رأيتُ الشامَ في حُلُمي

رأيتُ الشامَ في حُلُمي
للشاعر : سعود الأسدي

هَتَفْتُ بالشام ِ ما أحْلاكِ يا شامُ !
والشامُ تشهدُ أنّ اللـهَ رَسّــامُ
بريشة ِالحُسْن ِربُّ الكون ِزَخْرَفَها
كالشعرِ زَخرَفـَـهُ مَعْنىً وأنغـامُ
يا شامُ يا شامـة َالدّنيا وبسمتَها
لولاكِ ما قُلتُ : ثغرُ الدهرِ بسّـامُ
ولم اُعَيِّـدْ فأعيادي رَحَلْنَ ومـا
تَفَتَّحتْ في ريـاض ِالرّوح ِأكمـامُ
ولا عَزَفْتُ على قيثـارتي نَغَمـاً
عَذبــاً لتَدْمُـرَ(1) قد نَدّاهُ إحكامُ
ولا شَدَوْتُ بأشعـارٍ مُعَتَّقَـةٍ
غَنّـى بها بَعْدَ عشتاروتَ(2) آرامُ(3)
من " جاسم ٍ"(4) وأبو تمّامٍ اتّسقَتْ
أشعارُه ، وهـو للأشعــار تَمّامُ
وهوَ الذي اعتامَ من شعر الحماسةِ ما
يَعْتامُـهُ الذوقُ ، والأشعارُ تُعْتـامُ
" ألسيفُ أصدقُ "(5) لمّا قالَ مطلعَها
قالتْ لهُ : قلتَ قولَ الصِّدق ِ أقلامُ
والكُتْبُ في الدُّرْج ِ قالتْ في سرائرِها
لايعرفُ الصّدقَ في التنجيم ِنَجّـامُ
وَ " مَنْبج ٍ(6) ووليدُ الشعْرِ أرْسَلَهُ
كالغيمِ يَهْمـي لهُ في الحِسّ إرْهـامُ
حتى غَدَا كلُّ قوس ٍفوقَهُ قـُزَحـاً
مُضَمَّخـًا تستقي رَيــّاهُ أنسـامُ
رَعْياً لحِمْصٍ وديكُ الجنِّ (7) شاعرُها
فكمْ لهُ في بديع الشعـــر إسهامُ
أفديهِ من شاعر ٍ والمُجْنُ غَرَّمَــهُ
غُُرْماً ثقيلاً ، وأهلُ المُجْن ِ غُــرّامُ
قد رقَّصَ الجنَّ حتى غابَ فانتحبوا
والجنُّ مُذ ْ غابَ ديكُ الجن ِ أيتـامُ
يا شِعْرُ عَرِّجْ على الشهباءِ شامخة ً
بما ابتناهُ زكـيُّ العِرْق ِمقــدامُ
قد كانَ سيفاً وَصَمْصَاماً لدولتِهِ
ما كلُّ سيفٍ بيومِ الرّوْع ِصَمْصَامُ
وَسَلْ رُباها ورَبَّ الشعرِ ملحمة ً
تُعيدُ مجدَ الأُلَى في مجـدها هامـوا
للهِ دَرّكَ يا " كِنْديُّ " ( كَمْ دُرَرٍ
لكَ اشتهَى نظمَها في السِلْكِ نَظّامُ
أقمْتَ بالشعر مُلكاً لا حُدودَ له
بمثلِهِ أبـداً ما هَـمَّ هَمّـــامُ
وَنِلتَ خُلْداً وذي الأحقابُ شاهدةٌ
وسائـرُ الناس ِأيام ٌوأعــوامُ
وفي المَعَـرَّةِ عِمْلاقٌ به طلعتْ
شمسٌ فزالَ عن الأفكارِ إظلامُ
عَرَّى الحقائقَ حتى بانَ غامضُها
كالصّبح ِ وانزاحَ تضليلٌ وإيهامُ
قد شادَ للعقلِ لمّا أن أشادَ بهِ
صَرحًا ، ولكنْ قليلُ العقل ِهَدّامُ
من لي بعقل ِ"رهين ِالعقل ِ"( 9)أعبُدُهُ
رَبّاً ، فما تعبدُ الجُهّـالُ أصْنامُ
يا شعرُ عُدْ بي إلى الفيحاءِ(10) أسألُها
رَشْفاً لروحيَ مِمّا تسكبُ الجَامُ
فإن سَكِرْتُ فإنّ الوَجْدَ أسْكَرَني
شوقاً إليها وبعضُ الوَجْدِ إكرامُ
وإن شَقَقْتُ ثيابي فاعْذروا رجلاً
صلّى وصامَ لمنْ صَلَّوا ومنْ صاموا
كأنّ أنفاسَ مُحْي الدين(11) في جسدي
"ببابِ توما"(12) وقد أعياهُ تَهْيـامُ
إنّي لأسجدُ في الفيحاءِ مُسْتَلِماً
رُكنـاً لتاريخِهـا والعدلُ قوّامُ
على ضفافٍ لنهرٍ(13) جَالَ في خَلَدي
منذ ُ الطفولةِ ، فيهِ الطيرُ عَوّامُ
"جَرَى وصفّقَ يلقانا " لقائلها
من ربِّنا رحمـةٌ والشعرُ أرحامُ
كأنّما الموجُ خيـلٌ فيه سابحـةٌ
لها من الرّيحِ إسـراجٌ وإلجامُ
والزّهرُ في ضِفَّتيهِ نرجسٌ عَبِقٌ
أنفاسُهُ ، لا غَضَىً يُؤذي وقُـلاّمُ
وظبية ُالأنسِ تشدو في رفارفِهِ
يا ليلُ ! والليلُ رَغْمَ السِّتر نَمّامُ
والراقصاتُ حواري النبع ِقد أنِسَتْ
والوارداتُ ضفافَ النّهرِ آرامُ
والحاملاتُ بَخُورًا مِسْنَ من طَرَبٍ
مَيْساً ، وَرَفَّتْ مناديلٌ وأكمامُ
سُمْرٌ وشُقْرٌ بناتُ الشام ِقد وُصِفَتْ
بشعرِ مَنْ شِعْرُهُمْ تهْواه أفهامُ
فذا نِزارٌ (14)وقد أصْغى الوجودُ لهُ
مُذ جادهُ من إلهِ الشعر إلهامُ
أعادَ سحرَالهَوَى يا حسنَه غَزَلاً
فَذ ّاً ، همومٌ بهِ تُجْلَى وأسقامُ
وذاكَ" شبلي"(15) الذي غنّتْ قصايدُهُ
ببأس ِقوم ٍعلى الأتراك ِ قد قامُوا
وإنّ " سلطانَ باشا "(16) قائد ٌعلمٌ
بالنصر ِ يخفقُ ما وارَتْهُ أعلامُ
قد ثارَ والناسُ قد ثاروا لثورثِهِ
ورامَ فوزاً وقد فازوا بما رامُوا
و" مَيْسَلُونُ "(17) ثَوَى لَيْثٌ بساحتِها
هُوَ " ابنُ عَظْمَة َ" قد وَافاهُ إعظامُ
أولاءِ أقطابُ مََجْد ٍ تَمَّ عِقْدُهُمُ
لمّا أتى الشيخُ عِزُّالدين ِ(18) قسّامُ
كم صالَ في ساحةِ الهيجا وجالَ بها
كأنّهُ في رَحَى الميدان ِ ضِرْغَامُ
وهو الشهيدُ قضَى في " يَعْبَدٍ " ولقد
قامَتْ تظلّلُهُ في الأرضِ آجامُ
أولاءِ قومي وقد اُرضِعْتُ مجدَهُمُ
وقد كَبِرْتُ ولمّا يَـأن ِ إفطـامُ
من صُغْر سنّي حَلَمْتُ الشامَ أقدُمُها
وهي التي صاغَها عَزمٌ وإقدامُ
قد كنتُ طفلاً بأحلامي ويسعدُني
بأنْ أظلَّ ، وهلْ في الحُلْم ِاُلتـامُ
واليومَ حينَ رأيْتُ الشّامَ في حُلُمي
وقد سَعِدْتُ ، فهلْ لي بعدُ أحْلامُ
حقّقْتُ حُلْميَ في حُلْمي فَوافَرَحي
فللحزين ِمن الأفراحِ أيّامُ
آلامُ روحيَ قد زالتْ برُؤيتِها
فعَنْ فلسطينَ هلْ تنزاحُ آلامُ
فالقدسُ في جُرْحِها والجُرْحُ يُؤلمُهـا
والشامُ ينتابُها للجرح إيـلامُ
والقدسُ ما أغمضَتْ في ليل ِغُرْبتِها
والشّامُ قد سَهِرَتْ ليلاً لمن ناموا
ناموا أجلْ نومَ أهل ِالكهف ِما فتِئوا
وقدْ تقومُ لراعي الفجر ِ أغنامُ
طوباكِ يا شامُ كمْ عِبءٍ نهضْتِ ِبهِ
ففيكِ للمجدِ أخوالٌ وأعْمامُ
في الشامِ أهلي وقلبي فيه مَسْكِنُهُمْ
فلنْ يَضُـرَّ بحُبِّي الشامَ لُوّامُ
إنّ العروبة َإنْ ضاقَتْ بها سُبُلٌ
نادَتْكِ فانفرَجَتْ ، لبّيكِ يا شامُ !
ــــــــــ
هوامش : 1) تدمر: مدينة سورية تاريخية ازدهرت حضارتها . من أشهرملوكها أذينة وزوجته زنوبيا .
2) عشتاروت إلهة الحب والحرب عند البابليين . عشتار عند الفينيقيين . 3) آرام : أبو الشعوب الآراميية / السورية . 4) جاسم : مدينة في حوران ولد فيها أبو تمّام حبيب بن أوس الطائي الشاعر الحكيم صاحب ديوان الحماسة .5) ألسيف أصدق : مطلع قصيدة أبي تمام يوم فتح عمّورية أيام الخليفة المعتصم العبّاسي . 6) منبـِج : مدينة في شمال سوريا ولد فيها الوليد بن عبادة وهو الشاعر البحتري . 7) ديك الجنّ : لقب الشاعر عبد السلام بن رغبان . ولد وعاش في مدينة حمص وكان ماجناً بديع الشعر . الكِنـْديّ : هو أبو الطيّب المتنبي شاعر العرب الأكبر، نسبة إلى كندة وهي محلّة قرب الكوفة . 9) رهين العقل : هو رهين المحبسين الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعرّيّ نسبة إلى معّرة النعمان بين حماة وحلب الشهباء/ البيضاء مدينة سيف الدولة الحمداني . 10) الفيحاء : هي دمشق ويسمّيها الفلسطينيون الشام . لقّبت بالفيحاء لاتساعها.11)محي الدين: هو الشيخ الأكبرمحي الدين بن العربي الأندلسي شاعر صوفي كبير قدم إلى دمشق وتوفي فيها، له نحو اربعمائة كتاب . 12)باب توما: هو أحد أبواب سور دمشق في الجهة الشمالية الشرقية منها.13) النهر : نهر بردى ، وجرى وصفّق يلقانا بها بردى كما تلقّاك دون الخلد رضوان بيت من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي
في دمشق ، ومطلعها :
قف في ريى الخلد وانشد رسم من بانوا مشت على الرسم أحداث وأزمانُ
14) نزار : هو نزار قبّاني شاعر الغزل والحب والسياسة . 15) شبلي : هو شبلي الأطرش : أمير شعراء العامة في سورية. له ديوان ضخم يحوي قصائد ملحمية مطوّلة تحكي عن أمجاد ثورة جبل حوران علىالأتراك ، وفيه تصوير لمعاناة جبل حوران من بطش الأتراك ، وشدة بأس بني معروف في قراع مدحت باشا وعسكره ، وما لاقاه شبلي الأطرش من نفي وتشريد عن الأهل والوطن في الأناضول وجزيرة رودس ومالطة وسواها ، ولكن ديوان شبلي للأسف غير مخدوم بالشرح والتعليق ناهيك عن طباعته السيئة . 16) سلطان : هو سلطان باشا الأطرش قائد عام الثورة السورية ضد المستعمرين الفرنسيين حتى نالت سوريا استقلالها . 17) ميسلون: موقعة قرب دمشق استشهد فيها القائد يوسف العظمة في معركة ضد الفرنسيين . 18) الشيخ عز الدين القسّام : ثائرمن جبلة في سورية قدم إلى فلسطين ، وقاد ثورة 36 على الإنجليز ، استشهد في أحراش يعبد قرب جنين .
[/b][/font]

رأيت الشام في حلمك
ورسمت سحرها بقلمك
أسعدتنا ليكن بعلمك
ننتظر المزيد

ألمشرف العام مهند أحمد إسماعيل
تحياتي واحترامي

مرورك جميل
نسمات رقيقة ساعة الأصيل
أشكرك ومن كلماتك يسيل النسيل

بإخلاص ومودة
سعود الأسدي

السلام عليكم
يا علي مدد

ماذا نقول لك اخي سعود الاسدي ابداع ولا اروع

اسعدتنا بتسجيلك في منتدانا واسعدتنا اكثر بهذه القصائد الرئعه


ننتظر المزيد

المشرف العام الأستاذ
أمجد المير أحمد

لكم تحيتي واحترامي أخ أمجد

لقد أسعدني مرورك السمح
كأنه بيدر قمح
ويأتيك أمواج مدد
من علي بلا عدد

بإخلاص ومودة
سعود الأسدي

ألأستاذ يامن علوش
تحياتي واحترامي

ويا مرحبا بقدومك، ونثير نجومك ،وثمار كرومك .

لقد سعدت بلقائكم في منتدى الحوار المتحضر الإسماعيلي
وأشكر لكم لطافتكم ورهافتكم وثقافتكم .
وبالنسبة لسؤالك أخي حول الشام ، فإننا أعني الفلسطينيين نطلق كلمة الشام على دمشق
فالأجداد كانوا يقولون سافرنا إلى الشام يعنون دمشق
، وكان جدي قد مرّ بالشام أيام السفربرلك ، وكان يردد اللي ما شاف الشام ما شاف شي في الدنيا ، والشام شامة الدنيا ! وتقول الأغنية
يا رايح عَ الشام سلِّم عَ الحبيب
علّتي يا زين ما لها طبيب !!
وهناك اصطلاح بلاد الشام كما تعرفون وكذلك بر الشام يعنون سوريا الكبرى التي قطّعت معاهدة سايكس / بيكو أوصالها .

هذا وانطر المصريين كيف يعنون بمصر القاهرة رايح مصر أي القاهرة ونحن نقول رايح الشام أي دمشق .
هذا وعلى كل حال لكم شامكم ولنا شامنا ، والسلام .

بإخلاص ومودة
سعود الأسدي

الأستاذ العظيم الشهم الهميم
الأخ الكريم يامن علوش
تحياتي واحترامي


أشكرك جزيلاً على ما أوردته من تسميات لشامة الدنيا دمشق الفيحاءوهي محطّ انظارنا جميعا في بلاد الشام لما تمتاز به من عمق حضاري ،نحن خليقون ببعثه حفظاً وتجديداً لروح الأمة العربية.. وكانت دمشق ولا تزال قلب الأمة العربية برغم شلل بعض أعضاء جسم هذه الأمة ، والسلام