فتحي فطوم حالة انزلاق
مسرحية
( الحسكة : أيار ـ تشرين الأول 1987 )
موافقة اتحاد الكتاب العرب على الطباعة رقم 995 تاريخ 2 / 1 / 1998 نشرت في موقع ( مسرحيون ) www.masraheon.com بتاريخ 7 / 7 / 2008
شخصيات المسرحية
* عبد اللطيف : مفتش أول ( ترافق كلماته حركة تتكرر ، حيث يمط رقبته ، ويزم فمه ، وينفخ إلى الأعلى ) * فهمي : مفتش متدرب * جوزيف : مهندس خبير * همَّام : مهندس ، مدير فرع شركة عامة * سعيد : مهندس تنفيذ لدى فرع الشركة * زيا : مهندس لدى فرع الشركة* الوزير : وزير الري * المحافظ : في محافظة حدودية * جلال : مهندس عجوز ، مندوب الوزارة * حوَّاس : مدير إداري لدى فرع الشركة * إبراهيم : محاسب لدى فرع الشركة* جاسم : رئيس المرأب لدى فرع الشركة* فدوى : مساعد مهندس لدى فرع الشركة * جميل : سائق سيارة الخبير * صالح : حارس في المشروع * رضا : رجل جوَّال ، معروف بين الناس بصفة أبله * نادل المقصف ـ مرتادو المقصف من الرجال : موظفين ، ومزارعين تدور أحداث المسرحية وفق ما يلي :ـ الفصل الأول : في مكتب مدير فرع الشركة ، الكائن في موقع إنشاء مشروع إروائي كبير ، يعتمد على جر المياه من نهر إلى مسافة بعيدة ، وعلى مياه الأمطار التي تتجمع في الوديان شتاءً . ـ الفصل الثاني : في مكتب المفتش .ـ الفصل الثالث : في موقع غرفة التحكم بقناة الجر الرئيسة على النهر . ـ الفصل الرابع : في المكان نفسه الذي جرت فيه أحداث الفصل الأول .ـ الفصل الخامس : في مقصف على نهر يعبر بلدة صغيرة . الفاصل الزمني : ـ بين أحداث الفصل الأول والثاني شهر على وجه التقريب ( أواخر الخريف وبداية الشتاء) . ـ بين الفصلين الثاني والثالث ساعة تقريباً . ـ بين الفصلين الثالث والرابع ساعتان تقريباً ـ بين الفصلين الرابع والخامس ساعتان .
الفصل الأول
الوقت : ذات يوم من أيام أواخر فصل الخريف .المكان : مكتب مدير المشروع في موقع العمل ، وهو يحتوي على طاولة خشبية متواضعة ، جهاز هاتف ، أوراق مكدسة على الطاولة ، مكتبة صغيرة في إحدى الزوايا ، بعض المصنفات ، عدد من كراسي الخيزران متناثرة بإهمال في أرجاء الغرفة ، مدفأة مازوت بلا ( بواري ) مركونة في الزاوية ، طاولة وسط ، طاولات أصغر حجماً جانب الكراسي . في الجهة اليسرى باب صغير يفضي إلى ممر طويل ، على جانبيه تتوزع المكاتب الأخرى .في الجهة اليمنى باب عريض جرار يؤدي إلى قاعة الاجتماعات ، حيث توجد طاولة كبيرة ، حولها عدد من الكراسي .على الجدران علقت خرائط ومصورات ، ومخطط عام للمشروع .
المشهد الأول
( هَمَّام ، زيا ، إبراهيم ، حوَّاس ، جاسم ، فدوي )
هَمَّام ( يقف خلف الطاولة قلقاً ، ينفث دخان لفافة التبغ بعصبية واضحة ) : مصيبة ! كان يكفي أن يأتي مندوب الوزارة ، ذلك المهندس العجوز ، أما أن يأتي سيادته بلحمه وشحمه وعظمه ، فتلك مسألة تحتاج إلى تفكير طويل ! لماذا يتعب نفسه ، ويقطع مسافة طويلة حتى يحضر إلى هنا ؟ ( يطفئ لفافة التبغ في المنفضة بحركة سريعة ) ألم يكن من الأفضل له البقاء بالعاصمة ، بدل تحمل عناء السفر ؟ ( يكلم نفسه ) قل لي : ماذا سيجد هنا ؟ طبعاً لن يجد غير البرغش في رطوبة هذا الخريف ، أو الذباب الطنان ... الواحدة منه قد الجوزة . كم كان جميلاً لو أسمعنا صوته ـ من بعيد ـ عبر الهاتف ! لا أريد ، ولا أرغب برؤية وجهه المدور كحبة البندورة المبعوجة ، وقامته المدحدحة ( صمت ) .رؤيته على شاشة التلفزيون مرة واحدة تبقى عالقة بالذهن مدة طويلة .... اللعنة ! قيل إن له لساناً سليطاً ، حاداً كالمبرد . يكره المناقشة وإبداء الرأي ، لا يعرف غير إعطاء الأوامر ... كل شيء لديه بأمر . يا ترى ! شخص مثله كيف يمكنه معرفة طبيعة العلاقات السائدة هنا ، أو إدراكها ؟ لا ريب أنه يعتمد على مخيلته في تقويم الأشياء ، والحكم عليها من بعيد ، وتلك مصيبة ... مصيبة ! ( من الباب الصغير يدخل تباعاً كل من : سعيد ، زيا ، حَوَّاس ، إبراهيم ، جاسم ، فدوى ، وقد علت وجوههم علامات الاستفهام واللهفة ) .سعيد : ما سبب هذه الدعوة المفاجئة ؟ صوتك على الهاتف فيه رنة تثير في النفس القلق !زيا : تملكني نفس الإحساس .إبراهيم : وأنا قادم فكرت بما سمعت ، فلم أعثر على سبب يثير القلق ! كل شيء يسير على ما يرام ... القيود ، الوثائق ، والرواتب ... سجلات الشطب . جاسم : والآليات جاهزة ، تعمل في المشروع ...هَمَّام ( يشير بيده طالباً الكف عن الاستمرار بالحديث ) : اسمعوا لما أقول (الصمت يخيم) . سيادة الوزير ... الوزير ( يقرع الطاولة بإصبعه الوسطى ) قادم ! قادم بقامته الـ ... يخزي العين ، وشاربيه اللذين يرقصان على أنغام كلماته الساحرة (يرسم على شفتيه ابتسامة ساخرة) سيأتي قريباً .. قريباً إلى هنا ( يضرب وجه الطاولة بقبضة يده ) أفهمتم جيداً ما أعني ؟ أريدكم على أتم الاستعداد والجاهزية . يعني : أوراق .... مستندات .. بيانات ... كله ، كله ...... لا شك أنكم سمعتم شيئاً ما عن لسان السيد الوزير الذي ينقط عسلاً مصفى ..... آه يا عسل ! ( يبتسم ساخراً ) له لسان حاد ، لا يسمح لأحد من مرافقيه أن يتكلم إلا لذلك المهندس العجوز .فدوى : حتى الآن لا نعرف سبب هذه الزيارة المفاجئة يا أستاذ ! هّمَّام : الموضوع باختصار ... يتعلق بغرفة التحكم على المأخذ الرئيسي لقناة الجر .سعيد : أستاذ هَمَّام ! ماذا تقول ؟ هل هناك من جديد حولها ؟هَمَّام : نعم ، هناك جديد ، بل قل : القديم عاد ، ورفع رأسه من جديد .فدوى ( تحدث نفسها ) : غرفة ... غرفة ! وزيارة ... وززز...هَمَّام : بلا وزوزة .فدوى : تأمر أستاذ !حواس : أستاذ هَمَّام ! إذاً يجب أن نتخذ الإجراءات والاستعدادات اللازمة بمناسبة قدوم السيد الوزير وصحبه الكرام ... رفع الزينات ... الحفلات ... منسف الخوار يف المحشية بالرز والصنوبر ، والـ ....فدوى : لا تنس حفلة الرقص في الهواء الطلق ...هَمَّام : إن شاء الله سنرقص ... سنرقص جميعاً ، لكن ليس على أنغام الموسيقا .جاسم : الحمد الله ، الآليات ...هَمَّام ( مقاطعاً ) : الآليات كغرفة التحكم أيضاً ... لقد اتصل بي ـ ليلة البارحة هاتفياً ـ صديق لي بالوزارة ، وفهمت من خلال حديثه أن هناك تقريراً جديداً مرفوعاً إلى الوزارة حول غرفة التحكم والآليات ... ونسبة الإنجاز ، و ......سعيد : يعني أن أحد العاملين بالمشروع قد فعلها ! هَمَّام : إي نعم ، كالعادة !حوَّاس ( يحدث نفسه وهو يهز رأسه ) : يبدو أن عندنا شباب لا تخفى عليهم خافية ، كلهم عيون ... عيون ! يا عيني على حبايبنا الحلوين ما أطيبهم !سعيد : غرفة التحكم ـ في وضعها الحالي ـ لا غبار عليها . سليمة مائة بالمائة .جاسم : ما علاقة الآليات بالموضوع ؟هَمَّام : أنت أدرى ! ( صمت ) .ارجع إلى أوامر التشغيل اليومية ، وبطاقات الآليات ، تحقق جيداً من تدوين البيانات الصحيحة ، الخاصة بكل آلية .. ( بسخرية ) لا تنس أيام التشغيل عند أبي حاكم ... وأبي ... وأبي .. إلى آخره ... أنت فالح جداً !جاسم : أسألك أستاذ هَمَّام ! من يملك الجرأة ، أو يتجاسر على ...؟ أنت تعرف .هَمَّام : هذا ليس أوان الكلام عن ذلك . ( صمت )
اذهب ( يخاطب رئيس المرأب ) إلى مستودع المحروقات والقطع التبديلية ، ونبه أمين المستودع .جاسم : لقد فهمت ... سنحاول تدبير الأمر كما يجب .هَمَّام : هيا ، كل واحد إلى عمله .( يخرجون باستثناء همَّام الذي يظل في وقفته مفكراً ) .
ظـلام
المشهد الثاني
( هَمَّام ، سعيد ، حَوَّاس )
هَمَّام : في الحقيقة ، أنا لست خائفاً من اللجنة الوزارية ، أو من المهندس العجوز ، ولا من الوزير نفسه .سعيد : إذاً لا يوجد سبب يدعو إلى القلق !هَمَّام : بل هناك سبب ... أخاف أن تكون تلك بداية في طريق التحقيق والتفتيش .سعيد : نحن لم نفعل أي شيء في السر ، كل ما في الأمر أن غرفة التحكم .. انزلقت قليلاً ، دون أن تُصاب الأجهزة بأي عطل ، فالسقف سليم ، والجدران لم يحدث بها تشقق . هَمَّام : أنت تعرف ، وأنا أعرف أن الموضوع قد تم تلافيه ، وعادت الغرفة أفضل من السابق ... هذا صحيح ، لكن الذين يتلقون التقارير ، وهم قابعون هناك بعيداً ، يجهلون طبيعة العمل في المشروع ؛ لذلك قد يسببون لنا وجع الرأس من غير داعٍ .حَوَّاس : يجب أن نأخذ حذرنا .سعيد : ما العمل إذاً ؟هَمَّام : أريد أن أعرف من كتب التقرير .سعيد : معرفة كاتب التقرير لا تعني شيئاً . هَمَّام : بل تعني ... هي جزء من المشكلة . حوَّاس : كيف ؟هَمَّام : كاتب التقرير أحد العاملين في المشروع ، وهو على اطلاع كاف ، متابع لكل صغيرة وكبيرة ، خاصة موضوع الآليات ... هذا ما فهمته من المخابرة الهاتفية .سعيد : صحيح ، ما قصة الآليات ؟هَمَّام ( مستغرباً ) : يا أخي ! السيارات الشاحنة ... التريكس ... الدواليب .. قسائم البنزين .. أبو حاكم ، أبو .. ، وأبو ...سعيد : آ ، فهمت ، بس كل ذلك أمر عادي .. ليست لديهم مخصصات .. ومن الدولة إلى الدولة ، والجيب وا ...هَمَّام ( مقاطعاً ) : المسألة ليست كما تظن ، لقد سمعت مؤخراً أن صاحبنا باع قسائم البنزين والدواليب التي أخذها ..سعيد : أستاذ هَمَّام ! ليس باليد حيلة .. أنت مضطر . هَمَّام : فعلاً ، أنا مضطر إلى تنفيذ الطلبات وإلا ( يشير بيده في الهواء يعني : طار ) .حَوَّاس : ليس على الأعرج حرج .سعيد : نعم ، والذي يحترم نفسه ـ إذا كانت أسلحته ضعيفة ـ عليه أن يظل قابعاً في الخط الثاني ، يراقب ويتأمل ، فيكون في مأمن ... لتذهب الظروف إلى الجحيم . هَمَّام : لو كانت الظروف تسمح ، وحرية الحركة متاحة ، وليس هناك ...سعيد : فعلاً ... أتعجب من الأمر ! إن فعلت ، فأنت .... وإن لم ... حَوَّاس : قلها بصريح العبارة ... إن لبيت الطلب ، فأنت تورط نفسك في مخالفة القانون ، وإن لم تفعل فأنت ... ليكن الله في عونك .هَمَّام : المصيبة ... المصيبة إذا وقعت في الفخ ، فقاتل أنت وربك !سعيد : هذا ما يحدث .حَوَّاس ( كأنه يغني ) : فعلاً ، فعل يفعل فعلاً ... وأنت مفعول بك .هَمَّام : يا رجل ! إلى أين ذهبت ؟ ما يشغل فكري الآن هو عدم وضوح الصورة لدى الوزارة ، فتتحرك .. يتحرك الوزير ، وتصبح غرفة التحكم مثار حديثهم ومراسلاتهم ، حيث يفرغون شحنات غيظهم وغضبهم في الغرفة وحكاية الغرفة .سعيد : ويحلق الخيال برجال المكاتب ...... ربما يصل الأمر إلى وضعنا في صف المخربين ! حَوَّاس : ربما أكثر من ذلك ! هَمَّام : يبدو أن الخيال بدأ يحلق بكما ... اصبرا وصابرا . سعيد : متى يأتي الوزير ؟هَمَّام : عصر هذا اليوم على أبعد تقدير .سعيد : لم يبق أمامنا غير ...... غير جمع المستندات ... اقصد إضبارة غرفة التحكم ومخططات المشروع ، لأن الغرفة غير ملحوظة في المخططات والمصورات .هَمَّام : نعم ، أردنا أن نفعل خيراً ، فوقعنا في ورطة ... ورطة لا أعرف لها نهاية .سعيد : هذا ما حدث ... الإسراع في بناء الغرفة فوق طبقة الردميات كان خطأً منا . حَوَّاس : خطأ غير مقصود ، وهناك فرق بين أن يكون مقصوداً وغير مقصود ، ومع ذلك كان بناء الغرفة أمراً لا بد منه .هَمَّام : كان القصد وجود غرفة تحكم قرب مأخذ القناة . لم يكن هناك من حل غير البناء فوق طبقة الردميات .سعيد : لو أردنا بناء الغرفة فوق أرض صلبة ، لم يكن بمقدورنا ذلك إلا على مسافة مائتي متر ، وفي هذه الحالة فإن قيمة الخراطيم ، والأكبال اللازمة تزيد من تكاليف بناء الغرفة . هَمَّام : والنتيجة كما ترى ... تقرير ... وتقرير ، ثم وزير ، وغداً تفتيش بكل تأكيد . سعيد : هذا لا يهم ما دامت الأمور في مجراها الصحيح .هَمَّام ( بغضب ) : لا يوجد شيء في ذرة من الصحة .سعيد : أراك متشائماً جداً على غير عادتك ! هَمَّام : لا أعرف .. لقد جاء وجع الرأس .حَوَّاس : لماذا وجع الرأس يا أستاذ ؟ لا يهمك ، سأنتر الوزير بخطبة عصماء تفقده صوابه ، تسلقه سلقاً .هَمَّام ( ساخراً ) : هل وجدتها ؟ هل هذا وقتك ؟ ( صمت )
ماذا ستقول ، طيب الله عيشك ؟حَوَّاس ( متنحنحاً ) : في الحقيقة ، هي كلمة ترحيب ، وبعدها يا مولانا ! حفلة خواريف محشية ، كما هي العادة ، ثم ... ثم يهبط وحي النسيان ، ويعود كل شيء إلى ما كان عليه . يا مولانا ! إن هوايتي المفضلة ـ كما تعرف ـ هي جمع المعلومات عن الأشخاص ، خاصة عن أولئك الذين يصعدون الدرجات ... أستاذ هَمَّام ! كنت أراقبك طوال هذا الوقت ، منتظراً الفرصة المناسبة لأطرح رأيي ... اسمع يا سيدي ! البقية .. أقول لك : عندما كان السيد الوزير موظفاً ـ قبل سنوات قليلة ـ في الوزارة لم يكن يملك من متاع الدنيا إلا القليل القليل ، لكن ( يضحك ) ربك كريم ، صار ـ بقدرة قادر ـ صاحب عقارات و مزارع ... من ذوي الأطيان .هَمَّام ( متعجباً ) : ماذا تقول ؟ هل أنت واثق ؟حَوَّاس : يا أستاذ هَمَّام ! في الماضي كان الملك ، الخليفة ، السلطان .. ظل الله على الأرض ، ومال الدولة ماله ، فله ( حفظه الله ورعاه ) حق التصرف المطلق ، ويبدو أن بعضهم ـ في هذه الأيام ـ ما زال يعيش في الماضي ، حيث لا يفرق بين ماله ومال الدولة ... يقال إن هناك شبهة في مال الدولة ، لأن للفرد نصيب فيه ... الحال واحد ( يضحك ) . أرجوك افهمني يا أستاذ !سعيد : ما دمت تملك تلك الذخيرة من المعلومات ، خاصة حول الزائر الكريم ، لماذا لم تُطلِق من فيك ـ لا فُض فوك ـ هذه الجوهرة منذ البداية ؟ ثم ما هو الحل برأيك على ضوء ما تقدم ؟ حَوَّاس : أرى الأمر في غاية البساطة : حفلة مرتبة ...... كلمة طنانة ، أو رنانة ، لا فرق ( يُخرج ورقة صغيرة من جيب سترته ، يتخذ هيئة الاستعداد ، يرفع صوته ) سيادة الوزير المحترم ! أيها السادة الأفضل ... يشرفنا ، ويسعدنا ...هَمَّام ( مقاطعاً ) : لكنه لا يشرفنا ، ولا يسعدنا ...حَوَّاس ( بنبرة مرتفعة ) : أرجوك أستاذ هَمَّام ! لا تقاطعني ... يقولون : ابعـ .. ( محشوم ) صاحب الحكاية ، ولا تبعـ .. الحكاية . ( يتابع ) أن تحل ( هامساً ) يحل وسطك بجاه الحبيب محمد ( يرفع صوته ) بين ظهرانينا عزيزاً ، مكرماً ، أنت وصحبك النجباء ، أنت ضيفنا العزيز ، ومعلمنا ...هَمَّام ( معترضاً ) : ماذا تقول ؟ أنت تُخرِّف ! إنه ضيف ثقيل .حَوَّاس ( متابعاً كأنه لم يسمع تعليق المدير ) : لقد وجدنا في سيادتكم القدوة الحسنة ، والمثال الذي يحتذى في البذل والعطاء ، ونكران الذات في سبيل رفعة الوطن وتقدمه . إن زيارتكم الميمونة هذه ، يا سيادة الوزير ! إلى موقع العمل في هذا المشروع الإروائي العظيم لهي خير دليل ، وأكبر برهان ، وأسطع بيِّنة ، و .....( يلتفت إلى سعيد ، ويخاطبه ) هل تعرف أشياء أخرى عن أفعال التفضيل ؟ ( يهز سعيد رأسه بالنفي ؛ عندئذً يتابع ) على مدى الأهمية التي تولونها إلى القطاع الزراعي في هذه المنطقة النائية . اسمحوا لي يا سيادة الوزير ! باسم العاملين ، باسم كل حبة تراب في هذه الأرض الطاهرة ، أن أشد على أيديكم يا سيادة الوزير ! لما تبذلونه من جهد وعرق . لقد تحملتم وعثاء السفر ومطبات الطريق ، على الرغم من امتطائكم أحدث سيارة مرسيدس ، وقاومتم ـ ببأس شديد ـ جيوش البرغش الجرارة ، وصبرتم على رؤية البيوت الطينية المتداعية . كل ذلك من أجل معاينة أرض الواقع عن كثب . يا سيادة الوزير ! اطمئن يا سيادة الوزير ! سيبقى ثغرك باسماً ، ووجهك وضاءً ، و...سعيد ( مقاطعاً ) : قبل قليل قلت إنه من صيادي الغنائم والأسلاب ، والآن ...حَوَّاس : أستاذ سعيد ! أرجوك لا تقاطعني ، إني منسجم مع الدور ( يتابع ) سيادة الوزير المبجل ! لقد عرفناك رجلاً شهماً ، شريفاً ، عفيفاً ، نظيفاً ، لسانك يقطر شهداً ، وحنانك الأبوي يظللنا ، ويرشدنا سواء السبيل ....هَمَّام ( بنفاد صبر ) : وَلَكْ اخرس ، اخرس العمى ! ما هذا ؟ أين من صاحبك سيف الدولة ... أبو ذر الغفاري ! من أين جئت بكل هذا الكلام ؟ سعيد : كلام في كلام ، دعنا نسمع .حَوَّاس ( يتابع ) : وفي هذه المناسبة الميمونة ، النادرة ، اسمحوا لي يا سيادة الوزير ! أن أقدم لسيادتكم ـ باسم العاملين في المشروع ـ هذه الهدية المتواضعة .هَمَّام : هدية ! هل أنت مجنون ؟حَوَّاس ( ينظر من علٍ محدقاً في وجه هَمَّام ) : أرجوك ، بلا مقاطعة ، لا تخرم الحكاية . ألم تسمع أن الهدية تقطع اللسان ، وتزرع المحبة ؟ نعم تقطع اللسان ، وتقلب الأحوال ، وتجعل اللون الأسود ينقلب إلى ضده .سعيد : هذه رشوة ، وليست هدية .حَوَّاس : تريد القول أن الله لعن الراشي والمرتشي والرا ...سعيد : أنت ما رأيك ؟حَوَّاس : حسن، لتكن كما تحب أن تسميها ، لكنها ـ في نظر سيادته ـ هدية . يا أستاذ هَمَّام ! حتى لو تجاوزت حدود الأدب ، أقول لك : فتح عينيك ، وكبر عقلك معي ، يجب أن تلقطها وهي طائرة ... من أموال الشركة نهديكم ، هذا شأن كل الهدايا التي تقدم للمسؤولين في المناسبات وغير المناسبات ، لا أحد يدفع من جيبه ... يعني من أموال الوزارة إلى بيت الوزير ، ويا دار ! ما دخلك شر . المسألة بسيطة جداً ، الأمر ( يُخرج الحروف ببطء ) مترووووك إلى المحااااسب وأمين المستووووودع . أقصد : إخراج كمية وهمية من ...هَمَّام ( منزعجاً ) : هل أنت مؤمن فعلاً بما تقول ، أم انك مصاب بالخبل ؟حَوَّاس : صدق أو لا تصدق ، أنا لست مقتناً بكل ما يدور ، ولا راضياً عن الذي يحدث ، لكنه أمر واقع ، لا مفر منه .هَمَّام : أظن أن الوزير على غير الصورة التي رسمتها له . صحيح هو سليط اللسان كما نعرف ، لكن يقال عنه إنه صارم ، عنيف . لا تنسَ أنه وزير جديد جداً ، يعني من مبارح العصر .حَوَّاس : أولاً كل جديد ـ بعد مدة من الزمن ـ يصبح قديماً ، سواء في الفكر ، أو الهيئة ، أو العادة ... هكذا حال الدنيا ! ثانياً إن الأخبار الحقيقية لا تنبئ عن الصرامة والعنف . على العكس تماماً ، هو خروف وديع بين أيدي مصالحه ومنافعه .... اسألني أنا !هَمَّام : أريد أ، أفهم ، من أين تلتقط الأخبار ؟سعيد : ربما من وكالة أنباء الرشوة والاختلاس ! هَمَّام : اللعنة ! لن يفرح ... يروح يبلط البحر ... إذا دعتني الضرورة سأترك العمل .حَوَّاس : كانت النصيحة بجمل ، ما الآن ( يمد لسانه ساخراً ) .هَمَّام ( ضاحكاً ) : هل بينك وبين إبليس صلة قربي ؟ عمل مشترك ؟حَوَّاس : شكراً على كل حال ... إبليس كان متمرداً ، لم ينفذ الأمر الإلهي ، أراد أن يحاور الإله ؛ فطُرِد ... كما ترى أنا أبحث لك عن حل في زمن يعجز إبليس نفسه عن فهم ما يدور .( يخرجون )
ظـلام
المشهد الثالث
( هَمَّام ، سعيد )
( هَمَّام يمشي ذهاباً وإياباً ، وبين الحين والآخر يرمق السقف ، ويده تفرك ذقنه ) : مالعمل ؟ أشعر بالاضطراب يجتاح كياني ، يأكلني ! ماذا أفعل ؟ لن يستطيع الوزير أن يفهم طبيعة العلاقات القائمة هنا فهماً جيداً ؛ لذلك لن يكون حكمه صائباً .. هل قلت : ( حكم ) ؟ آ ، نعم ، نعم ! ربما يكون كاتب التقرير قد ضخم الموضوع ! صحيح ، هناك أشياء كثيرة يمكن تأويلها بسؤ نية ؛ لوضعها في الجانب المظلم ، لكنها ـ على كل حال ـ بسيطة إذا ما قيست بحجم العمل الفعلي في هذه الظروف الصعبة ... لو توافرت النية الحسنة يمكن قلب الصورة ( صمت )
قد لا يقتنع سيادته بالحجج التي سأقدمها ! هذا أمر يعود إليه ... سأقول : نعم إن غرفة التحكم انزلقت نحو مجرى القناة قليلاً . كل الأشياء تنزلق ... رغيف الخبز ـ هو الآخر ـ ينزلق ... حياتنا نفسها تنزلق . لا ، لن أقول شيئاً عن رغيف الخبز ، هذا حديث في السياسة . بت أكره السياسة . يجب أن أركز الحديث على الغرفة ... بعد الانزلاق قام مهندس التنفيذ بإعادتها إلى وضعها بسهولة ويسر ، إي والله العظيم ! لم يتطلب الأمر سوى مبلغ زهيد ... الخطأ ليس خطأ المهندس أبداً .... في مخطط المشروع لم يحدد موقع الغرفة ؛ لذلك اختير الموقع فوق طبقة الردميات القريبة ... هذا كل شيء ( صمت قليلاً ، ثم يتساءل كمن يحاول التذكر) . هل هناك شيء آخر ؟ آ ، نعم ، ربما تطرق إلى استخدام الآليات للأغراض الشخصية ! أو موضوع الدواليب ... البنزين .. القطع التبديلية ! في الحقيقة كل مهندس لديه سيارة تحت تصرفه . ( صمت )
إذا سأل السيد الوزير : لماذا سمحتم بذهاب السيارة الشاحنة إلى بيت فلان الفلاني ؟ أو لماذا وافقت على تسليم قسائم بنزين ، ودواليب ، وقطع غيار إلى الجهة الفلانية ؟ أو لماذا أرسلت ( التريكس ) إلى بيت فلان ؟ ماذا سأقول ؟ طبعاً سأقول الحقيقة ، وليحدث ما يحدث . هنا لا يستطيع ابن امرأة أن يتجاهل أي طلب ، أو يطنش ... حتى ( الأستاذ ) نفسه لا يستطيع . إي نعم سيدي لا يستطيع ... ذات مرة ذكرت للأستاذ موضوع الطلبات ؛ فقال لي بالحرف الواحد : هذه تصرفات فردية . بعدها سكت .... بربك هذا جواب ! يعني لو كانت التصرفات زوجية ... ماذا سيفعل ؟ الجواب نفسه . هذا لا يقدم حلاً مقنعاً ...... أنا أريد حلاً . ( صمت )
لو يتعطف سيادته ، ويقعد هنا بضعة أيام ، عندئذٍ سيعرف الحقيقة ، ويكون حكمه عادلاً ، أما أن يفعل خلاف ذلك ، فتلك بلوة مطينة بطين ! أنا ماذا يهمني إن ركب فلان الفلاني من الشباب سيارة مرسيدس ، بينما يركب مدير المنطقة سيارة خردة ، من جيل ستي ؟ أمر لا يعنيني من قريب أو بعيد ، ولا يشغل فكري ... عند الضرورة أركب أي حمار وأنا مرتاح البال ... ولكن ... هل يكون كاتب التقرير قد ذكر شيئاً عن موضوع قطع الغيار لسيارة الـ ... ؟ ماذا ستقول يا هَمَّام ؟ ( يدخل المهندس سعيد ) .
سعيد : هل هناك أخبار جديدة ؟ انتصف النهار ، ولم يأتِ سيادته ! هَمَّام : من المحتمل أن يصل بين لحظة وأخرى .سعيد : أراك مستغرقاً في التفكير ! هل توصلت إلى شيء ؟ هَمَّام : حتى الآن لا شيء ... مجرد خواطر وتكهنات .سعيد : من جهة الغرفة لا داعي للقلق مطلقاً . كل شيء على ما يرام ، باستثناء التكاليف الإضافية المترتبة على إعادة الغرفة إلى وضعها السابق .هَمَّام : أنا لا أفكر بالتكاليف ؛ لأن ذلك بات أمراً معروفاً .سعيد : إذاً ما الذي يزعجك ؟هَمَّام : هل تذكر كم مرة أرسلت ( التريكس ) إلى صاحبنا ؟سعيد : نعم ، أظن خمس مرات ، أنت تعرف أنه يبني بيتاً جديداً ، وأظن أن السيارات الشاحنة نقلت عشر نقلات رمل وتراب وإسمنت من الورشة إلى البيت ، ومرة أو مرتين نقلت بعض المواد إلى الضيعة . هَمَّام : وبقية الشباب ؟ سعيد : الشيء نفسه ... اطمئن كلهم على قدم المساواة .هَمَّام : ماذا بشأن الدواليب ، قسائم البنزين ، قطع الغيار ؟سعيد : أستاذ هَمَّام ! هون عليك ، نحن لسنا الوحيدين .هَمَّام : أظن أن الغرفة ستكون مقدمة للدخول في متاهة لا يعرف نتيجتها إلا العزيز الجبار .... عندئذٍ لن ينفعنا أي شخص . ( يرن جرس الهاتف ، يتناول هَمَّام السماعة بسرعة ) : ألو ... نعم ... لا ، لا لن أتأخر .. أقصد ... لن أستطيع الحضور .. مشاغل ... ضيوف ... لقد نسيت يا ستي ! اعتذري بالنيابة عني ... يا ستي ! السبب سيادة الوزير .. إي نعم ، نحن بانتظار وصوله ... صوتي ! ما له صوتي ؟ أبداً ، بعض الإرهاق .. يا ستي ! قلت : إرهاق ... اطمئني ... لا شيء ... قلت لك لا شيء ... المسألة لا تحتاج إلى قلق ...عندما أعود إلى البيت سأشرح لك كل شيء بالتفصيل كما تريدين ... على الهاتف لا يمكن ... قلت لك : لا يمكن ...مع السلامة . ( يضع السماعة ، يأخذ نفساً عميقاً ) .
سعيد : وزارة الداخلية ؟ هَمَّام : نعم ... لقد شعرت ـ من صوتي ـ أن شيئاً غير طبيعي يحدث .سعيد ( يلوح بيده ) : وهل هناك شيء طبيعي ؟ هَمَّام : يبدو أن الأمور تسير بالمقلوب ! سعيد : قد يحدث أن يخرج القطار عن السكة بسبب عطل طارئ ! ( ينظر أحدهما إلى الآخر ) .
ظـلام
المشهد الرابع
( هَمَّام ، سعيد ، إبراهيم ، حَوَّاس ، جاسم ، فدوى ، زيا ) ثم ( الوزير ، المحافظ ، المهندس العجوز المهندس جلال ) .
هَمَّام ( يتأمل أرجاء المكتب ) : هذا أفضل ... لقد أُعيد ترتيب المكتب وقاعة الاجتماعات .حَوَّاس : وعُلقت المصورات ، ولافتات الترحيب ، والأعلام ، وصار كل شيء على أتم ما يكون .إبراهيم : القيود والسجلات جاهزة ... نحن رهن الإشارة . جاسم : والآليات كلها في مواقع العمل .سعيد : وإضبارة غرفة التحكم جاهزة ، وهي لدى الآنسة فدوى .فدوى : هل سيطول انتظارنا ؟هَمَّام ( ينظر إلى الساعة في معصمه ) : سيصل الموكب بعد قليل . ( يلتفت إلى حَوَّاس ) دع الأبواب مشرعة .... فإذا مرَّ الوزير من هنا رأى كل العامل في مكانه ..... شدوا الهمة ياشباب ! ( يعيد النظر إلى أثاث المكتب ) هذه الطاولة يجب أن توضع هناك ، إنها تقع في طريق الوزير ، وهذه المدفأة ارفعوها من هنا إلى الخارج ...حَوَّاس ( مقاطعاً ) : عفواً ، لو سمحت ... من رأيي أن تبقى في مكانها كما هي .هَمَّام : ممكن تشرح وجهة نظرك بسرعة !حَوَّاس : باختصار شديد ... المدفأة والبواري والكراسي و ... من الأثاث ، وهذا لا يمكن شراء بديل عنه إلا بموافقة السيد رئيس مجلس الوزراء .إبراهيم : هذا صحيح ، لا بُدَّ من الموافقة ، والموافقة لم تصدر ؛ لذلك نتحمل هذا الوضع ، ولا نخالف التعليمات .هَمَّام : نعم ، نعم .( تُسمع أصوات سيارات قادمة ؛ يخرجون بحركات لولبية ، متداخلة ، يصطدم أحدهم بالآخر . تسقط طاولة صغيرة ، يُسرع حَوَّاس ويُعيدها إلى وضعها . بعد مدة وجيزة يدخل الوزير ، يتبعه المحافظ ، ثم المهندس العجوز وبقية الشخصيات ) .الوزير : لولا رغبتي في مراقبة سير العمل بالمشروع مراقبة ميدانية ، والاطلاع على نسبة الانجاز ، وتحديد الصعوبات التي تعوق العمل ، لما تجشمت عناء السفر .... جسمي لم يعد يحتمل التعب .المحافظ : إنه مشروع هام ، وهو في الحقيقة بحاجة إلى إشرافكم وتوجيهاتكم . لديكم خبرة كبيرة في هذا المجال . جلال : ما يثير القلق هو أرقام نسب الانجاز التي اطلع عليها سيادته ! يلاحظ وجود تأخير واضح .( يقعد الوزير خلف المكتب ، ثم يتوزع الحاضرون على الكراسي )
الوزير : سنقضي على مواطن الخلل بحزم ، وسنحاسب المقصرين دون شفقة أو رأفة .المحافظ : هذا أقل ما يمكن فعله ... الحزم مطلوب ، والمحاسبة ضرورية ، ومن جانبنا سنسعى إلى متابعة كل صغيرة وكبيرة .حَوَّاس ( ينهض، يقف قبالة الوزير ) : اسمحوا لي يا سيادة الوزير ! أن أرحب بكم وبصحبكم الكرام نيابة عن العاملين في هذا المشروع ، من مهندسين ، وفنيين ، وإداريين ، وعمال . الوزير ( بوجه عابس ) : تفضل رحب ، وإن كان السماح لك بالترحيب يتوقف على مدى الجهد في العمل ، الجدية في العطاء ، الاندفاع في خدمة وطنكم العزيز .حَوَّاس : وطننا عزيز ، كما تفضلتم ، وسيبقى ـ بعزيمة أمثالكم ـ عزيزاً ، سيداً ( يمد يده إلى جيب سترته ، يسحب ورقتين ، تسقط إحداهما على الأرض دون أن ينتبه إليها . يلاحظ الوزير سقوط الورقة ، بينما كان حَوَّاس يهيئ نفسه مثل خطيب في حفل كبير ) سيادة الوزير المحترم ! السيد المحافظ المحترم ! يشرفنا ، ويسعدنا ، وتعتمر نفوسنا غبطة وحبوراً بوجودكم بيننا في هذه اللحظات الحاسمة ( يحدق في الورقة ) .. في الليلة الفائتة لم يغمض لي جفن ، كنت أتعذب ، العذاب يأكل أحشائي ، تطوقني نار شوق ، ولهفة ، وانتظار . لم يبرح مخيلتي طيف الخدان الورديان ، والعينان الناعستان اللتان تطلقان سهام الوجد ، أما القد المياس ... المياس .. س ..... فـ ( يتوقف عن الكلام مرتبكاً ، يقلب الورقة باضطراب ! يداه ترتجفان ، ينظر حوله بعينين زائغتين ... الأيدي تشير إليه ليلتزم الصمت ، لكنه كان كالأعمى ) .الوزير ( منزعجاً ) : ما هذا الكلام الأخرق ؟ تقرأ على مسامعنا رسالة غرامية !حَوَّاس ( بتذلل ) : يوجد لبس بالموضوع ! في الحقيقة كنت أود أن أعبر عن حقيقة مشاعري ... لقد كتبت ذلك ... بالفعل كتبت ... و ... ( يرتجل ) سيادة الوزير ! لقد ضربتم ...الوزير : يا بني ! لم نضرب أحداً .حَوَّاس : أقصد ... ضربتم أروع الأمثلة في البذل والعطاء . إن تاريخكم الناصع لهو دليل وبرهان على ما أقول ، ولنا في سيرتكم الزاخرة خير زاد ، وأفضل معين لاتخاذكم قدوة حسنة ، ومثالاً عظيماً ( يقلب الورقة بين يديه مرة ثانية ) نحن رهن توجيهاتكم وإشارتكم ... سنبذل الغالي والرخيص من الرزق الحلال ، والدم والمال ... المال دون منة من أجل أن نحظى برضاكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .الوزير ( يوجه كلامه إلى حَوَّاس ) : انظر إلى الأرض ... تلك الورقة سقطت منك .( يسرع حَوَّاس إلى التقاطها ، يفتحها ؛ يبتسم ) .
الوزير : حسن ، حسن . قبل دخولي هذا المكتب قمت بجولة سريعة على الموقع ... إن مقابلة الأرقام المرفوعة إلى الوزارة حول نسب الانجاز مع الواقع الفعلي تدل على وجود خلل ... والإنجاز الحقيقي في أدنى المستويات ، هذا يعني وجود فوضى ، نعم فوضى ( يشدد على مخارج الحروف ) مقصودة ! أرقام غير دقيقة ... هذا تسيب ، قلة اهتمام ، عدم احترام للعمل ! لذلك سأضع رقبة كل مقصر تحت قدمي هاتين ، سأعيده من المكان الذي جاء منه إلى هذه الدنيا ( يمد يده إلى جنبه ، يضعها على المسدس ، ينهض واقفاً ) عشرات العمال ، الآليات ... الأجور... والنتيجة لا شيء البتة . تريدون إخفاء الحقيقة ! من يخفِ عين الشمس بغربال يعرف النتيجة . الجداول التي وصلت الوزارة كانت وهمية ( يقرع الطاولة ) سأقطع دابر كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الشعب وأمواله . التهاون مرفوض .. على كل حال ( يأخذ نفساً عميقاً ، يتابع ) سأترك في قلب كل مقصر منكم جرحاً لا يندمل ... التقصير خيانة .. التقصير خيانة ( ينسى الوزير نفسه ، يحسب أنه يخطب في مسيرة ، أو مظاهرة ؛ فيطلب إلى الحضور أن يرددوا وراءه : " التقصير خيانة " . تتعالى الأصوات بالهتاف ( يشير إليهم بيده أن يخفضوا الصوت قليلاً ، وبحركة سريعة أنْ : اصمتوا ، يتابع ) طبعاً أنتم لا تجهلون عقوبة الخائن ... القتل .. الذبح هذا هو أقل ما يستحق . نحن محاصرون ، والحصار يفرض علينا المقاومة ، وبذل الجهد والدم والعرق من أجل المحافظة على كرامتنا . لقد اخترنا طريقاً صعبة ، وعلينا الصمود والصبر حتى نحقق أهدافنا . لقد ارتكب بعضكم أخطاءً ، وسيحاسب عليها ... نعم ... غرفة التحكم مالت وانزلقت ! السؤال الذي يفرض نفسه : لماذا انزلقت ؟ هل يوجد عاقل في هذا الكون يبني غرفة فوق طبقة من الردميات ، يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار؟ من هو ذلك المجنون ؟ دلوني عليه ... عليه دلوني ... ثم ما قصة الآليات ؟ هل هي ملك آبائكم حتى تتصرفوا بها : إعارة واستعارة من أجل المصالح الشخصية ؟ اسمعوا ! بين يدي تقرير مفصل، لن أتهاون في القصاص " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " . أين مدير المشروع ( يتقدم هَمَّام ، يبادره الوزير ) ما أسباب التقصير ؟ هَمَّام ( شبه متلعثم ) : سيادة الوزير ! توجد جملة .... من الأسباب ...الوزير ( يقاطعه ) : هات جملة مفيدة .هَمَّام : المواد الأولية ...المخصصة .. تصل بكميات قليلة ... وبأوقات غير ... منتظمة ... وبالنسبة إلى الآليات ... يوجد نقص ... كبير في الدواليب ... والزيوت ... وقطع الغبار ، و...الوزير : هذه ليست أسباب مانعة ، ابحث عن حل .... لا أريد للحديث أن يطول . ارفع جدولاً مفصلاً بالحاجة الفعلية ... سأترك معالجة الأمر للمهندس جلال ( يلتفت إليه ) عليك متابعة الموضوع ، وتقديم المقترحات والتوصيات . ( يغادر المكتب ، يمشي خلفه المحافظ ، ثم الآخرون . تصل أصوات السيارات المختلفة )
ظــلام
المشهد الخامس
( جلال ، هَمَّام ، سعيد ، زيا ، فدوى )
جلال : هذا أمر لا يمكن السكوت عليه مطلقاً ! هذا ضرب لاقتصاد البلد .. هدر للمال العام ، وإساءة في التصرف .( يُعيد ترداد كلمات الوزير ) أريد أن أعرف من هو ذلك الغبي الذي قرر بناء الغرفة فوق طبقة الردميات ! من هو ؟ هذه أموال الشعب ترمى هكذا ! أين أنت يا مهندس التنفيذ ؟ كلكم نيام ! مهزلة !هَمَّام ( محاولاً تخفيف حدة غضبه ) : يا أستاذ ! لو سمحت ، إن المسألة لا تستأهل منك كل هذه الثورة ، الأمر بسيط ، لا بل في غاية البساطة . لقد اتخذت الإجراءات المناسبة ، وعادت الغرفة إلى وضعها ، وهي الآن ...جلال : يجب أن تعلم ... الأمر ليس بسيطاً كما تتوهم ! إن ميل غرفة التحكم نحو جسم القناة يعني شيئاً كثيراً ، وتقول إنه بسيط ! كيف تتصور أنت البساطة ؟ هل تعلم يا أستاذ ! أن الفأر الأحمر كان السبب في إحداث شرخ في سد مأرب !فدوى ( بين السخرية والتعجب ) : فأر أحمر في سد مأرب ! أحمر في مأرب ! زيا : سمعت بعلم أحمر ، جيش أحمر ... أحمر الشفاه .. أما فأر أحمر ، فلم أسمع به من قبل ! جلال : نعم ، الفأر الأحمر دمر سد مأرب ... عندما هطلت الأمطار توغلت السيول في الشرخ ؛ فتداعى السد ... سد مأرب يا أستاذ ! كيف سيكون حال غرفة التحكم ؟ إن ما حدث أخطر من الفأر الأحمر . هَمَّام ( يحدث نفسه ) : ليس هناك فأر أحمر ، أو أزرق ، وأنت موجود ! جلال : ماذا تقول ؟هَمَّام : كنت أقول : هدئ من روعك قليلاً ، إن ما قمنا به ..جلال : إن ما قتم به لا يشرفكم من الناحية الفنية ... الغرفة التي تتحكم ببوابات المأخذ الرئيسي لقناة الجر تميل نحو اليمين ...سعيد ( يحاول تخيف وطأة الكلام ) : هل ترغب سيادتكم أن تميل نحو اليسار ؟ زيا : الدول كلها أخذت تميل نحو اليمين ، والغرفة ...جلال ( بغضب ) : ماذا قلت ؟ إلى أي شيء ترمي ؟ ابتعد عن السياسة . سعيد : سأشرح لكم ما حدث بالتفصيل .فدوى ( هامسة ) : واشرح لها عن حالتي .جلال : أنا من سيشرح لكم ، سأحيل الموضوع إلى الرقابة والتفتيش للتحقيق ... نعم ، التحقيق يا حلوين ! هَمَّام : تفتيش ، تحقيق ! سعيد : تحقيق !فدوى ( تزدرد ريقها ) : تحـ ... تحـ ... قيق ... قيق ! جلال : توقفي عن هذا القيق ... قيق . سعيد : لو تفضلتم ... سأشرح المسألة ، وبعدها افعل ما تريد .جلال : تفضل ، هات ما عندك ، أفدنا أفادكم الله . أريد أن أسمع ، وأشاهد ، وأعاين . هذا ما جئت من أجله مع سيادة الوزير الذي أعطاني كامل الصلاحية لمعالجة الموضوع ، وسأكون عند حسن ظن سيادته . سعيد : لو دققتم المخططات لما لاحظتم أية إشارة إلى مكان غرفة التحكم ... هناك إشارة إلى وجود غرفة ، لكن دون تحديد المكان ...، وهنا المشكلة !جلال ( رافعاً حاجبيه ) : ماذا تقول ؟سعيد : هذا هو الواقع ، ورغبة من الشركة في بناء الغرفة بأقل التكاليف استقر الرأي ـ بعد دراسة الموضوع ـ على إنشائها فوق طبقة الردميات ؛ بسبب قرب المكان ، و ..هَمَّام : ولأن الدراسة المعدة للطبقة لم تمنع من البناء . هذا ما حصل .جلال : ردميات ! قال ردميات قال ! مع ذلك كان يجب أخذ الحيطة والحذر ... إن عمق الطبقة ثمانية أمتار . هَمَّام : المسألة تطورت فيما بعد ، فقد قام أحد المهندسين بإغلاق البوابات الرئيسية على مجرى النهر ؛ لذلك تحولت المياه إلى القناة ، وارتفع المنسوب ، فتسرب في الطبقة ، عندئذٍ انزلقت الغرفة قليلاً نحو المجرى . جلال : لماذا أقدم المهندس على ذلك قبل الانتهاء من انجاز القناة بشكل كلي ؟ ثم كيف توصلت إلى تلك النتيجة ؟ هَمَّام : إغلاق البوابات كان بناء على طلب الخبراء للتجربة والاختبار ، وهذا يوضح سبب انزلاق الغرفة . زيا : في هذه الحالة كان لا بد من معالجة الأمر بسرعة .جلال : وماذا أبدع خيالكم ؟سعيد : رفعتُ الغرفة بما فيها من أجهزة ومعدات بواسطة الروافع ، ثم قمتُ بصب بلاطة مسلحة بسماكة 40 سم ، وربطها بجسم القناة ، بعد ذلك أعدتُ الغرفة إلى مكانها ، وقد تركتُ ثقوباً جانبية في البلاطة ، كمنافذ يمكن بواسطتها التحكم بحركة الغرفة مستقبلاً .جلال : هذا الأمر كلف أموالاً ووقتاً . هَمَّام : أمر طبيعي ، لكن ليس كما تتصور . جلال : ما الذي أتصوره حسب ظنك ؟ أنتم تريدون ضرب الاقتصاد الوطني ، وتأخير انجاز هذا المشروع الحيوي .. عندما أعود إلى العاصمة سيكون لكل حادث حديث ... المسألة ليست بمثل البساطة التي تتخيلها . هَمَّام ( هامساً ) : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . كلام كبير من أجل أمر تافه ! ما هذه المصيبة ؟جلال : أستاذ ! بماذا تبرر حضرتكم ؟هَمَّام : أقول اللهم ! خذ بيدنا إلى ما فيه الخير . جلال : أي خير ترجو ؟هَمَّام ( بانزعاج يغير وجهة الحديث ) : هل ترغب في الاطلاع على مخططات المشروع ؟ جلال : نعم أرغب ، أريد ... لماذا لا أريد ؟ ( يضع سعيد المخططات على الطاولة أمام جلال ، فيتحلق حوله كل من : هَمَّام ، سعيد ، زيا ، وفدوى ) .سعيد : هذه هي مخططات المشروع ، شرف انظر ، ليس فيها إشارة إلى مكان وجود غرفة التحكم .جلال ( يتأمل المخططات ) : لكن هناك إشارة إلى وجود غرفة ! سعيد : نعم إلى وجود غرفة ، وليس إلى مكانها ، والفارق واضح .جلال ( يرفع رأسه ) : مهما كانت الأسباب والظروف فإن بناء الغرفة فوق طبقة الردميات ، ثم ميلانها نحو ... كل هذا يعني وجود تقصير وإهمال . زيا : نحو اليمين ؟ يا سيدي ! كل صاحب جيب متخم يميل إلى اليمين ... أما المفلس ، المعتر ، فعلى العكس ... الدنيا مثل كفتي ميزان .جلال : إلى ماذا ترمي من وراء كلامك ؟ زيا : لا شيء ، لا شيء . إذا خطر ببالك خاطر ما ، فأنا بريء منه ( تخرج فدوى ، ثم تعود بصينية القهوة ) .جلال : أنت ألا تريدين قول شيء في هذه المهزلة ؟ فدوى : أستاذ ! أية مهزلة ؟ لا توجد لدينا مهزلة . جلال : غريب ... عجيب ! هَمَّام : أرجوك ، الموضوع برمته لا يدعو إلى السخرية ... افعل ما تراه مناسباً .جلال : ماذا تعني ؟ ألست خائفاً ؟ هَمَّام : كل إنسان يخاف ... وموضوع الغرفة بالذات لا يدعوني إلى هذا الشعور . جلال : هكذا إذاً ! وموضوع الآليات ، والبنزين ، والدواليب ألا يدعو ؟ هَمَّام : في الحقيقة إن موضوع الآليات ... جلال : الأمور واضحة ، والحقيقة تقول : آليات الشركة تسخر لخدمة بعض الأشخاص ... أكثر من مرة وافقت أنت على إرسال الشاحنات لمسافات بعيدة ... تنقل عفش فلان ، ومواد مختلفة لفلان ... كل ذلك حصل وحصل ، ثم الدواليب .... هناك موافقات بتوقيعك تتضمن تسليم عدد منها ، بقياسات مختلفة ، إلى أشخاص معينين ... ثم قسائم البنزين ، وقطع الغيار ... فما قولك ؟ هَمَّام : المسألة ... في الحقيقة ... جلال : هل نسيت ذلك ؟ سعيد : بالنسبة إلى الدواليب ...جلال : اسكت أنت .هَمَّام : لا أبداً ، لكن ... الأشخاص .. يعني الموضوع ... سأشرح لك ... ليس باليد حيلة ..... جلال : نعم حبيبي ! ليس باليد حيلة ! هناك قانون ... نظام ... دولة ... يجب أن تفهم . زيا ( هامساً ) : قال يفهم قال ! سعيد : أستاذ ! الوضع هنا يختلف ... جلال : حبيبي ! الوضع هنا مثل الوضع هناك . فدوى : الوضع كما قال الأستاذ سعيد . جلال : ماذا قلت يا عين أمك ؟ فدوى : لم أقل ... جلال : هذا أفضل ... إي أستاذ هَمَّام ! ، ما رأيك ؟ هَمَّام : الأشخاص ... الأشخاص هم ... اقصد ...جلال : فهمت . كان بإمكانك أن تخبر السيد المحافظ .هَمَّام : لقد فعلت ، ولم يتبدل شيء . جلال : ما دمت لا تستطيع ، كان الأجدر بك أن تقعد في البيت ، وهذا أشرف لك ... كل الحجج مرفوضة .هَمَّام : هذا ما حدث . جلال : تصرفات غريبة ! تخلي الإنسان يطق ، يفرقع ( يضع يده على بطنه ) أين الحمام ؟ دلوني على الحمام ( يخرج بسرعة ) .هَمَّام : الحمام هو الدنيا ، نأتي قبله بدقائق معدودات ، ونذهب بعده بساعة أو بعض الساعة ... طوبى للذين يغادرون الدنيا دون حمام . ظــلام
المشهد السادس
( هَمَّام ، سعيد ، زيا ، إبراهيم ، حَوَّاس ، جاسم ، فدوى ، المهندس العجوز جلال )
هَمَّام : العياذ بالله . مصيبة حلت على رؤوسنا ! سعيد : لا عليك أستاذ هَمَّام ! ألا تراه مثل المهبل ؟زيا : فعلاً ، له تصرفات غريبة ! فدوى : هل صحيح أن هذا العجوز مهندس بالفعل ؟ هَمَّام : مع الأسف هذا هو الواقع ! وأظن أن في رأسه وشة ( بشير إلى صدغه الأيمن ) الطوابق كلها مؤجرة . حَوَّاس : مفروشة ؟ هَمَّام : ما هي المفروشة ؟حَوَّاس : الطوابق المؤجرة .هَمَّام : أرى رأسك مؤجراً هو الآخر ! ما هذا الذي فعلت عندما كان الوزير هنا ؟ حَوَّاس : وقع لبس بالموضوع . هَمَّام : رحت تتغزل بقد الوزير المياس ، وعينيه الناعستين ، وتشكو لوعة الغرام ، وآلام الفراق ! ألم تلاحظ قامته التي تشبه الخيارة المبعجرة ، وعينيه الحمراوين كحبة البندورة ، وأنفه ؟ آخ من أنفه الذي يشبه منقار الدجاجة !حَوَّاس : اختلطت الأوراق ... سقطت ورقة كلمة الترحيب من يدي ، بينما ظلت الرسالة التي كتبتها إلى محبوبة القلب عالقة بها ... ارتبكت !إبراهيم : كان خطأ في الحساب . هَمَّام : حساب ! أي حساب ؟زيا : قد يخرج من الحمام في أية لحظة ! سعيد : أمثاله لا يجدون الراحة إلا في الحمام ... رائحة ممسكة ، معطرة . فدوى : خف يدك عن الزلمة .سعيد : أنت هنا ! أنا آسف . هَمَّام ( يرفع سماعة الهاتف ، يدير القرص ، يتكلم ) : ألو ... ألو ... نعم أنا هَمَّام ... أهلاً بك ... لا والله ! ليستُ على ما يرام بعد أن حلَّ بالديار ذلك الـ ... بالضبط مندوب الوزارة ... هو نفسه ... هل تعرفه ؟ ... ماذا تقول ؟ ... رجل معقد ! ..... يا حبيبي ! ... طالع نازل ! ... لا أحمل كلامه على محمل الجد ! .. لكن ... ماذا ؟ ... أتركه ، وأذهب ! ... إنه مندوب الوزارة ، ومن غير المعقول ... تعرفه حق المعرفة ؟ ... لن يستمع إليه أحد في الوزارة ! ... لكن الوزير نفسه كلفه ... هو الآخر لن يستمع إليه ، معقول ! ... نعم ... طرطور ! .. صحيح ؟ .... شكراً شكراً .. الله يعطيك العافية ... سلامات . ( يضع السماعة وعلى وجهه ابتسامة عريضة ) . زيا : ما الأخبار ؟ ما هي حكاية صاحبنا بالضبط ؟ هَمَّام : يقول صديقي في الوزارة إن المندوب رجل نص كم .سعيد : يعني مؤجر ، بايع الحمارة وكرتها ! فدوى : إذا كانت هذه حالته لماذا كلفه الوزير ؟ من يراه يحسبه قراقوش زمانه ، يحكم على مزاجه ، ويعدم ! هَمَّام ( ضاحكاً ) : قد يكون ذلك من باب إجراء دورة تدريبية على طرق الجنون الحديثة ! جاسم : هل يمكن كتم صوته ، ومنعه من الحديث عن الآليات ؟ إبراهيم : كل شيء ممكن ... وغير ممكن . فدوى : ها هو قادم .حَوَّاس : أراه فرحاً ، نشيطاً ، كأنه تخلص من حمل ثقيل ! ها هو يبتسم ... يبتسم ... الحلو تبسم ، تبسم والنبي .. ( يدخل جلال بتؤدة )
جاسم ( ينظر إلى جلال ) : شفيتم ، الحمد الله على السلامة .جلال : نعم ! على ماذا ؟ جاسم : لا شيء ( هامساً ) اعتقدتُ أنه حصل استعصاء ! جلال : ماذا تقول ؟ هل قلت استعصاء ؟ أنا مندوب الوزارة لا أسمح لأي منكم أن يتفوه بكلمة في غير موضعها . هَمَّام : أستاذ جلال ! هون عليك ، كان يمزح . جلال : يمزح بمثل هذه الأمور ! لا ... لا ... إن المزاح يقلل الهيبة .إبراهيم : هيبة قد حملة شاحنة .جاسم : قاطرة ومقطورة .جلال : ماذا جرى لكم ؟ قبل قليل كنتم كالخراف الوديعة ، والآن أسمع وأرى غمزاً ولمزاً ! اسمعوا جميعاً : أنتم مخربون ، هدامون ، تريدون تدمير ...هَمَّام : أستاذ جلال ! على مهلك ، خذنا بحنانك . صحتك بالدنيا ... تفضل استرح .. لو سمحت ، نحن نسعى إلى الاستفادة من خبرتك الطويلة في مجال الأعمال الإنشائية والإدارية ... نطلب الحكمة من شخص يملك تجربة مثلك ، ينظر إلى الحياة بعين فاحصة مدققة.. أنت كنز من المعرفة ... يعني خذنا بحلمك ، بحنانك . فدوى : إي والله ! خذنا بحنانك خذنا .جلال : أنتم لا تستأهلون أي شيء ( صمت ) . ما أراه أمامي هو مهزلة ! نعم مهزلة .سعيد : على رسلك يا أستاذ ! لماذا كل هذه الثورة ؟ هَمَّام : الصبر يا أستاذ جلال ! حَوَّاس : لقد ثبت بالدليل القاطع ...إبراهيم : والمستندات الموثقة أصولاً ..جلال : اسمعوا جميعاً ... أنتم جبناء ... أنتم .. ( يرن جرس الهاتف ) .هَمَّام ( يرفع السماعة ) : ألو ... نعم ... أهلاً بكم ... سيارة شاحنة ! أرجو أن تعذرني ، والله ! عندي ..... نعم ..... السيد مندوب الوزارة في مكتبي ، ولا أستطيع ..... أنت تعرف ذلك ؟ تريد أن تكلمه ؟ ... تفضل ( يقدم السماعة إلى جلال مبتسماً ) جلال ( قبل وضع السماعة على أذنه ) : مَنْ المتكلم ؟ هَمَّام : كلمه تعرفه .جلال : نعم ، أنا مندوب الوزارة ... تحقيق .... أنت تعرف ! ...... ما هو المطلوب ؟ ..... إرسال سيارة شاحنة فوراً ؟ .... مَنْ حضرتك ؟ ... أبو ... نعم ... فوراً ! ... هذا مخالف للقانون .... نعم ؟ ... تقول بلا قانون بلا بلوط ! .... يا أخ ! .... أنت لست بالأخ ؟ ... من تكون إذاً ؟ ... لا تغلط ، أنا مندوب الوزارة ..... نعم ! ... بلا مندوب بلا ... ( يتصبب جبينه بالعرق ، تناوله فدوى عدداً من المحارم الورقية ) اسمع ... اسـ .... سيارة .... فوراً ! .... هذا ... لا تعرف ؟ ... تريد ...... سأتصل بالسيد المحافظ ... تقول : افعل ؟ سيارة .... ( يبعد السماعة عن أذنه مشدوهاً ) العمى ! ما هذا ؟ يطلب مني شخصياً إرسال سيارة ! شيء لا يصدق ! ( يضع السماعة . تلتقي النظرات . يسود الصمت ) ســتار
يتبع