بعض محاورات الإمام الصادق (عليه السلام) حول صفات الحدوث

بعض محاورات الإمام الصادق (عليه السلام) حول صفات الحدوث

إِن هناك صفات تستلزم الحدوث ، مثل : المكان والزمان ، والكَيْف والحَيْث ، والحَرَكة والانتقال ، وما سواها ، فقد يتوهَّم بعضهم من ظاهر بعض الآيات هذه الصفات اللازمة للجسمية .
فكان الإمام الصادق ( عليه السلام ) يدفع أمثال هذه التوهُّمات ببالغ حجَّته ، كما توهَّم بعضهم أنه تعالى جسم من قوله جلَّ شأنه في كتابه المجيد :
( وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ ) [ المجادلة : 7 ] .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) في جوابه :
( هُوَ وَاحِدٌ وَاحِدِيُّ الذَّاتِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِه ، وَبِذَلِك وَصَفَ نَفْسَه ، وَهُو بِكُلِّ شَيء مُحِيطٌ بِالإِشْرَافِ وَالإِحَاطَةِ وَالقُدْرَة ، لا يَعْزِبُ عَنْه ذَرَّةً فِي السَّمَواتِ وَلا فِي الأرْضِ ، وَلاَ أَصْغَر وَلا أَكْبَر ، بِالإِحَاطَةِ وَالْعِلْمِ لاَ بِالذَّاتِ ، لأنَّ الأمَاكِنَ عِنْدَهُ مَحْدُودَةٌ تَحْوِيْهَا حُدُودٌ أَرْبَعَة ، فَإِذَا كَانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهَا الحوَايَة ) [ توحيد الصدوق : باب الحركة والانتقال ] .
وأجاب ( عليه السلام ) آخر بأوجز من هذا البيان فقال :
( مَنْ زَعمَ أَنَّ الله تَعَالَى مِنْ شَيءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مُحَدِّثاً ، وَمَنْ زَعمَ أَنَّه فِي شَيءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْصُوراً ، وَمَنْ زَعمَ أَنَّهُ عَلَى شَيءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْمُولاً ) [ توحيد الصدوق : باب الحركة والانتقال ] .
وسأله محمَّد بن النعمان عن قوله تعالى : ( وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ) [ الأنعام : 3 ] ، فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( كَذَلِكَ هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ) ، قال : بذاته ؟ ، قال ( عليه السلام ) :
( وَيْحَك إِنَّ الأمَاكِنَ أَقْدَارٌ فَإِذَا قُلْتَ فِي مَكَانِهِ بِذَاتِهِ لَزَمَكَ أَنْ تَقُولَ فِي أَقْدَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ هُوَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ، مُحِيطٌ بِمَا خَلَقَ ، عِلْماً وَقُدْرَةً وَإِحَاطَةً وَسُلْطَاناً ، وَلَيْسَ عِلْمُه بِمَا فِي الأَرْضِ بِأَقَلِّ مِمَّا فِي السَّمَاءِ ، لا يَبْعدُ مِنْهُ شَيء ، وَالأَشْيَاءُ لَهُ سَوَاء عِلْماً وَقُدْرَةً وَسُلْطَاناً وَمُلْكاً وَإِحَاطَةً ) [ بحار الأنوار : 3 / 323 / 20 ] .
وسأله سليمان بن مهران الأعمش بقوله : هل يجوز أن تقول إنَّ الله عزَّ وجل في مكان ؟ ، فقال ( عليه السلام ) :
( سُبْحَانَ الله وَتَعَالى عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَكَانٍ لَكَانَ مُحْدَثاً ، لأنَّ الكَائِنَ فِي مَكَانَ مُحْتَاجٌ إلَى المَكَانِ ، وَالاحْتِيَاجِ مِنْ صِفَاتِ المُحْدَثِ لاَ مِنْ صِفَاتِ القَدِيْم ) [ توحيد الصدوق : باب الحركة والانتقال ] .
ويقول ( عليه السلام ) لأبي بصير :
( إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُوصَفُ بِزَمَانٍ وَلاَ مَكَانٍ ، وَلا حَرَكَةٍ وَلا انْتِقَالٍ وَلا سُكُونٍ ، بَلْ خَالِقُ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ ، وَالحَرَكَةِ وَالسُّكُون ، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ) [ توحيد الصدوق : باب الحركة والانتقال ] .
وقال ( عليه السلام ) لعبد الله بن سنان :
( وَلا يُوصَفُ بِكَيفٍ وَلا أَيْن وَلا حَيْث ، وَكَيْفَ أَصِفُهُ وَهُوُ الَّذِي كَيَّفَ الْكَيْفَ حَتَّى صَارَ كَيْفاً فَعَرفْتُ الكَيْفَ بِمَا كَيَّفَ لَنَا مِنَ الْكَيْف ، أمْ كَيْفَ أَصِفُه بِأَيْن وَهُوَ الَّذِي أيَّن الأَيْن حَتَّى صَارَ أَيْناً فَعَرفْتُ الأَيْن بِمَا أيَّن لَنَا مِنَ الأَيْن ، أمْ كَيْفَ أَصِفُهُ بِحَيْث وَهُوَ الَّذي حَيَّثَ الحَيْثَ حَتَّى صَارَ حَيْثاً فَعَرِفْتُ الحَيْثَ بِمَا حَيَّثَ لَنَا مِنَ الْحَيْثِ ، فَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَاخِلٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَخَارِجٌ مِنْ كُلِّ شَيءٍ :
( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) ) [ الأنعام : 103 ] ، [ توحيد الصدوق : باب الحركة والانتقال ] .
وجَرَت بينه ( عليه السلام ) وبين ابن أبي العوجاء محاورة ، فمنها قول ابن أبي العوجاء للإمام الصادق ( عليه السلام ) : ذكرتَ الله فأحلت على غائب ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) :
( وَيْلَكَ ، كَيْفَ يَكُونُ غَائِباً مَنْ هُوَ مَعَ خَلْقِهِ شَاهِدٌ ، وَإِلَيْهِمْ أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ ، يَسْمَعُ كَلامَهُمْ وَيَرَى أشْخَاصَهُم وَيَعْلَمُ أَسْرَارَهُم ) .
فقال ابن أبي العوجاء : أهو في كلِّ مكان ، أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض ، وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ؟ ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) :
( إِنَّمَا وَصَفْتَ المَخْلُوقَ إِذَا انْتَقَلَ عَنْ مَكَانٍ اشْتَغَلَ بِهِ مَكَانٌ ، فَخَلا مِنْهُ مَكَان ، فَلا يَدْرِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مَا حَدَثَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيِهِ ، فَأمَّا اللهُ العَظِيْمُ الشَّأنِ المَلِكُ الدَّيَّانُ ، فَلا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ وَلا يَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ وَلا يَكُونُ إِلَى مَكَانٍ ) [ توحيد الصدوق : باب الحركة والانتقال ] .