الأسلحة والأطفال للشاعر بدر شاكر السياب
الشرح :
المقطع الأول :
عصافير أم صبية تمرح ؟
أم الماء من صخرة ينضح ؟
فيخضلّ عشب وتندى زهور
إن هؤلاء الاطفال بلابل تصدح بفرح وحبور ، بل هم بعذوبتهم وصفائهم وبراءتهم كماء يتدفق من
الصخور . فبهم يزدان ويجمل الوجود ، وبهم تفيض الحياة خيراَ وعطاء .
المقطع الثاني :
حديد لمن كلّ هذا الحديد ؟!
لقيد سيلوى على معصم
ونصل على حلمة أو وريد
وقفل على الباب دون العبيد
وناعورة لاغتراف الدم
لقد صكت مسامعي صرخة تاجر الحديد "حديد عتيق ....حديد" وفجرت هذه الصرخة التساؤلات في
وجداني فلماذا يُجمع كل هذا الحديد ؟! .... وارتسمت في مخيلتي صورة تجار الموت الذين صاغوا هذا
الحديد سلاسل تعض الأيدي ، وحراباً تخترق صدور النساء وتذبح الرجال ، وأقفالاً تحكم إغلاق الأبواب
على المعتقلين المستعبدين ، ورشاشات تستنزف دماء الجماهير .
المقطع الثالث :
يريدون ألاّ تتمّ الحياة مداها
مداها وألاّ يحسّ العبيد
بأنّ الرغيف الذي يأكلون
أمرّمن العلقم
وأنّ الشراب الذي يشربون
أجاج بطعم الدم
وأنّ الحياة الحياة انعتاق
إن أعداء الشعوب يبتغون من هذه المماراسات الوحشية أن يوقفوا عجلة الحياة فلا تبلغ هذه الحياة نهاية
الشوط ، ولايدرك المضطهدون المستعبدون أن خبزهم أشد مرارة من الحنظل ، وأن الماء الذي ينهلون منه
شديد الملوحة كأنه ممزوج بدمائهم ، يريدون ألا يدرك العبيد أن الحياة الجديرة بأن تعاش هي حياة الحرية .
المقطع الرابع :
عصافير أم صبية تمرح ؟
أم الماء من صخرة ينضح ؟
علينا لها أنّها الباقية
وإنّ الدواليب في كل عيد
سترقى بها الريح جذلى تدور
ونرقى بها من ظلام العصور
إلى عالم كلّ مافيه نور
إن أطفالنا الذين ينشطون بفرح وسعادة ، ويتدفقون في حياتنا بعذوبتهم وصفائهم كماء الينابيع الصخرية ،
لجديرون بأن نعاهدهم على أن تكون الحياة القادمة لهم ، وعلى أن تغدو أيامهم أعياداَ ملأى بمظاهر الفرح ، فهذه الألعاب التي يستقلها الأطفال والتي تدور حول محاورها وتدفعها الريح بفرح وسرور نحو الأعلى هي
فرح للأطفال وعرض لمسيرة حياتنا من أجل الحرية فنتخيل فيها أيام ظلمنا وقهرنا في الماضي ،
وحاضرنا المشرق المضيء بالحرية والتقدم .
الفكر الرئيسة :
بنى الشاعر قصيدته على فكر أربع هي :
1ـ التطلع إلى مجتمع جديد ينعم فيه الأطفال بالسلام والفرح المقطع الأول
2ـ فضح الممارسات الإجرامية لتجار الأسلحة والموت المقطع الثاني
3ـ فضح الأهداف الهدوانية والنوايا البشعة لأعداء الشعوب المقطع الثالث
4ـ تصوير إصرار الجماهير على امتلاك مستقبل الفرح والتقدم المقطع الرابع
الأسلوب اللفظي :
الألفاظ :
جاءت ألفاظ الشاعر سهلة ، مألوفة ، حياتية عصافير ، صبية ، عشب .
وكانت مناسبة للمعاني التي ساقها الشاعر حديد ، قيد ، قفل .
وفيها طاقة تعبيرية إيحائية عالية قيد ، ناعورة ، دواليب
التراكيب :
انساقت تراكيب الشاعر في أنساق لغوية فيها عفوية ووضوح وقدرة عالية على التعبير ونقل المشاعر إلى
السامع أو القارئ : الرغيف أمر من العلقم - الشراب أجاج بطعم الدم .
وجاءت تراكيب الشاعر متقنة الصنعة ، متينة السبك ، جيدة الصياغة :
أن الحياة الحياة انعتاق ، سترقى بها الريح جذلى تدور .
كما لجأ الشاعر إلى الأسلوب الإنشائي في المقطعين الأول والثاني يع[filtered]به حالة الفرح والغضب الغامرين اللذين يعمران جوانحه
أما في المقطعين الثالث والرابع فمال إلى التراكيب الخبرية التي غلب عليها التوكيد للدلالة على حالة القناعة
التامة بما يراه ويؤمن به .
العاطفة :
نوع العاطفة : إنسانية
صفاتها وطبيعتها : متفجرة - حارة - عميقة - صادقة .
مشاعرها :
الفرح بالطفولة في المقطع الأول
الغضب في المقطع الثاني
الحقد في المقطع الثالث
التفاؤل والأمل في المقطع الرابع
الوسائل التعبيرية التي جلّى بها الشاعر انفعاله :
أسلوب الاستفهام في مطلع المقاطع الأول والثاني والرابع
التوازن بين المقاطع التعبيرية في المقطع الثاني
التكرار في الأساليب التعبيرية ألا يتم ، ألا يحس ، بأن الرغيف ، وأن الشراب ...
استقصاء المواقف التصويرية في المقطعين الثاني والثالث
الدراسة البلاغية :
النصّ من شعر التفعيلة الذي ينشد الشاعر فيه الوحدة العضوية بين المضمون والشكل وهذه الكلية تجعل من
الفكرة انفعالاً ومن الانفعال معنى ومن الصورة فكرة وهكذا ، ولذلك يصعب الفصل بين الأسلوب والمضمون كما يصعب الفصل بين الصورة والمعنى .
المعاني :
الإنشاء الطلبي :
- عصافير أم صبية ؟ استفهام غرضه الإقرار
- لمن كل هذا الحديد ؟ استفهام غرضه الاستنكار والذم
الخبر :
يريدون ألاّ تتم الحياة مداها خبر ابتدائي غرضه الذم
أن الحياة الحياة انعتاق خبر إنكاري غرضه الإصرار
أنها الباقية خبر طلبي غرضه التفاؤل
البديع :
التوازن :
فيخضل عشب ، وتندى زهور
أن الرغيف الذي يأكلون ، أن الشراب الذي يشربون
الطباق :
العبيد انعتاق طباق الإيجاب
المقابلة :
ظلام العصور عالم النور
البيان :
الصورة في شعر التفعيلة مركبة تتآلف أجزاؤها وتتداخل ويغدو من التعسف معاملتها معاملة الصورة
البيانية في الشعر التقليدي ولكن ضرورات الدراسة الفنية تستوقفنا عند هذا الشكل من الفصل النظري بين الفكرة ولبوسها الفني :
فالصبية صاروا في عيني الشاعر عصافير ، وماء ينضح من صخرة فيما نطلق عليه تشبيهاً بليغاً
والماء من صخرة ينضح صار وعاء فنياً لمعاني الطهر والبراءة والنقاء فيما نسميه كناية .
ويغدو العشب كما تغدو الزهور وعاءين يضمان معاني الخير والعطاء والجمال فيما ندعوه استعارة
تصريحية والناعورة غدت مشهداً كاملاً لاستمرارية القتل والاغتيال للكادحين فيما نقول عنها استعارة
تصريحية وكذلك كلمة الدواليب في مثال رائع لتلاحم المعنى بالصورة ... وهكذا ...
المذهب الأدبي :
النص من الشعر الواقعي الجديد ، ويتجلّى ذلك في الآتي :
1ـ محتوى النصّ ثوري يربط مختلف جوانب الحياة برابط واحد فالشاعر الملتزم يناضل بشعره من أجل
حرية الإنسان ، وهذه القصيدة مثال حيّ على الثورة التي دعا إليها الشعر الواقعي الجديد ( المقطع الرابع ) 2ـ لايعرض شعراء الواقعية الجديدة الأفكار والقضايا العامة عرضاَ مباشراَ تقريرياَ وإنما يعرضونها من خلال الرمز الشفاف والصورة المعبرة ( الماء ، العشب ، زهور )
3ـ لايعرض شعرا ءالواقعية الجديدة الأفكار والقضايا العامة عرضاَ كلياَ وإنما يعرضونها من خلال الجزئيات الصغيرة والحوادث اليومية ، والتجارب الذاتية والمشاهد المعبرة ( مشهد الطفولة في المقطع الأول، الجزئيات الصغيرة في المقطع الثاني ، التجارب الذاتية في المقطع الرابع )
4ـ الحرص على وحدة المضمون والشكل فالشاعر الواقعي الجديد يزاوج بين مختلف الأشكال الأدبية للتعبير عن المحتوى الجديد ، وهنا لجأ السياب إلى الرمز ( عشب - ماء ) والسرد ( يريدون ...) والنجوى
( حديد ....) لتصوير وجدان الجماعة تصويراً حيّاً .
5ـ التفاؤل الثوري الذي يستقرئ الواقع ويؤمن بالثورة سبيلاً إلى الخلاص كما يؤمن بحتمية الانتصار ( علينا لها ...ونرقى بها ...)
الموسيقا الشعرية :
النص من شعر التفعيلة , هذا الشعر الذي طغى منذ الخمسينات من القرن العشرين والذي كان أبرز
خصائصه الخروج على الأوزان المعهودة . هذا الخروج الذي يساعد في تحقيق وحدة القصيدة والتخلص
من وحدة البيت أو الشطر الشعري ومن القافية التي كانت تشكل أحياناً عائقاً دون تواصل الحركة ونموها نمواً عضوياً وبناء القصيدة بناء درامياَ يتصاعد فيه الإيقاع وينخفض ، يتنوع ويتلون ويتدفق ليشكل سيمفونية درامية إلى أن يصل إلى القرار الأخير في نهاية القصيدة .
إن موسيقا شعر التفعيلة تقوم على :
1ـ نظام التفعيلة : الذي يمنح الشاعر حرية واسعة ومرونة وتنوعاً في الإيقاع بين شطر شعري وآخر
فالتفعيلة تتكرر حسب إحساسات الشاعر فتتنوع معها الأنغام في القصيدة / اعتمد الشاعر تفعيلة فعولن
وجوازاتها أساساَ للإيقاع في قصيدته /
2ـ تنوع القوافي : أدى إلى تنوع الأنغام بين ارتفاع وانخفاض ، وهذا ما يسهل الخروج على الرتوب
في موسيقا الشطرين ويقرّب النص الشعري من السيمفونية بالتقطيع وحرية الحركة والتنويع والاستمرار
/ تمرح ، ينضح ، حديد ، وريد ، العبيد ، معصم ، الدم / يأكلون ، يشربون / تدور ، عصور ، نور .
3ـ نظام المقاطع الشعرية التي لا تتساوى في عدد أسطرها ولا في عدد التفعيلات ضمن السطر الواحد يساعد في الابتعاد عن النمطية التي كان يسوق إليها أحياناَ نظام الشطرين وخاصة حين يتشابه الموضوع والوزن والروي والقافية , مما يسمح بتنوع الأنغام أيضاَ .
المقطع الأول : ثلاثة أسطر المقطع الثاني : خمسة أسطر .
المقطع الثالث : سبعة أسطر المقطع الرابع : سبعة أسطر .
إليك تقطيع السطر الآتي :
رح ية تمـ ر أم صبـ عصافيـ
//5 //5/5 //5/5 //5/5
فعو = فعل فعولن فعولن فعولن
*****************************************************
راجع : التعبير – الموازنة – الإضافات مع أطيب الأمنيات المدرس عبدالله يوسف
[b]