هذه إضافة جديدة عن الداعي الكبير سنان راشد الدين عسى أن تغني دراستنا عنه و توفيه حقه الذي غيبه التاريخ ولكن ليس بالنسبة لنا نحن الإسماعيلين :
في القرن السادس الهجري كان هناك العديد من القوى المتصارعة من أجل بسط سيطرتها على سوريا ومنها السلاجقة و الأتراك و القرامطة و الفاطميين ( المستعلية )و الخطر الصليبي يلوح في الأفق .
في تلك الفترة كان الإسماعيليون الموجودون في سوريا يعيشون في حال اضطهاد خصوصا في القدموس و جبال ( البهرة )فبدءوا بالسعي من أجل إيجاد مراكز آمنة لهم من أجل العمل على نشر الدعوة فبدؤوا بالاستيلاء على القلاع الموجودة في المناطق المجاورة لنفوذهم إما بقوة المال عن طريق شراءها كما حدث في قلعة القدموس أو عن طريق القوة كما حدث في قلعة مصياف التي كانت في يد بني المنقذ سنة 535 هـ مكونين ما عرف بدولة القلاع الإسماعيلية التي كانت تمتد حتى إيران ومن القلاع أيضا ( الرصافة و أبو قبيس ، الموينقة ، العليقة ، الكهف ، الخوابي ، صهيون ( الحصن ) بارين ، شيزر ، بانياس ، الحولة ، صرخد ، المرقب.)
وكان حجة الإمام و نائبه في تلك الفترة الشيخ ( أبو محمد المينقي ) الذي جعل من قلعة مصياف مقرا لممثل الإمام في آلموت ( في إيران ) و مركزا نشر الدعوة و تدريب الفدائية .
في تلك الفترة قرر الإمام إيفاد قائد حكيم إلى بلاد الشام لمواجهة الصعاب التي سوف تواجه الإسماعيلين السوريين , وكون الشيخ المينقي قد أصبح طاعنا في السن وكان الاختيار على ممثل ونائب الإمام في العراق ( سنان راشد الدين ).
ولد سنان بن سليمان بن محمد و يكنى بأبي الحسن سنة 528هـ في البصرة في مكان يدعى عقر السعدان وصفه ياقوت في معجم البلدان ( مكان ولادة شخص قام بأشياء لم يستطع أحد من قبله القيام بها ) وكان سنان قد تثقف و تعلم في المدارس الإسماعيلية في آلموت ويقال بأن الإمام حسن الملقب القاهر بقوة الله كان يرعاه و يعطف عليه مثل أولاده ولما أكمل دراسته أوفده الإمام إلى العراق سنة 555هـ فاستر في البصرة حتى سنة 558 هـ حيث اختاره الإمام الحسن الثاني الملقب (على ذكره السلام ) ممثلا و نائبا له في سوريا
توجه بعده إلى سوريا و كان متخفيا بزي الدراويش و( الصوفية ) وزار بداية مدينة حلب أقام فيها عدة أشهر يدرس أوضاعها السياسية و الاجتماعية دون أن يلفت إليه الأنظار ثم غادرها باتجاه مدينة مصياف مارا بالقرى التي يسكنها الإسماعيلين وأقام مدة في قرية تدعى ((بصطريون )) يعلم الصبيان فيها القراءة و الكتابة و كان يمارس الطب مستعملا أدوية قام هو بتركيبها من الأعشاب واشتهر بين الناس بالشيخ العراقي الطبيب نتيجة لانتشار أخباره و ذياع سيطه بين الناس – ليس كممثل للإمام – سمع به أبو محمد المينقي و كان وقتها يقيم في قلعة الكهف فعرض عليه الإقامة عنده فوافق سنان على طلب المينقي و بقي يعمل لديه مدة 7 سنوات دون أن يكشف عن صفته خشية أن تحدث الفتن و الانشقاقات بين الإسماعيلين أو حتى يتمكن من الإطلاع على أوضاعهم ليتمكن من معالجتها مستقبلا
أن أبا محمد أصابه مرض شديد بعد أن تجاوز الثمانية و التسعين من عمره فأراد سنان أن يطلعه على حقيقته و يعرض عليه أمر تعينه قبل وفاته ، فدخل عليه و أعلن له قرب وفاته و قدم كتاب الإمام في آلموت الذي يطلب فيه من الشيخ المينقي الطاعة لممثل الإمام الجديد الشيخ سنان بن سليمان بن محمد الملقب براشد الدين
ويذكر في المناقب (فلما انقضت المدة مرض الشيخ أبا محمد مرضا شديدا وظل أياما فدخل عليه سنان في أحد الأيام وقال له : يا شيخ أبا محمد قد انقضت مدتك ، وحان أجلك ، فقف على تقليدي هذا قبل موتك . ولما قرأ الشيخ أبا محمد تقليده أخذ يبكي . وقال له سنان : لماذا تبكي ؟ فقال كيف لا أبكي أسفا على ما فاتني من امتثال لأمر المطاع من مدة سبع سنوات و أنا لا أعلم بأن مولانا قد قدم علينا نائبا و ممثلا ، وعوضا أن يكون مملوكا . لم أعلم ما يجب علي من تسليم الأمر إليك , و الدخول في طاعتك و طاعة من أرسلك و لم أقض ما فرض من حقوقك . فقال له سنان و حق جبار السماوات و الأرض لقد كان لك من حسن القيادة و التسديد ة التوفيق و التأيد لو شئت أن تأخذ قلعة الجبل بمصر و هممت بها لأخذتها فعند ذلك طلب الشيخ أبو محمد الأكابر و الأعيان و قرأ عليهم أمر التقليد ثم قال لهم هذا هو نائب الإمام منه السلام و الحاكم عليكم بأمره بعدي )
بعد أن استلم القيادة سنان أمر بنقل مركز القيادة إلى مدينة مصياف حيث باشر بتطبيق الأنظمة التي تعلمها في آلموت فوجه جل اهتمامه من أجل إنشاء جيل جديد من المحاربين المدربين على الأعمال الفدائية و الأمور العسكرية ولإيجاد المدارس التعليمية لتخريج الدعاة وقام بترميم القلاع و إنشاء الحصون كل هذه الأعمال حببته للإسماعيلية و انقادوا لقيادته الحكيمة و قال عن ذلك ابن جبير الذي زاره في معقله
إن الإسماعيلية يبذلون الأنفس دون زعيمهم سنان ،
وحصلوا على طاعته و امتثال أمره بحيث يأمر أحدهم بالتردي من شاهق جبل فيتردى )
هذا على المستوى الداخلي أما على الصعيد الخارجي فقد عمل سنان على حماية دولته من أعدائها الكثر فقد حصلت نزاعات بين سنان و نور الدين الزنكي دون أن يتمكن نور الدين من الانتصار عليه فعزم على السير بنفسه على رأس جيش لمحاربة سنان فاستولى على حصن شيزر وهاجم بقية القلاع الإسماعيلية ولكنه ارتد عنها أمام ضغط الفدائية فعمد سنان إلى إرسال أحد فدائيته تمكن من وضع خنجر مسموم ورسالة تهديد عند رأس نور الدين تنذره بالموت إذا لم يقلع عن مهاجمة القلاع الإسماعيلية فانصرفت جيوشه في اليوم الثاني للإنذار
( كتاب الروضتين –القاهرة 1870- المجلد الأول ص 228 )
بعد وفاة نور الدين زنكي جاء صلاح الدين الأيوبي الذي تزعم الجبهة الإسلامية على أنقاض الدولة الفاطمية
وقد حصلت عدة صدامات بين جيش صلاح الدين و سنان دون أن يتمكن صلاح الدين من أن يلحق الهزيمة بسنان ونتيجة للوساطة التي قام بها شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي أمير حماة خال صلاح الدين والذي كان صديقا لسنان تم عقد اتفاق صلح بين الطرفين المتنازعين ويسرد التاريخ أن سنان وصلاح أصبحا صديقين حميمين وأنهما اتفقا سويا على محاربة الصليبيين وقد ساهم كل من سنان عن طريق فدائيته المدربة و الجيوش القوية التي قادها صلاح الدين في إلحاق الهزيمة بالصليبيين في معركة حطين وبيت المقدس واحتلال القلاع و الحصون المبعثرة على طول الطريق .
وتذكر المصادر التاريخية أن الفرنجة حاولوا مفاوضة سنان و التحالف معه ضد صلاح الدين ولكن سنان رفض ذلك مما أدى إلى حصول منازعات مستمرة بينه و بين الفرنجة فنرى كونراد مونتفرات ، أمير صور يعتدي على سفينة إسماعيلية في عرض البحر ، فيرسل إليه سنان فدائيين لقتله و تقديم رأسه لصلاح الدين وكان هذين الفدائيين قد تدربا على الحديث بلغة الفرنجة و أن يقلدوهم في سائر عاداتهم تقليدا بارعا ظهرا فيه بمظهر راهبان مسيحيان فتمكنا بواسطة ذلك من أن يقيما في معسكر الصليبيين ستة أشهر كاملة بانتظار الفرصة السانحة من أجل تنفيذ المهمة التي بعثا من أجلها
من المصادر الغربية حول هذه الحادثة شافنر ( علاقة الحشاشين بالصليبين أطروحة ماجستير جامعة شيكاغو 1939 ص 39 ومن المصادر الإسلامية ابن أثير الكامل المجاد الثالث ص 32 )
وفي سنة 588 هـ أعلنت وفاة سنان راشد الدين و دفن في احتفال مهيب في قمة جبل المشهد - ابن العديم في سيرة كمال الدين ص 230- بعد أن خدم الإسماعيلية أكثر من ثلاثين عاما استطاع خلالها أن يقودها عبر الدروب الشاقة و الظروف القاسية إلى أفاق جديدة من الاستقرار و الحياة السعيدة المنظمة وأقام جسرا ثابت الأركان بينها و بين بقية الفرق و الطوائف فعاشت بكنفه شامخة الرأس عزيزة الجانب موفورة الكرامة
ترك سنان العديد من المؤلفات من بينها ديوان شعر و لكنها فقدت بمرور الزمن و لم يبقى منها إلا أقوال و حكم متفرقة في أغلب المخطوطات الإسماعيلية السورية تحت عنوان ( من اللفظ الشريف ) بالإضافة إلى مناقب سنان راشد الدين
ومن قصيدة له في الفلسفة الإسماعيلية :
نهاية أعــقـــــال الــعـــقـــول عــقـــال **** و أكـثر سـعــي العـــالمين ضلال
و أرواحهم في وحشة من جســـومهم**** و أكــثـر دنـــيـــاهم عــنا و وبـال
و ما حصلوا من علمهم طول عمرهم **** و أكثر قولهم في الكتب قيل و قال
فـكـم قـد رأيـنـا مـن رجــال و دولـــة **** فحــالـوا جميعا مسرعين و زالوا
و كــم من جـبـال قـد عـلـتـها ضبابـة **** فزالـت سـريـعا و الـجـبــال جـبـال
وهكذا نرى الدور المتميز الذي قام به سنان راشد الدين شيخ الجبل الثالث الذي تتلمذ على يد الإمام القاهر وعلى يد شيخ الجبل الثاني الحسن الصباح الذين كان لهم دور كبير في تأسيس دولة القلاع الإسماعيلية و إنشاء الفدائية التي أبقت الإسماعيلية مرهوبة الجانب من كافة الأعداء الذين حاولوا أن يسيئوا لها أو لأهلها .