حالة انزلاق ـ مسرحية / الفصل الرابع

عضو جديد

الفصل الرابع

الوقت : بعد مضي ساعتين .
المكان : مكتب مدير المشروع

المشهد الأول

( عبد اللطيف ، جوزيف ، فهمي ، هَمَّام ، سعيد ، زيا )

( عند فتح الستارة يُشاهد جوزيف وهَمَّام واقفين قرب الطاولة التي نشرت على سطحها المخططات .

عبد اللطيف ، سعيد ، زيا ، وفهمي على المقاعد . بين الحين والآخر تُسمع أصوات أبواق السيارات والمحركات ) .

هَمَّام : هذه هي مخططات المشروع ، وهذا هو الجزء الذي تقوم شركتنا بتفيذه حالياً ( يُشير بيده ) هنا موقع قناة الجر الرئيسية ... انظر ، لا يوجد أثر لموقع الغرفة .

جوزيف ( ضاحكاً ) : ذكرتني بحكاية الحلاق ... أيام المدرسة الابتدائية كنا نقرأها ، ونضحك حين يقول الحلاق وهو يرسم خريطة المعارك على رأس الزبون : هنا انتصر اليابانيون ... هنا خسر الروس ... حتى انفجر الزبون صارخاً : اللعنة على الساسة والسياسيين ، والروس واليابانيين ، والناس أجمعين ( يقهقه ) . فعلاً لا يوجد تحديد لموقع الغرفة ( يمسح نظره بالمخططات ) مجرد إشارة في الأسفل إلى وجود غرفة .

هَمَّام : هي مجرد إشارة ، لكن لم تحدد لها مكان .

جوزيف : ألم يلاحظ مهندسو الشركة المشرفة هذا الأمر ؟

هَمَّام : أبداً .... عندما قمنا بالتنفيذ لم يعترض أحد منهم .

عبد اللطيف : ما اسم المهندس المشرف على التنفيذ ؟

هَمَّام : بل قل : ما أسماؤهم ؟ في الحقيقة إنهاء مأساة !

عبد اللطيف : ماذا تعني ؟

هَمَّام : تتبدل الوجوه بين حين وآخر .... اليوم يكون المهندس الفلاني هو المشرف ، وفجأة يُنقل ، ويحل مكانه مهندس آخر ، ولا يكاد يمضي بعض الوقت حتى يلحق بصاحبه !

زيا : حتى الآن تجاوز عدد المهندسين المشرفين ستة على ما أظن .

فهمي : ها هذا معقول ؟

عبد اللطيف : كيف يحدث ذلك ؟ يعني شوربة !

هَمَّام : هذا الذي حصل .

جوزيف : لا تتعجب ، كل شيء ينزلق ! أنا أعرف تفاصيل الموضوع ...

عبد اللطيف : ما هذا ؟ كل مدة يأتي مهندس جديد ، ثم يذهب ! هل هذا المشروع بضاعة سائبة ؟ يا جماعة ! راعي الغنم لا يبتعد عن القطيع إلا عند الضرورة ... غير معقول !

فهمي : لا يشعر المرء بالاطمئنان لما يجري .

جوزيف : هنا تبديل مستمر ، تغيير دائم ، اتجاه معاكس .... أما السبب ...

هَمَّام : الله يخليك ، دعنا من هذا الكلام .

عبد اللطيف : نسمع لنعرف .

فهمي : ربما لا تنفع المعرفة هنا !

سعيد : لا تقدم ولا تؤخر .

زيا : أنا أفضل التزام الصمت أمام هذا الموضوع .

( صمت )

هَمَّام : كأني أرى أن الابتعاد أصبح خيراً من البقاء !

عبد اللطيف : أمر غريب ! كيف يمكن لأي مهندس أن يحصل على الخبرة في مثل هذه الأحوال ؟

هَمَّام : لا أحد يهتم ... المصلحة الخاصة تعلو ، ولا يعلو عليها .

سعيد ( إلى جوزيف ) : أنت مدير فرع شركة تعمل هنا ، وعلى اطلاع كامل ( يلتفت إلى عبد اللطيف ) ، وأنت أستاذ عبد اللطيف ! سمعت أنك كنت مدير فرع إحدى الشركات العامة قبل أن تصبح مفتشاً .... فهل مرت بكما مثل هذه الحالات ؟

عبد اللطيف : لم تكن الأمور صعبة إلى هذه الدرجة .

فهمي : اختلاف الزمان والمكان شيء جوهري .

عبد اللطيف : يبدو ذلك .... لكن على الرجل أن يتصرف ، ويكون له موقف أمام ما يجري .

( ينصرف جوزيف إلى دفتر المساحة ، يُقلب أوراقه بهدوء ، ويُمعن النظر )

جوزيف ( رافعاً الدفتر بيده ) : دفتر جميل ، جميل الدفتر ( كأنه يُغني ) متعوب عليه ... عليه متعوب ... جميل الدفتر ، جميل وأسمر ، مثل السكر ( إلى هَمَّام ) من قام بهذا العمل الجميل ؟ لا أرى اسم المهندس على الدفتر !

هَمَّام : المهندس سعيد والمهندس زيا .

( تعلو البسمة وجهيهما )

جوزيف ( محدقاً في المخطط العام للمشروع المعلق على الحائط ) : أستاذ عبد اللطيف ! هل رأيت المخطط ؟ ( يشير بيده ) إنه مشروع عظيم !

عبد اللطيف : لم أره .

( يتقدم عبد اللطيف وفمي وهَمَّام من المخطط )

جوزيف : لو تم إنجاز هذا المشروع قبل عشرة أعوام لتغير وجه هذه الأرض الشاسعة . تصوروا ! الكلفة الإجمالية بحدود / 6,5 / مليار ليرة سورية ... هذا السد الأول ، وهذه هي البحيرة التي ستتشكل خلفه ... مساحتها عشرة آلاف من الدونمات ، وسعتها التخزينية / 91 / مليون متر مكعب ... هذه هي قناة الجر الرئيسية . كل هذه الأراضي ستروى بالراحة ، أما هذه فستروى بالضخ .... السد بعد إنجازه يولد طاقة كهربائية مقدارها / 10 / ميغا واط .

سعيد : بل / 12،5/ ميغا واط .

هَمَّام : المشروع يتضمن إنشاء ثلاثة سدود : الأول يروى مساحة / 523 / ألف دونم ، والثاني بحدود / 532 / ألف دونم ، والثالث / 482 / ألف دونم .

عبد اللطيف : متى ينتهي العمل ؟

زيا : من الناحية النظرية بعد عامين ، لكن المعطيات تقول غير ذلك .

عبد اللطيف : ما هي تلك المعطيات ؟

هَمَّام : موانع كثيرة تصدم بها الشركات الإنشائية الوطنية ، أما الشركات الأجنبية التي تقوم بتنفيذ أجسام السدود ، فإنها ينتهي من العمل ضمن المدة المحددة بالعقد ... وربما قبل ذلك التاريخ !

فهمي : والشركات الوطنية ما حالها ؟

هَمَّام :إذا استمر الوضع على ما هو عليه ، فإنها لن تنجز أعمالها إلا بعد مرور عشرة أعوام .

عبد اللطيف : أنت تعطي صورة قاتمة للوضع !

هَمَّام : أبداً .... هناك أسباب جوهرية : نقص في الآليات من جبالات ، ومداحل ، ومضخات ، وصهاريج نقل الإسمنت ، ثم عدم توافر الرقائق البلاستيكية ، والخيش للإكساء البيتوني ، نقص القطع التبديلية ، الإطارات ، الزيوت .... عدم توافر مادة مانع التسرب لتنفيذ القسم الصندوقي ، عدم صلاحية مادة (الاترنيت) المستخدم ، لأنه مصمم لغير الضغوط الموجودة ... أخيراً ، يا مرحوم الوالدين ! عدم التحضير لتصنيع الأقنية المعلقة ، ويأتي قبل هذا وذاك ( يفرك إبهام بالسبابة ) السيولة النقدية .... الدراهم كالمراهم .

سعيد : حتى الآن لم ننجز إلا ما قيمته مبلغ مليون ليرة من أصل مليار ومائتي مليون ليرة ... تصوروا !

عبد اللطيف : أظن أن الشركات الوطنية الأخرى ليست بحال أفضل .

هَمَّام : كلنا في الهوا سوا .

زيا : لو أعطي المشروع كله للشركات الوطنية بنفس الشروط التي اتفق عليها مع الشركات الأجنبية لتغير الوضع .

( صمت )

هَمَّام : إحدى المؤسسات الوطنية عرضت تنفيذ أجسام السدود بمبلغ يقل كثيراً عن عرض الشركة الأجنبية ، شرط أن يسمح لها باستيراد الآليات والمواد الأولية اللازمة بنفس المبلغ المسموح به للشركة الأجنبية من النقد الأجنبي ، أي بنسبة ( 30% ) من قيمة العقد ، فرفض طلبها ... لماذا ؟ لست أدري !

سعيد : لا تنسَ فارق سعر صرف الدولار ... من أربع ليرات عند توقيع العقد إلى عشرين ليرة حسب السعر الرسمي الحالي ، وهو في تصاعد مستمر .

هَمَّام : ربما ليس بعيداً ذلك اليوم الذي نقف فيه عاجزين ! حتى الآن لم ننجز سوى (11% ) من قيمة العقد .

عبد اللطيف : الموضوع يجعلني أعيش في شبه دوامة ! أرقام تتحدث ، وضع إداري ... ماذا أقول ؟ قبل وقت قصير قرأت تقرير فرع المصرف المركزي حول المشروع ... لقد أورد نسبة الإنجاز برقم يفوق بكثير ما ذكرت .

هَمَّام : إذا كان الموضوع متعلقاً بالمأخذ الرئيسي في قناة الجر الأولى ، فقد بلغت نسبة الإنجاز ( 95% ) ، أما القناة الثانية فهي بحدود ( 11% ) ، مع العلم أن كلفة هذه القناة / 873 / مليون ليرة .

جوزيف : تلك التقارير لا تعطي الصورة الحقيقية ... مجرد أرقام !

عبد اللطيف : أمر في غاية الخطورة ! لا يمكن أن يترك .

جوزيف : قبل شهر تقريباً جاءت لجنة وزارية إلى موقع المشروع ... كانت زيارتها سريعة ...

عبد اللطيف : ماذا كانت النتيجة ؟

جوزيف : إبعاد عدد من المهندسين والعاملين ... تغيير طبيعة عمل أحد الأقسام في إحدى الشركات العامة .

فهمي : هل أتى هذا الإجراء بأي مردود ؟

سعيد : أبداً ... الأوضاع هي هي ... مكانك راوح !

فهمي : ما زلنا نفعل من أجل الفعل نفسه ، ليس إلا ... أما تحسين الأداء ...

هَمَّام : مجرد تغيير في الوجوه !

سعيد : لم تتوفر مستلزمات العمل ... أين القطع التبديلية ، المواد الأولية ، الآليات ؟ أين ؟

زيا : إذا رفع أحد إصبع الاحتجاج يأتيه الجواب بلمح البصر : أنت موظف عند الدولة ، وبس !

سعيد : ونقع في مأزق !

عبد اللطيف : هذا الحوار لن يؤدي إلى نتيجة عملية .

فهمي : فشة خلق .

جوزيف : الأفضل أن يفش كل واحد خلقه في بيته .

( صمت)

المشهد الثاني

( أشخاص المشهد الأول ، وفدوى وإبراهيم )

هَمَّام : صار الطقس بارداً !

جوزيف ( ينظر ناحية المدفأة ) : ما بال هذه تركن هنا هكذا ، دون أن يُسمع لها أي حس ؟

إبراهيم : أنت تعرف موضوع شراء الأثاث .

فهمي : البواري من الأثاث ، وشراء الأثاث يحتاج إلى موافقة ، والموافقة تتطلب مراسلة .... وفي النهاية لا بُدَّ من موافقة رئيس مجلس الوزراء ..

عبد اللطيف : غريب ! عقدها تتعقد ... مشروع بالمليارات ... أموال هنا وهناك ، وأربعة بواري يحتاج شراؤها إلى ... يا للحص على الأموال العامة !

فهمي : كم نحب النظام ، ونحترم القانون ! أنتم ترون بأم أعينكم . إبراهيم : هل تسخرون ؟

جوزيف : نحن نحكي ، ونحكي ، هذا يُذكرني بحكاية مدير إحدى المؤسسات ... اسمعوا : كان يصد التعميم تلو التعميم ... يؤك ، يحث العاملين على الحد من الهدر في القرطاسية ، لكنه ـ في الوقت نفسه ـ طلب إلى لجنة المشتريات شراء فرامة ورق بمبلغ عشرة آلاف ليرة ... لماذا ؟ كي يفرم قصاصات الورق التي يخطعليها بيراعه للمقربين ، حيث كان يطلب إعادتها بعد تنفيذ مضمونها ... فيدخلها جوف الفرامة .

سعيد : عن أذنكم ... لقد أعجبتني حكاية الفرامة ( يهتف كأنه على رأس مظاهرة ) الفرامة ... الفرامة ، تعيش الفرامة ...

هَمَّام : مالك يا سعيد ! هل جننت ؟

سعيد : أنا بكامل قواي العقلية ، لكن حكاية الفرامة ...

جوزيف : دعه ، وتأمل حكاية الفرامة ... تأمل يا رعاك الله !

زيا : هناك فرامة لحم ، وهناك فرامة ورق ... هذا بات معروفاً .. ألا توجد فرامات أخرى ؟

جوزيف : ربما في المستقبل القريب !

عبد اللطيف : سيبك يا رجل ! في كل وقت تجد عقولاً جديرة بصناديق القمامة .

هَمَّام ( إلى عبد اللطيف ) : إضبارة قناة الجر وغرفة التحكم جاهزة مع المراسلات كافة ( ينادي بصوت مرتفع ) آنسة فدوى ! هاتي الإضبارة من خزانة قاعة الاجتماعات .

فدوى ( من خارج المكتب ) : حاضر أستاذ !

( صمت )

( تدخل فدوى حاملة الإضبارة )

جوزيف ( يمعن النظر بمشية فدوى ) : شيء عظيم ! تبارك الرب في الأعالي .. إنجاز باهر ، ورشاقة ...

هَمَّام : ما هو ذلك الإنجاز الباهر ؟

زيا : المشروع .

جوزيف : مشروع رباني ، إنجاز إلهي ... يا سلام !

هَمَّام ( ضاحكاً ) : كل مستلزمات الإنتاج جاهزة ... ( كن فيكون ) . بلا مخططات أو دفتر مساحة !

( يتناول الإضبارة من يد فدوى )

زيا : هذه هي المشاريع الحقيقية .

عبد اللطيف ( يتناول الإضبارة من يد هَمَّام ، يُقلب الأوراق ، يفرز عدداً منها . ينظر إلى فدوى ) : أريد صورة واحدة عن كل كتاب من هذه الكتب .

( تخرج فدوى وبيدها الأوراق )

جوزيف ( إلى هَمَّام ) : كيف ترى الطقس الآن ؟

إبراهيم : مال إلى البرودة قليلاً ، والشمس ....

هَمَّام : أية برودة يا رجل ! أنت في وادٍ والأستاذ جوزيف في وادٍ (إلى جوزيف) ليست منهن .... خاب ظنك .

جوزيف : يا سلام ! هنا ألا توجد حالة انزلاق ؟

إبراهيم : فهمت .... ليس هناك دليل أو مؤشرات .

( تعود فدوى وبيديها صينية القهوة )

جوزيف : فنجان قهوة ! جاء في الوقت المناسب .

( يتناولون فناجين القهوة ، منهم من يرشف رشفاً ، ومنهم من يدور القطرات في فمه قبل أن يدفعها إلى جوفه )

ســـــــــــتار

يتبع الفصل الخامس والأخير

عضو مخضرم

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
شكرا أخي الغالي فتحي فطوم على تقديم
المسرحية بشكل فصول
وننتظر الفصلين الأخيرين لنقدم مختصر عن المسرحية
ولدي حكمتين لهما
ياعلي مدد