التي تُخلق عند الالتحام النووي.

الشمس الحالية تحصل ترسل طاقة اكبر بسبب التعقيد الاكبر للبينية النووية، الامر الذي يبرد الكمية الغازية الى درجة 260 غراد تحت الصفر، اي فقط عشر درجات فوق الصفر المطلق. في السابق جرى تبريد الشموس الاولى فقط عن طريق الهيدروجين، وفي احسن الظروف لم يكن هذا النظام ليستطيع تبريد السحابة الغازية الى اقل من مايعادل درجة حرارة الغرفة اليوم.

الموديل يظهر ان نتائج التجاذب يؤدي الى ارتفاع حرارة السحابة وازدياد الضغط. عندما يصبح الضغط من القوة الى حد كافي ، يحتاج الى جاذبية اكبر من اجل ان تقاوم الضغظ الناشئ عنه. لهذا السبب فأن السحابات ذات الكثافة العالية فقط هي التي تستطيع ان تتقلص مما يجعلها تصبح شمس، ولهذا السبب ايضا كانت الشموس الاولى هائلة، بمايعادل مئات ولربما آلاف المرات من حجم الشموس الحالية.
بدرجة حرارة سطح تصل الى اعلى من 100000 مئوية اطلقت الشموس الاولى اشعاتها، التي كانت الاشعة اولترافيول تشكل اغلبيتها. مما ادى الى قدرة هذه الاشعة على التأيين والاتحاد مع كمية كبيرة من الهيدروجين حول السحابة الغازية، وبالتالي ساهمت في تحول الكون الى كون شفاف من خلال تحويل جزيئات الهيدروجين الى هيدروجين مأيين.

هذه الشموس انتهت حياتها بقترة قصيرة نسبيا، بضعة ملايين من السنين. عند نهاية دورتها، كانت قد انتجت المادة الاساسية من المعادن التي اثقل من الهيدروجين والهيليوم. قسم من هذه الشموس انهى حياته من خلال انفجار على غرار ظاهرة سوبرنوفا، الذي يُغني السحابة الغازية المحيطة، بالفحم والاوكسجين والازوت والحديد. الموديل الكميبوتري يوضح ان ذلك يحدث اذا كانت الشمس بكثافة من 100 الى 250 مرة اكثر من شمسنا. الشموس التي كانت اثقل من ذلك، انتهت حياتها في التحول الى ثقب اسود.

المجرات التجريبية الاولى ظهرت حول الثقوب السوداء، التي ظهرت بفضل الشموس الاثقل. ومنذ تلك الحظة بدأ التتطور يأخذ خطوات اسرع. في ذلك الوقت حيث كانت كثافة مجرة "تجريبية" تعادل كثافة 25 مليون شمس، كانت لديها من قوة الجاذبية مايكفي لربط السحابات الخارجة من انفجار سوبرنوفا والمواد الاساسية التي بها مشكلة ارتباطات نووية رابطية جديدة، التي اعطت إمكانية لنشوء شموس من نمط جديد. لقد نشأت الاسس الضرورية لنشوءالمجرات الجديدة التي نراها الان في الكون.

السؤال ما اذا كان الموديل الكمبيوتري صحيح. اذ لايوجد اثبات حاسم ونهائي. غير ان المعطيات الكونية والترابط الموجود يدعم هذه النظرية. الشموس التي نعرفها اليوم تقسم الى مجموعتين:مجموعة آ ومجموعة ب. المجموعة آ تتضمن شموس حديثة، وتحتوي نسبة مئوية اعلى من مواد المعادن الثقيلة، من التي تشكلت في جيل الشموس الاقدم. المجموعة ب هي من شموس قديمة جدا، وظهرت الى الوجود في الملياردين الاولى من تاريخ الكون. هذه الشموس تحوي على نسبة لاتذكر من المعادن الثقيلة ولاتزيد عن واحد بالالف. الامر الذي يتتطابق مع الموديل الكمبيوتري.

المجموعة الثالثة التي تشكل الشموس الاولى تماما، لانعلم اذا ماكنا استطعنا ان نحصل على ضوء منها ام لا. المشكلة ان ضوءهم يقع في اماكن متقدمة عن منطقة وجودنا الان، او اننا نقع على حدود اجتيازهم لعالمنا، وكل انسان يحوي على اعداد كبيرة من الذرات التي تعود بأصلها الى الشموس الاولى.