الإمامة عند الشيعة الإسماعيلية
الكاتب / طارق
مجيد تقي الدين العقيلي /
مجلة
الموسم – العددان 69- 70 عام /1429 هـ - 2008 م
تحتل
الإمامة مكانة خاصة في تاريخ الفكر الإسلامي,إذ أضاف الإسلام الشيعي إليها بوصفها
نظرية , بعدا فلسفيا فجعل منها مبحثا عقائديا ضمن مباحث التوحيد والنبوة ,لان
المفهوم الشيعي للإمامة هي مواصلة العملية التغيرية الشاملة التي بدأها النبي
( ص) حتى بعد وفاته . فضلاً عن ذلك فإن الإمامة تعكس الجانب الروحي
الخصب عند الشيعة . فهذا االشان كان له
الفضل الأكبر في دفع الإسلام عن التحجر في قوالب جامدة . فقد أغنى المضمون الروحي للإسلام وأشاع الحياة
الخصبة القوية التي وهبت له البقاء قويا غنيا قادرا على إتباع النوازع الروحية
للنفوس حتى أشدها تمردا وقلقا . ومن هذا
وذاك كثرة الآراء والاتجاهات التي تطرقت إلى الإمامة بالبحث والاستقصاء , فأصبحت
من المباحث المهمة ليس عند الشيعة فحسب , بل عند جميع الفرق والتيارات الإسلامية .
لذلك كان لكل فرقة أو تيار تصور خاص أمنت به وانطلقت منه في دعم أرائه , وليس من
الضروري إن تكون تلك الآراء والاتجاهات على قدرا واحد من التوافق والانسجام . فكل
واحد منها يتبنى تصوراته وآراءه ليؤسس بذلك الردود التي تنفي نظرية الطرف الأخر أو
ترد عليها .
والإمامة
بالكسر في اللغة إقامة الصلاة , وعند المتكلمين هي خلافة الرسول (ص) في إقامة
الدين وحفظ حوزة الإسلام . وذلك منصب خطير فيه من السمو والرفعة لا يناله أي طالب
له . من هنا وضع فقهاء الفرق الإسلامية شروطاً اختلفوا عليها في اختيار الإمام .
ووفق النظرية الشيعية فان الإمامة منصب الهي فليس لكل قرشي هاشمي الحق في ادعاء
الإمامة . بمعنى أن الإمامة جمعت بين الدين والدنيا في المنصب القيادي للإمامة
الذي لا يأتي بالاختيار والانتخاب , إنما هو تشريع من /الله سبحانه وتعالى/ كما هي النبوة , فالله هو الذي يصطفي الأنبياء
من خلقه., وقد تجمع النبؤة والإمامة في آن واحد كما في ابراهيم (ع) , إذ أتته
منزلة الإمامة بعد النبوة , إلا إن الإمامة ليست هي النبوة . وقد ناقش السيد عبد الأعلى
الموسوي السبزواري هذه المسالة في تفسيره من وجهة نظر الإمامة الاثنا عشرية إذ قال
: ( فلأن ظاهر قوله تعالى :{ وإذا ابتلى
ابراهيم ربه }إن الابتلاء والامتحان كان بعد وجدان ابراهيم (ع) لمرتبة النبوة
وخروجه عن الامتحانات الإلهية وإتمامه لهن ويدل على ذلك قوله تعالى :{ إني جاعلك
للناس إماما } إذ الظاهر إن الجعل تعلق بأمر جديد وكان بعد خروجه عن الامتحان
والابتلاء وإلا لا معنى لان يتعلق الجعل بأمر كان حاصلاً له ..
ويدل على
كون الجعل في المستقبل وصدقه إلى معنى جعلت في الماضي خلاف الظاهر.. وبالجملة أن
توهم كون المرء بالإمامة هي النبؤة خلاف الظاهر المنساق من الآيات المباركة
الواردة في القصة ". وبهذا فان منصب الإمامة عند الفرق الشيعية عموماً هو جعل
تكويني من الله سبحانه وتعالى وليس لأحد إن يتدخل فيه , ويأتي بتبليغ من الله
لأنبيائه فقد ذكر الطبرسي في احتجاجه قوله : " فلما وقف بالموقف , محمد (ص),
أتاه جبريل (ع) عن الله عز وجل فقال يامحمد إن الله يقرؤك السلام ويقول لك أنه قد
دنا أجلك ومدتك وانأ مستقدمك على مالا بد منه ولا عنه محيص فاعهد وقدم وصيتك واعمد
ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من
آيات الأنبياء فسلمه إلى وصيك وخليفك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن ابي
طالب (ع), فأقمه للناس علماً وجد عهده
وميثاقه وبيعته وذكرهم ما أخذت عليهم بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم وعهدي الذي عهدت إليهم
من ولاية ولي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن ابي طالب فاني لم اقبض نبيا من الأنبياء
إلا من بعد أكمال ديني وحجتي وإتمام نعمتي على خلقي بإتباع ولي وطاعته " . فالإمام بذلك يكون وارث
علوم الأنبياء وآياتهم وبخاصة ميراث موسى (ع) , التابوت والسلاح حتى يكون على
الناس حجة .
مما تقدم .
يظهر أن المرتكز الأساس في بناء فلسفة الإمامة في المنظور السياسي عند عموم الفرق
الشيعية , جاء من توظيف التأويل الباطني في تفسير الآيات القرآنية . وبالمثل انطبق
الشيء نفسه في شخصية الإمام وقدسيتها , وجعل هذه الشخصية مطابقة لشخصية النبي في
التكون والخلق , بأنهم أرواح روحانية سماوية تعيش على الأرض , وسنجد هذا التوظيف أكثر
واشمل وضوحا عند الشيعة الإسماعيلية .
شهد عصر الإمام
جعفر بن محمد الصادق (ع) انقساما خطيرا في أفكار وأراء أتباعه من الشيعة , مؤلفين
من ذلك فرق شيعية عدة تباينت واختلفت معتقداتها وفلسفاتها في مواضيع شتى . لسنا
هنا معنيين بالتطرق إليها . إلا انه يمكن الإشارة إلى ظهور الإسماعيلية بوصفها
فرقة شيعية تأتي من حيث الأهمية الفكرية والعقائدية بالاتساع والانتشار بعد الفرقة
الشيعية الاثنا عشرية . فقد احتلت الإسماعيلية مساحة واسعة من الإتباع والتأثير
الفكري في العالم الإسلامي . كما أنها آدت دورا مهما على مسرح أحداث التاريخ الإسلامي
سواء كان في الجانب السياسي أم على صعيد الفكر والفلسفة والعلوم الأخرى .
لقد نسجت الإسماعيلية
حول تاريخ حياة إسماعيل بن جعفر الصادق ما يشبه الأسطورة . فقد تأسى والده بالنبي (ص)
والإمام علي(ع) . إذ لم يتزوج على أم إسماعيل في حياتها بواحدة من النساء ولا
اشترى جارية , مثل سنة رسول الله في حق خديجة ومثل سنة الإمام في حق فاطمة . ووفق
تلك السنة أراد الإمام الصادق , بما قالته الإسماعيلية . أن يهيأ لابنه الأكبر , إسماعيل
. من عناصر الأعداد المسبق المحاط بالعناية الإلهية , بمعنى أن تاريخا قدسيا سجل لإسماعيل
قبل أن ينال درجة الإمامة . وهذا التاريخ القدسي بقي ملازما لإسماعيل حتى بعد
وفاته في حياة أبيه , فموته إماما بوجود أبيه الإمام , كان دلالة كبرى على إمامه
ابنه محمد . من هنا يلاحظ أن الأمام يؤلف الشخصية الأساسية في مجموع النظام الفقهي
والسياسي للإسماعيلية , ولما كانت الإمامة هي الخلافة بعد الرسول التي تعد جزءاً
من النظام السياسي الإسماعيلي , لا بد والأمر هذا أن تكون الولاية أو المولاة
للإمام والانتماء أليه . السند الفقهي الذي يتكامل مع النظام السياسي لنظرية
الإمامة الإسماعيلية , لأن الولاية , بحسب المفهوم الشيعي الإسماعيلي , هي البراءة
من أعداء الإمام , وهذا ركن شيعي مهم وأساسي في نظريتهم عن الإمامة . ففي هذا
الشأن قامت الفلسفة الإسماعيلية على الأدلة العقلية والدينية النقلية , نفسها التي
ساقتها الشيعة الاثنا عشرية في إثبات صحة آرائهم في الولاية , ومثلما نجد هشام بن
الحكم ومؤمن الطاق (؟؟) تلامذة أبرار لأستاذهم الإمام الصادق في الدفاع عن عقيدتهم
ومنظرين لها , نجد الإسماعيلية تتخذ من ميمون القداح وابنه عبد الله , وأيا كان
هذا الأول حقيقة أم ستارا لمحمد بن إسماعيل مدافعين ومنظرين ومرجعية تنساق وراء
أفكارهم وتعاليمهم , وكذلك استعانت الفلسفة الإسماعيلية بالمذهب التوأم للشيعة ,
المذهب ألمعتزلي في سوق الحجج والبراهين العقلية في دفاعهم عن الشريعة ومطابقتها
للعقل . لذا نجد الداعية الإسماعيلية , أبو يعقوب السجستاني , في إثبات النبوات
يستعمل منطق المعتزلة وأدواتهم بهذا الشأن . فالعقل عند السجستاني , الرسول الأول
في البعث الإلهي للكون . فإذا رفضنا طروحات العقل . نكون بذلك قد أنكرنا النبوات .
ولكن ما جاء الأنبياء به مطابق مع البديهيات الأولية عند العقل . فالدعوة الأولى
التي جاء الأنبياء بها هي الإقرار بالخالق الأول وهذه من البديهيات العقلية الأولية
وعليه أن أول رسول هو العقل . وبتعبير السجستاني في هذه المماثلة , قال : ( لما
كانت الرسل صلوات الله عليهم , إنما أتت لتأمرنا بالمحمودات وتنهانا عن المذمومات
التي هي سبب ظهور الحياة النفسانية ووجدنا العقل أيضا يأمرنا بالمحمود الحسن
وينهانا عن المذموم القبيح وإن الرسول إنما يؤدي إلينا ما تعرفه عقولنا فتقبل منه
ذلك من أجل معرفة عقولنا ) .
وعلى وفق
الفلسفة الإسماعيلية في المطابقة والتماثل , فإن العقل الكلي , مبدع الكون , هو في
العالم العلوي يقابله في العالم الجسماني , الإمام . وفي تقريرات الإسماعيلية ,
خلعت على الإمام أسماء وصفات العقل الكلي وقدرته , فالإمام إلهي الذات سرمدي
الحياة فقد صرح في هذا الجانب الداعية الإسماعيلي شهاب الدين أبي فراس : في رسالته
: مطالع الشموس في معرفة النفوس , قوله ( واعلم بأن الإمام الموجود للأنام لايخلوا
منه مكان ولا يحوزه مكان لأنه إلهي الذات سرمدي الحياة , ولو لم يتأنس بالحدود والصفات
لما كان للخلق إلى معرفته وصول , فهو شمس فلك الدين وآية الله في السموات والأرض وبه صلاح العالم بأسره كما
أن الشمس هي الباعثة في العالم روح الحياة وهو قلب هذا العالم الكبير ومدبرة وممده
فبمعرفته وطاعته والتخلي عن ضده صلاح المؤمنين ) وقال ( الأئمة قوام الله على خلقه
وعرفاؤه على عباده لايدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولايدخل النار إلا من أنكرهم
وأنكروه , فهم أوتاد الأرض السرمديون الأزليون والأركان المتنقلة في الأدوار
والأكوار ) والواجب واللطف الإلهي أن
تهتدي المخلوقات (( فالنطقاء هم الذين أرسلوا لهداية المخلوقات وتنظيم المبدعات
وسن الشرائع والأحكام والتبليغ والإنذار والشهادة , فهم العباد المكرمون الذين
لايسبقون بالقول وهم بأمره يعلمون )) . أولهم آدم وآخرهم محمد(ص) , وسوف يأتي بعده , إمام الزمان بالجهاد حاثاً على
المواظبة على فروض الدين والاجتهاد . ولكن كيف يتأتى للمخلوقات بلوغ تلك السعادة
او العلم بما قال به أول الناطقين وما انتهى إليه أخرهم (ص) ؟ تقول الإسماعيلية لا
يأتي إلا بحلول العقل الكلي في الإنسان المتمثل
بالنبي وفي
الأئمة الذين يخلفونه من بعده . ولما كان النبي ناطقاً فالإمام هو الأساس الذي
يفسر شرائع الناطقين معتمدا على التأويل والباطن . ولذلك يقولون أن محمداً هو
الناطق وعلياً هو الأساس الناطق بحقائق التأويل والقائم من بعده بالحق المبين ونور
الله المدل إلى سواء السبيل . والإمام هو الحبل الموصول بسلسلة الناطقين, فلا طاعة
إلا بولي (إمام) . وقد أوقفت الإسماعيلية بقاء الإسلام بوصفه ديناً .على الانقياد
إلى الأئمة الراشدين
أرباب
الكشف والتأويل , وبالاعتقاد بأصحاب السنة والتنزيل , لذا لا مذهب يؤمن بذلك إلا
مذهب إسماعيل على حد قولهم . إلا إن قيام الشرائع والأديان لأيتم .بحسب قول
الداعية الإسماعيلي . شمس الدين بن احمد بن يعقوب ألطيبي . في رسالته الدستور
ودعوة المؤمنين للحضور , إلا بظهور صاحب الزمان).
والإمام محور العقيدة الإسماعيلية لذا فان تعظيم شخصية الإمام لايقارن بأي
شخصية أخرى إذ أن شخصية الإمام ليس كبقية الشخصيات البشرية وإن كان هو في الظاهر
بنسبة الناس في الأكل والشرب والنوم والموت إلا أن ناسوت الإمام في التكون
والمرتبة في الإبداع الأول للوجود جاء من مادة نورانية , إذا انتقلت هذه المادة من
نبي إلى نبي وصلت محمداً ومنه إلى علي وفاطمة واجتمع النور في الأئمة الفاطميين . وقد
آمر الله آدم إن ينظر إلى قمة العرش الإلهي حيث شاهد تلك الأجسام النورانية
المقدسة منعكسة في هذا القدس العظيم كما تنعكس صورة الوجه في مرآة صافية . وفي
مورد علم الإمام , فان الإسماعيلية لم تفصله عن التكون النوراني الأول في خلق الإمام
, ففي الرواية الإسماعيلية عن الإمام محمد الباقر (ع) في تفسيره لأية النور قال:
(كمشكاة فيها مصباح يعني نور العلم في صدر النبي . المصباح في زجاجة , الزجاجة صدر
علي .علم النبي علياً علماً يوقد من شجرة مباركة هي نور العلم ) . كما أولت
الإسماعيلية قوله تعالى( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) . فالنور هو محمد
والكتاب القرآن وان نور محمد يسري في الأئمة من وصيه علي بن أبي طالب من بعده .
وبذلك كان الإمام علة المخترعات وحياة الكل , بحسب قول الداعي شهاب الدين أبي فراس
, (فقد ترتب به الخلق , والدين تأنس بواحد للوجود , وهو موجود غير مفقود
لايدركه الزمان ولا يدخل تحت حوادث الأيام
, وهو نور ساذج في الملكوت الأول , أبدع الله به الحدود الروحانية واختراع الهياكل
الجرمانية وخلق الإنسان فإذا فرغت مدته وحان وقته انتقل هذا الأمر إلى شخص آخر من ذريته
وهو الذي ينص عليه ويشير إليه) .
وأيضا عن طبيعة جسد الإمام وناسوته فقد أسرفت الإسماعيلية في الإيغال
وأسبغت عليه كلاماً أسطوريا , فجسد الإمام ليس جسدا كبقية أجساد الناس الأخرى من
اللحم , إذ إن هذا الجسد إنما ينتج من مغناطيس كوني يمارس عمله على أجساد المستجيبين
الأثيرية الريحية , وهذه البقايا الأثيرية تتصاعد من سماء إلى سماء ثم تتنزل مطهرة
ومعها إشعاعات ثمرية فلا يراها الإدراك النظري ثم تحط على شكل ندى سماوي على سطح
ماء صاف أو على الثمار حتى إذا ما استهلك إمام الفترة هذا الماء وهذه الثمار هو
وزوجته يصبح الندى السماوي برعما لجسدا لطيف هو جسد الإمام .
هذه الدراما الأسطورية في عملية خلق الإمام تكشف لنا إن مولد الإمام
بناسوتين الأول خاص وهي الأرواح النورانية والصورة والنفوس والثاني طبيعي وهو
الجسد المادي المتمثل بالإمام الإنساني . وعلى الرغم من كل ما تقدم وما أحاطت الإسماعيلية
به شخصية الإمام بهالة قدسية وعظمة حتى أنهم أخرجوها عن نطاق الخلق للإنسان , إلا أن الإسماعيلية لم تسبغ الإلوهية
أبدا على الأئمة بل أنهم حاربو الغلاة الذين ألهوا واعتبروا أن الإمام إله
, وقد عد الإسماعيلية إن الأئمة عباد مخلوقون وكائنات مربوبة خلقو من الطين ولكنهم
من طينة اسمى من طينة البشر واختارهم الله اختياراً أزليا ليكون حجة على الخلائق. والواقع إن تهمة تأليه الإمام ساقتها بعض الفرق الإسلامية
التي تكن العداء والحقد على الإسماعيلية. أو لعل ذلك وهو الاصوب عندنا هي دعايات
سياسية التي بثها العباسيون ضدهم . والملاحظ إن أفكار التأليه تسربت إلى الإسماعيلية
عن طريق أبي الخطاب الذي قال : بألوهية الإمام جعفر بن محمد وآبائه وأن الأئمة هم أبناء
الله وأحبائه . والمراجع والمصادر التاريخية طالما تلصق انتماء أبي الخطاب إلى الإسماعيلية
على الرغم من أن المصادر الإسماعيلية لا تؤكد انتماء ابي الخطاب إلى الفرقة وبرأي
( برنارد لويس) أن الإسماعيلية تنكر أي علاقة بينها وبين رجال ساءت سمعتهم كأبي
الخطاب. والأهم ما في ذلك إن تهمة التألية لم ترق إلى مستوى تجرأ فيها الفقهاء
وعلماء الدين بتكفير الإسماعيلية واعتبارهم فرقة مرتدة عن الإسلام . حتى إننا نجد الإمام الغزالي المدافع القوي عن العقيدة
الاشعرية يضمر العداء والكره الشديد للإسماعيلية يقف موقفا لا يقوى به على الإفتاء
بتكفيرهم واعتبارهم فرقة مرتدة عن الإسلام . ولم يكن موقفه نابع عن عدم التأكد
أو الحيرة في أمرهم . غير أن الخلاف بينه وبينهم هو خلاف وخصومة سياسية فهو من هذا
الجانب يصب غضبه عليهم وأن أغلب الحجج الدينية التي كان يحاججهم بها كانت في
الواقع أراء سياسية يدعم فيها موقف الخليفة العباسي ضدهم . ففي كتابه " فضائح
الباطنية أو المستظهرة " ومهما سُؤلنا عن واحد منهم آو عن جماعتهم وقيل لنا :
هل تحكمون بكفرهم ؟ لم نتسارع إلى التكفير إلا بعد السؤال عن معتقدهم ومقالتهم
ونراجع المحكوم أو نكشف عن معتقدهم بقول عدول يجوز الاعتماد على شهادتهم فإذا
عرفنا حقيقة الحال حكمنا بموجبه". والإمام الغزالي يضع شروطا حتى يستطيع أن
يحكم عليهم بالكفر والارتداد عن الإسلام فهو لم يصرح أنهم قالو بقالة توجب كفرهم
ولكنه يقول إذا قالوا كذا وكذا وجب كفرهم وقتلهم . وكان الغزالي يريد أن يقحم
عليهم ما لا يقولونه وما لا يريدون أن يقولوه على أية حال . كما أننا نرى في الشأن
نفسه فقيها زيديا آخر وهو الإمام يحيى بن حمزة العلوي ( ت 745هجري) . لم يتعرض الإسماعيلية
أو نسب الكفر إليهم بل طعن ونقد ورد على معتقداتهم وتأويلاتهم وسفها أرائهم وسماهم
بكتابه " مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار " . بالفرقة
الباطنية إلا انه لم يتجاوز إلى حد تكفيرهم .
ومهما كان فان شخصية الإمام تشكل وعيا حاضرا في ضمير أتباعه وشيعته سواء
كان حاضراً أم غائبا وعلى مدار الزمان وفي أي مكان تتواجد الشيعة فيه وعلى فرقهم
المختلفة . فالإمام في المنظور الإسماعيلي تدور حوله العقيدة والفلسفة والتاريخ
والسياسة , فمن مرويات الإسماعيلية المشهورة . " من مات ولم يعرف إمام زمانه
مات ميتة جاهلية " أو إن الأرض لاتخلوا من الإمام فلكل وقت وعصر إمام وآخرهم
كان صاحب الزمان وبهذا الخصوص قال الداعي حجة العراقين أحمد حميد الدين بن عبد
الله الكرماني داعي الحاكم بأمر الله الفاطمي .
( أتى أمر الله فلا تستعجلوه
سبحانه وتعالى عما يشركون , قد جاء الحق وزهق الباطل . إن الباطل كان زهوقا ) .
واستقر الوقت لصاحب يوم السبت القائم في الأرض مقام العقل في عالمه محط
رحال , حمله النور في سالف الدهور مقصد الراحة وعنده تكون الإستراحة ذو الكلمة
المصونة والجوهرة المكنونة أنارت الكواكب وانتثرت وغارت البحار يوم لا ينفع نفس
إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل أو كسبت إيمانا خيرا . وهكذا نلاحظ فلسفة الإمامة
عند الإسماعيلية قامت على أسس معرفية استمدت أصولها من نظريات فلسفية إسلامية
اصطبغت بالإشراقية والفيثاغورية وغيرها من التأثير اليوناني وهي بذلك مقر
للروحانيات على حد قول عارف تامر ومقر التأويل والوصول إلى باطن الأشياء بعد
الوقوف على ظواهرها .
مراجع ومصادر مختارة :
1ــ أبو الحسن بن إسماعيل الأشعري,مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين.
2ــ أبو الفتح بن عبد الكريم,املل والنحل بهامش الفصل في الملل والأهواء.
3ـ أبو حامد الغزالي,فضائح الباطنية.
4ـ أبو محمد الحسن بن موسى,فرق الشيعة.
5ـ أبي منصور احمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي,الاحتجاج.
6ـ الإمام يحيى بن حمزة,مشكاة الأنوار الهادفة.
7ـ السيد عبد الأعلى الموسوي السبر وازي,تفسير مواهب الرحمن,الجزء الثاني.
8ـ برنارد لويس, أصول الإسماعيلية.
9ـ الدعوة الإسماعيلية الجديدة.
10ـ عارف تامر,أربع رسائل إسماعيلية.
11ـ عبد القاهر بن طاهر أبي منصور البغدادي,الفرق بين الفرق.
12ـ علي سامي النشار,نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام .
13ـ محمد عابد الجابري,بنية العقل العربي.
14ـ هنري كوريان, تاريخ الفلسفة الإسلامي.