ضرورة الدين
سوف
نحاول أن نحدد صفات الدين أو الظاهرة الدينية بشكل سريع وموجز , ما هي
خصائصها وصفاتها , وكيف تشكلت وما هي عوامل تشكلها , وما هي أبعادها
وتأثيراتها الفردية الذاتية أو الاجتماعية , وهذا بغض النظر عن أي تقييم
لها إلا " قيمة أو مقدار " درجة صحتها وانطباقها على الواقع , وهذا بهدف
الوصول لمعارف ومعلومات دقيقة عنها .
بعد ذلك إذا أردنا تقييمها ومعرفة
تأثيراتها على المجتمع أو الأفراد ونتائج وقيمة هذه التأثيرات , يجب أن
نحدد المرجع والمقياس الذي نريد أن نقيمها حسبه .
هل هو مصلحة وفائدة الأفراد أم مقدار وقيمة ما تؤمن من سعادة لهم . . .
أم هذا المرجع والمقياس هو الفائدة التي تعود على المجتمع ككل وتساعد في استمراره ونموه وتطوره .
أم الاثنان معاً , أو غير ذلك من مراجع القياس والتقييم .
يجب
الوصول أولاً إلى أحكام واقع عالية الدقة , وبعد ذلك نبني عليها أحكام
القيمة التي نريد , وعندها تكون أحكام القيمة التي نتوصل لها عالية الدقة
ويمكن اعتمادها , وتحقق المطلوب منها بنسبة عالية .أن هذا الانتشار
الواسع للأديان وهذا التمسك القوي بها والمحافظة عليها وعلى استمرارها ,
لابد أن يكون له دور ووظيفة هامة اجتماعية وفردية نفسية وفكرية , و إلا
لما نشأت واستمرت هذه الأديان .
وكذلك من مبدأ " أن كل موجود لابد من وجود عوامل وعناصر وأسباب وجوده " يجب معرفة أسباب وعوامل نشوء الأديان واستمرارها.
وبعد البحث عن عوامل وأسباب وجود الأديان ومعرفتها , عندها يمكن أن يصبح التعامل معها بشكل أدق وأفضل .
فللذرائعية دور كبير في نشوء الأديان , أي للدين وظيفة نفسية واجتماعية عندما نشأ , وليس فقط المنطق والفكر السبب في وجوده
حاجة الفرد والمجتمع إلى الدين , دور ووظيفة الدين الاجتماعية والفردية
لقد
عرف غالبية الفلاسفة والمفكرين دور وأهمية الدين وسعوا للدفاع عنه وعن
استمراره , حتى وإن وجدوا بعض الثغرات والتناقضات فيه , كل منهم بطريقته ,
وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.
فهناك حاجة الإنسان النفسية للدين , فهو
يؤدي عدة وظائف تمكن الإنسان من تحمل مشاكل الحياة والتحقيق للرضا النفسي
والفكري , والأمل في معونة الآلهة والشكر على ما يصيب الإنسان من حظ سعيد.
والأهم أنه يلغي عبثية الحياة ( الانبثاق من العدم والعودة للعدم ) ويعطي
للحياة معنى وأملنعم لقد حقق التقدم الحضاري والعلمي الكثير
للإنسان وسهل له حياته , ولكن تبقى أهم مشكلة وهي مشكلة الموت التي لم
يستطاع حلها , ولكن الدين حقق حلها بطريقة فعالة ومجدية .
وكذلك للدين
دور ووظيفة اجتماعية هامة جداً , الأخلاق والتشريعات الاجتماعية , فهو يضع
ويحدد وينظم العلاقات الاجتماعية ويجعل الأفراد يتبنون نظم وعلاقات محددة
بإرادتهم الذاتية ودون فرضها عليهم , لأن هذه النظم والعلاقات والمناهج في
التعامل والتقييم للعلاقات الاجتماعية , تلقن للأفراد منذ ولادتهم فتكون
بمثابة برمجة أولية وأساسية لهم يتم اعتمادها والمحافظة عليها بقية حياتهم
. وإن كانت تلك الأنظمة والتشريعات بسيطة ومحدودة ولم تعد كافية لتناسب
الأوضاع الاجتماعية المعقدة الحالية .
وهذا بعكس الأنظمة والقوانين
الحديثة التي تفرض أثناء حياة الفرد ويكون تقبلها واعتمادها لا يتم بسهولة
, بالإضافة إلى تطور وتسارع ظهور قوانين جديدة باستمرار لكي تجاري
التطورات الاجتماعية والحضارية السريعة , صحيح أنها بعد فترة تنتشر وتعم
بين الأفراد ويتم اعتمادها من قبل الأغلبية ولكن هذا يستغرق وقت طويل بعكس
المبادئ والقيم الدينية التي ترسخ منذ الولادة .
فللدين والعقائد دور
ووظيفة اجتماعية وفردية ذاتية هامة , فهو غالباٌ ما يحقق الكثير من
الانسجام والتوافق والسعادة للأفراد ويساهم في تماسك ونمو المجتمع , إي له
موجباته الواقعية و إلا لما كان هذا الانتشار والنمو له ( فكل موجود له
مكونات وجوده ) .
" والمهم لدى كل منا المفيد والسعيد له أولاٌ والمفيد لأسرته وجماعته ومجتمعة , والصحيح يأتي لاحقاٌ "
معيقات أداء الدين لدوره ووظيفته وهي :
أ
- عدم عموميته , فهناك تعدد الأديان وهذا له تأثيراته السلبية الكبيرة
جداً , فهذا يؤدي إلى تعدد الانتماءات وظهور العنصرية وتولد الصراعات بين
العقائد الدينية المختلفة .
إذا كان هناك دين واحد لكل البشر عندها تحل
الكثير من المشاكل , لأن الصراعات بين أديان مختلفة لن توجد , وتنتظم
العلاقات الاجتماعية حسب هذا الدين وتكون سهلة التوحيد .
ب – تطور
المجتمعات الحضارية والفكرية المستمر , وهذا يؤدي إلى ضرورة أن يكون الدين
متطور, ولكن هذا يتضارب مع أهم خصائص الدين التي هي الثبات وقدسية المبادئ
.
فالتطورات الاجتماعية والاقتصادية وتطور ونمو المعارف أصبح حتمي
وهذا يفرض على الأديان أن تجاريها وتتطور معها ولكن هذا غالباً يصعب
تحقيقه , فمن أسس الدين المبادئ الثابتة المقدسة وهذه توجب عدم تغيرها .
ولكن
الأوضاع والظروف الاجتماعية ليست ثابتة فهي في تغير وتطور مستمر بطيء أو
سريع , وحدوث التغير في الأوضاع تستدعي تغير في الاستجابات والتصرفات .
لو
لم يكن هناك تطور للمجتمع لكان الدين المعتمد بعد تبنيه من كافة أو أغلب
الأفراد , سوف ينتظم مع خصائص هذا المجتمع خلال فترة زمنية , وتستقر
الأمور وتصبح التناقضات و الصراعات بين أفراده في حدها الأدنى .
أن هذا
يفرض على الأديان أن تتطور لتناسب الأوضاع الجديدة وتتكيف معها, و إلا سوف
تسير نحو الانتهاء , وهناك الكثير من المفكرين الذين أدركوا ذلك ويسعون
إلى تطوير دينهم , مثل نصر حامد أبو زيد وغيره بالنسبة للدين الإسلامي .
إننا
الآن في وضع تغيرات سريعة إن كانت مادية أو اجتماعية أو ثقافية , فنحن في
مرحلة تطور سريعة تحدث هز للأسس الثقافية و العقائدية الموروثة ,
والغالبية تسعى للمحافظة على الموجود , وهي تستطيع دوماٌ أن تجد المبررات
له , ونحن نشاهد كيف يبرر المفكرين والعلماء إي وضع أو فكرة أو أي دين
وبشتى الطرق , ولكن هل هذا التبرير دقيق ؟ من أين يستمد الفكر الديني قوته الأساسية
في رأي الكثيرين من الأم ومن الأسرة وفي مرحلة الطفولة .
فكما تورث الأم أطفالها لغتها تورثهم أفكارها وقيمها وبالتالي عقائدها , التي هي ورثتها عن أمها وأسرتها .
فكل إنسان ينطلق من دين وعقائد آبائه , وقلائل الذين يسعوا لتطويرها أو تغييرها .
لذلك
نلاحظ هذا التمسك القوي من غالبية الناس بعقائدهم الموروثة من آبائهم ,
وهذا لأن هذا الموروث هو أول ما يسجل في عقلهم , وهو يكون الأساس الذي سوف
يبنى عليه .
وهذه الأفكار أو البنيات الفكرية أو الكائنات الفكرية التي
توضعت في دماغهم أولاً , سوف تسعى للمحافظة على نفسها وتقويتها وانتقالها
إلى الآخرين , فهي تسعى بكافة الطرق لتبرير وتقوية نفسها , وهذا نلاحظه
بوضوح على كافة البشر .
فالفكر الديني أو العقائد الموروثة هي الإعلام
الأول الذي يدخل إلى عقل الإنسان , لذلك هو الأقوى , وهذا تابع لخصائص
وآليات عمل الدماغ أو العقل .
فمهما كان الأعلام اللاحق قوي يصعب عليه
التغلب على الأفكار الموروثة , وفي الواقع هذه الأفكار والعقائد الموروثة
هي التي تؤثر وتوجه هذا الإعلام , طبعاً ضمن حدود معينة .
لنأخذ اليهود و دولة إسرائيل مثلاً .
إن
اليهود يرثون أفكار دينية قديمة جداً وهي متواضعة الدقة بشكل كبير , ومع
هذا يقومون بتبنيها والمحافظة عليها ويستخدمون في ذلك أحدث الأفكار وكافة
القدرات المادية وغير المادية , وهذا التناقض ظاهر بشكل جلي .
فالفكر
الديني أقوى بكثير مما يتصور الكثيرين , إن استجاباتنا وتصرفاتنا الموروثة
اجتماعياً والتي هي نتيجة حياتنا الاجتماعية كثيرة جداً , فالمجتمع الذي
نعيش فيه يبرمجنا فكرياً وعقائدياً ويبرمج غالبية تصرفاتنا .
إننا
مقلدون ومحافظون في أغلب تصرفاتنا واستجاباتنا ونادراً ما نغير ونجدد ,
وعندما نفعل ذلك تقاوم تصرفاتنا من قبل غالبية أفراد المجتمع .
إن كل
منا تبرمجه الحياة الاجتماعية حضارياً وثقافياً وعقائدياً , وعندما نتقدم
بالعمر تصبح أكثر من 90 بالمئة من استجاباتنا محددة بالذي اكتسبناه من
مجتمعنا , فنحن إذا دققنا بتصرفات كبار السن نجد أنها ثابتة ومحددة , وهي
تتكرر في كافة الظروف المشابهة ونجد أنه يصعب تغييرها أو تعديلها ,
فانفعالاتنا بكافة أشكالها السارة أو المؤلمة أو الغاضبة , وكذلك أحكامنا
وأهدافنا وغاياتنا وأفكارنا , تصبح محددة بشكل كبير , ونحن حتى بعد
معرفتنا ذلك نواجه صعوبات كبيرة عند محاولتنا تغيير ذلك .
فالإنسان يرث
خصائصه الفزيولوجية والبيولوجية عن طريق الجينات من أسلافه , وهذه تحدد
الكثير من خصائصه , وكذلك يرث من مجتمعه غالبية أنماط استجاباته وتصرفاته
, فهو يرث لغته ودينه وثقافته ...
وما يرثه غالباٌ ما يكون متوافق ومنسجم ومتكيف مع الأوضاع والظروف المادية والاجتماعية والفكرية الموجود فيها .