المؤيد في الدين

مدير

المؤيد في الدين (هبة الله الشيرازي)

كثيرة هي الأسماء التي لمع ضياؤها في سماء تاريخنا العربي الإسلامي وخصوصا ً الفاطمي. فمنهم من حمل راية الفكر والقلم, ومنهم من حمل راية السيف, ومنهم من جمع الرايتين معا ً وتفوق بهما حتى أصبح منارة للأجيال القادمة وعلما ً من الأعلام التي نفتخر بذكرها في عصرنا الحاضر .

فلذلك نال من معاصريه الحسد الذي أدى به إلى النفي والجوع والخوف وأوصله إلى حد التهلكة.

أما نحن فسنتكلم عن رمز ٍمن هذه الرموز وعلم ٍ من هذه الأعلام ومفكر ٍ محارب ٍ أدى واجبه على أكمل وجدانه ، المؤيد في الدين, وهذا اللقب لقب به مناصرته وتأييده لمذهب الفاطميين الأئمة الخلفاء والذين ابتدأ دورهم بالإمام محمد المهدي في المغرب العربي وانتهى عند الإمام المستنصر بالله في مصر عام 487هـ . أما اسمه الحقيقي فهو: هبة الله بن أبي عمران موسى بن داؤود ولد في شيراز سنة 390هـ وتربى في كنف والده موسى بن عمران الذي كان حجة لمدينة شيراز في عهد الخليفتين الفاطميين : الحاكم بأمر الله و الظاهر لإعزاز دين الله .

حياته

حياة المؤيد في الدين خصوصا ً وهو في سن الشباب إلى الكهولة كانت مليئة بالصعوبات من وصوله إلى شيراز وحتى وصوله إلى حتى ما بعد هزيمته للقائم بأمر الله العباسي ومن ثم استقراره بمصر.

أما حياته في شيراز مليئة بالمؤامرات عليه لأنه عين داع ٍ لمنطقة شيراز بعد وفاة والده ،وحاكم المنطقة أبي كاليجار البويهي كان من أنصار العباسيين ،في ذلك الوقت كانت تصل إليه الدسائس على المؤيد في الدين حتى قرر إقامة مناظرة تجمع المؤيد في الدين وجهابذة الفكر السني وبعض المتفقهين الشيعة وبعد عدة مناظرات مال الملك البويهي إلى دين المؤيد وأخذ المؤيد يلقنه كل يوم جمعة القليل القليللكن أعوان الملك وخصوصا ً أصحاب المذهب السني كادوا له المرة تلو الأخرى لكنهم لم ينالوا منه حتى زار المؤيد في الدين الأهواز ورأى مسجدا ً للإسماعيليين كاد ينهار فرممه وخطب للإمام المستنصر بالله عندها وجودها فرصة سانحة وخاطبوا الخليفة العباسي يعلموه عما حصل في دياره فأرسل إلى الملك البويهي أبي كاليجار يهدده إذا لم يوقف المؤيد ويعاقبه سيرسل إليه جيشه التركي يؤدبونه فخاف الملك على نفسه وعلى مُلكه فجعله حبيس الدار حتى ينظر في أمره وبعد عدة من شهور الخوف والحبس والجوع استطاع الهرب متخفيا ً من شيراز إلى الأهواز إلى الكوفة ومن ثم إلى مصر فكان زمن وصوله إلى مصر عام 439هـ وهناك من يقول من المؤرخين كان وصوله بين عامي 336 و 339هـ . حاول عدة مرات منذ وصوله مقابلة الإمام المستنصر بالله عن طريق أبي سعيد بن هارون التستري فماطل التستري في ذلك وقتل التستري فلجأ المؤيد إلى الوزير أبو منصور صدقة بن يوسف الفلاحي فعينه ناظرا ً على المجلس الخاص الذي يدخل منه الخليفة على والدته وشاءت الظروف أن تبقى أبواب الإمام الخليفة مغلقة بوجهه ثم عزل الفلاحي وسجن انتقاما ً لمقتل التستري ثم تولى الوزارة بعد اليازوري فكان يخاف من لأنه عالم فطن ومفكر ذو فكر عميق و سديد فعيـّنه في رئاسة ديوان الإنشاء فتحسنت حالته المادية ،لكن رجال البلاط نظروا إليه نظرة حقد وغضب وكيف لا وهو القادم من بعيد وهم الأقربون ثم طال انتظاره في هذا المنصب ولم يلتق ِبالإمام فألقى بعض الأبيات يقول فيها:

أقـســم لـو أنك تـوجـتني بتاج كسرى ملك المشرق

ونلتني كل أمـور الورى من قد مضى ومن قد بقي

وقلتَ أن لا نلتقي ساعـة أجبت يا مـولاي أن نلتقي

لأن إبعــادك لـي ســاعـة شــيـّب فوَدّى مع الـمفرق

فسمعها الإمام ورد على هذه الأبيات مخاطبا ً المؤيد في الدين:

يا حجة مشهورة في الورى وطود علم أعجز المرتقي

ما غـُلقت دونك أبوابنا إلا لأمر ٍ مؤلم ٍ مقلق

خفنا على قلبك من سمعه فصَدُنا صَدُ أب ٍ مشفق

شيعتنا قد عدموا رشدهم في الغرب يا صاح وفي المشرق

فانشر لهم ما شئت من علمنا و كن لهم كالوالد المشفق

مثلك لا يوجد فيمن مضى من سائر الناس ولا من بقي

إن كنت في دولتنا آخرا ً فأنت قد حزت مدى السبق

وبعد طول انتظار حقق المؤيد ما أراده والتقى بالإمام المستنصر بالله عدة مرات وكان اللقاء الأول أصعبهم بحيث يصف نفسه فيه أنه لم يستطع النظر إلى طلته البهية وأنواره القدسية ولسانه عجز عن التعبير والحراك وعقله فقد ما كان يحويه وفي المرات التالية أخذ يحادثه فعينه الإمام مسئولا ً عن شؤون المشرق بوصفه خبيرا ً بأحواله وأطلق يده بالتصدي للعباسيين ووضع تحت يديه الإمكانيات المادية والمعنوية لذلك .

علمه

عرف عن المؤيد أنه عالم فطن، عارف بأمور الدين والدنيا، زاهد ورع ،تقي قوي الحجة في مناظراته ومناقشاته التي خاضها مع مخالفيه ومن خلال الدروس التي أعطاها لمريديه ،مؤثر فيمن يسمع كلامه حتى قال عنه المعري {سيدنا الرئيس الأجل المؤيد في الدين ما زالت حجته باهرة ودولته عالية والله لو ناظر أرستطاليس لجاز أن يفحمه ,أو أفلاطون لنبذ حججه خلفه}.

أما ما ذكره التاريخ والمؤرخون عنه أن عددا ً من الدعاة قد تخرجوا على يديه منهم على سبيل المثال القاضي اليمني لملك بن مالك و ناصر خسرو صاحب كتاب سفر نامة والذي ذكر فيه جولاته وأيضا ً الحسن بن الصباح المشهور بشيخ الجبل الثاني و الثائر الحميري والقائد العظيم الذي أسس دولة القلاع في بلاد فارس وسميت بعد ذلك بدولة قلاع آلموت المشهورة.

للمؤيد الكثير من المؤلفات :

1- ديوان شعر: مجموعة من القصائد الجميلة والرقيقة التي كرسها لصياغة مضامين عقيدة المذهب الإسماعيلي . ولقد نشره الدكتور محمد كامل حسين في مصر / القاهرة عام1954 م

2- السيرة المؤيدية : يتكلم فيه عن الحياة السياسية والاجتماعية في فارس والعراق ومصر من سنة / 429 / حتى سنة /450 / هجري وهو عبارة عن وثائق ومراسلات تم تبادلها بين المؤيد وأمراء العرب والوزراء المصريين نشره الدكتور محمد كامل حسين / القاهرة 1958 / م

3- نهج الهداية : حققه مهتدي غالب

4- شرح المعاد : مخطوط

5- الإيضاح والتبصير : مخطوط

6- الابتداء والانتهاء : مخطوط

7- المناظرات مع أبي العلاء المعري : آخر طباعه هي للأستاذ علي خلوف تدور حول تحريم اللحوم عند المعري وغيرها من المساءل

8- المسألة والجواب . مخطوط

9- ترجمة أساس التأويل للفارسية عن القاضي النعمان . مخطوط

10- المجالس المؤيدية : وهي ثمان مائة مجلس وهي عبارة عن دروس ومحاضرات كان يلقيها في دار الحكمة في القاهرة وهي تتحدث عن العقيدة الإسماعيلية . وضع كل مئة مجلس في مجلد تم تحقيق ثلاثة منهم المائة الأولى والثالثة للدكتور مصطفى غالب والمئة الرابعة لابنه مهتدي غالب والباقي قيد التحقيق .