خالد المير محمود مشرف عام
| موضوع: الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام وأثره على المجتمع الإنساني بقلم الباحث الإسماعيلي خالد المير محمود الخميس أكتوبر 15, 2009 5:48 am | |
| الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام وأثره على المجتمع الإنساني للإمام جعفر الصادق علاقة وطيدة بالمجتمع الإنساني فهو أحد الأئمة المعصومين علينا سلامهم أجمعين جاء ترتيبه السادس بالنسبة للفترة المحمدية على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأتمّ التسليم, فالإمام بمعناه اللغوي هو الشخص المتقدم على الجميع في كافة الأصعدة, وعموم الميادين, وبالتالي فهو المرجعية في كل الأمور الحياتية, والماورائية , وهو المعلم الأعظم وخليفة الله عملاً بقوله تعالى : " إني جاعل في الأرض خليفة " . وهكذا فالله سبحانه دلّ على هذه الحقيقة في الإشارة الواضحة في عموم مبدعاته فالياقوت الأحمر أشرف الأحجار والنخيل أشرف الأشجار والخيل أشرف الحيوان وأكرمها قال صلى الله عليه وآله وسلم الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة . وهكذا حاجتنا إلى المعلم أصفى وأنقى البشر المتمثل بآية الخلافة , سار ٍ وباق ٍ ما بقيت السماء والأرض, وتأكيداً لهذه الحقيقة قال تعالى: " بسم الله الرحمن الرحيم ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس ". أي ما بقي الجنس البشري, في حالتيه الإنسانية المادية, أو الأثيرية الملائكية أي عالم الجنان الحياة الأخروية التي تنتظر الجنس البشري بأكمله .. والنسل المحمدي, هم الذين وقع عليهم قوله تعالى, وتعهّده لهم بهذه المرتبة العلية, التي لا يستطيع أن يتمثلها إنسان على وجه الأرض ِ, مهما أوتي من براعة, وحذاقة, ودهاء, وفكر, قال سبحانه : " كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين " . وهل هناك أعظم من غذاء العلم, في المنظور الإلهي السامي, المتظاهر المتجلـّي في صميم آياته, في قوله : " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ؟!. إنها قمة التفاضل الإنساني " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ". ومن هنا نستطيع القول : كان الإمام جعفراً (ع) الدواء الكافي, والبلسم الشافي لأهل عصره وزمانه, وأساساً لما تلاه من العصور ... تجلت حكمة الإمام جعفر (ع) وعبقريته, وفيضه, في كثير من الأمور, والإشكالات الماسة, والمعضلات الشائكة, لكنّ لكلّ إمام فيض أعلى ومنحىً خاصاً, يفرضها /الزمكان/, والحكمة الإمامية القائلة: " خاطبوا الناس على قدر عقولهم" . فكان أن ركـّز الإمام جعفر الصادق على (الدستور الإلهي, كطريق حياة ومنهجية عمل ), موضحاً بذلك, الحلال, والحرام, والعبادات أي فقه الرسول الأعظم الذي بدأ يتهاوى تحت وطأة الانحراف الناجم عن اتساع رقعة العالم الإسلامي ودخول غير العرب في بوتقة الدين وخروج أمر الخلافة السياسية عن البيت النبوي عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتمّ التسليم ومحاولات خلق هوّة بين الأئمة وأبناء الأمة فلزم هذا كله أن يخرج الإمام جعفر الصادق عليه الصلاة والسلام عن صمته ويعلن عن حقيقته ويضع درر جده وفقه الدين بمتناول تلامذة نجباء فكانت مدرسة الصادق عليه الصلاة والسلام. التي وضّحت وشرحت وأبانت كلّ ما خفي في عالم الدين فالولاية والطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ... كلـّها ألفاظ ومصطلحات قرآنية ورد ذكرها لكنها تحتاج كما ترون إلى تبيان وتوضيح فالصلاة لولا الرسول الأعظم لما عرف المسلمون معنى للصلاة ولا كيفيتها وطريقتها ولولا الأئمة لضاع المسلمون بألف طريقة وطريقة وبالرغم من حتمية وجودهم وقيامهم بدورهم نرى كيف أنّ الإسلام لم يسلم وأنّ المسلمون يختلفون في أخفى وأدق تفاصيل الدين وأجلى ظواهره ووضوحاته أيضا ً ..؟!!. وهكذا وقف الإمام جعفر (ع) ليبين : • الحلال وضرورة العمل به, لما فيه خير ومصلحة الإنسانية, الدنيوية الأرضية الطبيعية, ومصلحة الفرد العامل به, على الصعيد النفسوي الروحاني السموي, وصولاً للتحلـّق والارتقاء, وتلمـُّس الحقيقة النورانية, السمائية, المقبلين عليها, بعد فناء الأجساد الإنسانية, النمائية, وما أعظم أن نتنسم أنسامها, في حياتنا الأرضية, فيلذ للواصلين حلاوة الوصول, والالتذاذ بالمغيب, الذي بيننا وبينه حجاب من أدران النفس, وخسائس الشهوات . • الحرام وضرورة الابتعاد عنه, وعدم الانزلاق والتردي في مهاويه, والانغماس في أسوناته, والتعفن بعفوناته, وهذا له انعكاساته أيضاً, على البشرية, وعلى عموم الطبيعة, الحاملة للحياة, فينظف الحذرُ, الرحلة الإنسانية, ويطلقها باتجاه الكونية, فتسلم من الهزات الإجرامية, والأعمال الإرهابية, والخبثويات الشيطانية, والتسلـّط على الأسرة البشرية, بالأعمال الخادعة المدمـّرة, للحضارة الإنسانية, منطلق الحضارة الكونية, المأمولة, المومى إليها في سرّ الآية القرآنية: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " ألا وهو سلطان العلم, فلربما كنا بحاجة لنقل هذه الحضارة, إلى كوكب آخر, أو قرية أخرى على المستوى المحسوس المنظور بالحواس الطبيعية الخمس وكذا بالنسبة للنقلة النفسوية الروحية بالانتقال إلى عالم الجنان وكلا الطريقين نحن أبناء الإمام مطالبون بالسير بهما معاً وبتلازم لا انفكاك بينهما ... • العبادات : وهي الطقوس التي جاء بها رسول الإنسانية, ونور النبوات, محمد صلوات ربي وسلاماته عليه, وعلى آله, ليقوم الإمام جعفر بنقلها خدمة للدين الإسلامي, وقياماً بالمهمة, والتكليف الرباني, بصفته حائز مرتبة الإمامة, في عصره, وليكون هذا الإعلام, والإشهار, منه حجة على البشرية, بعد غياب شمس النبوات, بانتقال خاتم الرسل (صلى الله ع وآله وسلم ) وارتكزت مدرسته العظيمة تلك على مقولته الرائعة : ( كونوا لنا دعاة صامتين) . أي بالعمل في الحياة, على منهج أهل الحق العرفاني الإيماني المنزه, فيظهر تميز الإنسان وألمعيته, فيسأل عنه بالقول من هذا ؟ ما دينه ؟ ما حقيقته, وحقيقة معارفه, ومنبع سلوكه ؟ . فيوصف بالفضيلة, ويكنى بالخلق الرفيع, ويذكر باللطف والنبل, فتكون تلك المحاميد, مدعاة للآخرين, لينهجوا ذات النهج, ويسلكوا واضح المسلك, ويعبروا الطريق المستقيم, بأداء متناغم, مع دستور الباري,المنزه المجرّد, فيرتقي العمل الإنساني, إلى مصاف العبادة, وتسموا العبادة الطقسوية بالنفس الإنسانية إلى مقاماتها النورانية, الروحانية, وصولاً إلى نور الأنوار, الباري الذي يمد ولا يستمدّ, رب كل شيء, وخالق كل شيء, ونقف على حقيقة قوله تعالى : " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيـّكم أحسن عملا ً " . وهذه الحكمة, هي التي أسست دور الستر الأول, للأئمة الإسماعيليين, وأنتجت أعظم خلافة إسلامية, متواترة, هي الدولة الفاطمية, التي أظهرت كتاب الإمام جعفر الصادق إنه كتاب : (دعائم الإسلام في الحلال والحرام والعبادات ) أملاه مولانا المعز لدين الله الفاطمي (ع). عن آبائه, عن الإمام جعفر الصادق, عن آبائه, عن عليّ, عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله, وذلك على القاضي النعمان, بن حيون التميمي, المغربي قاضي الدولة الفاطمية . وقد تجلـَّت حكمة الإمام جعفر أيضاً, في تلامذته, الذين انتشروا في الآفاق, يظهرون أساسات الدين, وحقائق الطريق القويم, ويبذرون بذور الخير, عملاً بحكمته الصموتية, المتأنية فكان أن وصل الإسلام إلى ماليزيا وإندونيسيا من غير حرب وقتال وسلب ونهب وجواري وقيان فترسـّخ الإيمان, وتمكـّن الإسلام, بقيمه الحقيقية, من فضيلة, وحبٍّ للخير, ولا أدلّ على ذلك من ارتقاء هاتين الدولتين, إلى مصاف دول نمور آسيا, في العصر الحديث, إلا بإرجاعهما, إلى تأثيرات, ونفحات, وبذور تلامذة الصادق عليه الصلاة والسلام, وحكمته, ويكفي أن نعلم, أن من تلامذة الإمام جعفر ( أبا حنيفة النعمان ) القائل: لولا السنتان, لهلك النعمان. وهما السنتان, اللتان تتلمذ فيهما النعمان, على يدي الإمام جعفر الصادق (ع). فيما نرى إسبانيا, التي تمكـّن منها المسلمون, وعاشوا فيها سبعمائة سنة, لكنهم خرجوا بخفـَّي حنين, وختمت حياتهم فيها, بمحاكم التفتيش, وتكريس نزاع معمـّق, بين الشرق والغرب, حتى سرت مقولة ( الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا)؟!!, لم تستطع القصور الجميلة, ولا ابن زيدون, ولا ولادة, ولا الرقص والغناء العربي, والموشحات, أن يقرّب بينهما, ويغزل خيوط المودة, والمحبة, الانسجامية , لأنه غابت عن تيك المشهدية, لمسات الصادق, ورؤيته الثاقبة, التي تسري في الكائن البشري, بفعل التعطـّش الإنساني, للحقيقة المطلقة, كتعطش الظامئ للماء, والجائع للغذاء, والأرض للسماء, بقوّة الطبيعة العقلانية, المنطقية, المركوزة في عقولنا, وقلوبنا, هبة الله, ونعمته علينا, أقصد: (الإيمان) المخصوص بقوله تعالى " فطرة الله التي فطر الناس عليها ". لكن هذه الفطرة, تحتاج إلى من يوقظها, إنها لمسة الإمام, التي تشعل فينا فتيل النور, الدفين في أعماقنا, ودواخلنا, وجوارحنا, وخلجاتنا, وتنعكس على تصرفاتنا . لا بدّ أن نذكر أيضاً أنّ للإمام جعفر (ع) الباع الطولى في تأسيس مدارس العلم التجريبي فكان له تلامذة في الكيمياء والسيمياء والرياضيات أمّ العلوم وباقي الدراسات المهمة التي يحتاجها الإنسان ولا أدلّ على ذلك من ذكر ٍ لأحد تلامذة الإمام النجباءِ في هذا الميدان ألا وهو (جابر بن حيان): * ومع أنّ الإمام جعفراً كان ذا مكانة دينية عالية وكان بحراً في علوم الشريعة والحديث الشريف , فقد كان مولعاً بعلم الفلك وعلم الكيمياء , فلزمه جابرٌ يأخذ عنه أصول هذا العلم , ويستفيد من نظرياته وتجاربه .
وأخيراً فإن المدقق ليجد حقيقة أنّ معظم أصحاب المذاهب إن لم يكن جميعهم لم يطلقوا على أنفسهم تلك الألقاب التي وصلتنا عنهم وهي ( أئمة الفقه) وإنما تم إطلاقها عليهم بعد وفاتهم في غالب الأحيان من غير رضى منهم ولا قبول وهذا هو أشهرهم (أبو حنيفة النعمان صاحب المذهب) يسجن ويعذب بل يقتل آخر حياته لأجل أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وبسبب وقوفه إلى جانبهم ودفاعه المستميت عنهم وهناك فقهاء عظماء من تلامذة الصادق أكثر ذكاء وأعظم نباهة وأغزر فيضاً من أبي حنفية ومالك ٍ وابن حنبل والشافعي , لم يتم تصنيفهم أو إغداق رتبة: (إمام فقه) عليهم بل أحرقت مدوناتهم ومخطوطاتهم وشروحاتهم لأنهم أرسوا حقيقة ومجد الإمام جعفر حفيد رسول الله وأكدوا سيرهم على نهجه وانتسابهم إلى مدرسته العظيمة المتوحدة ولا أدلّ على ذلك من فقيه مصر الأعظم إنه الليث بن سعد ) وآخرون .
شكراً للأستاذ هشام, الذي أتاح لي هذه الفرصة, والذي قرأت له كتابين, سابقين, من عطاءاته, فأدهشني بأسلوبه, وأذهلني بغزارة اشتقاقاته, وما ذيـّاك, إلا من لطف الباري, وفيض مادة إمام العصر والزمان (ع) . نوَّر الله قلوبنا وقلوبكم جميعاً وسلام محبة لأسرتنا الكونية وعصبها الإنسان ومرشدها إمام الزمان (ع).
14 / 10 / 2009 خالد المير محمود – أديب وباحث إسماعيلي | |
|