و أتابع في الموضوع :
نذكر لكم حديث الغدير وهو يعتبر من أهم الأحاديث النبوية التي تثبت الوصية لمولانا أمير المؤمنين علي و الذي جاء بعد الأمر الهي بالآية الكريمة التالية :
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }المائدة67
من مجرياته ولكن سأقوم بسرد الوقائع كما وردت عند ((الطبري ))باعتباره أحد المراجع السنية و تمت هذه الواقعة في 18 ذي الحجة 10آذار 632 م :
((أخرج الطبري و غيره بسند مجمع على صحته عن زيد بن الأرقم قال : خطب رسول الله ( ص ) بغدير خم تحت شجيرات، فقال أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب و إني مسؤول و أنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ؟ فقالوا : نشهد أنك قد بلغت و جاهدت و نصحت فجزاك الله خيرا ،فقال أليس تشهدون أن لا إله إلا الله , و أن محمد عبده و رسوله , و أن جنته حق , وأن ناره حق ، و أن الموت حق , و أن البعث بعد الموت , و إن الساعة آتية لا ريب فيها , و أن الله يبعث من في القبور , قالوا : نشهد بذلك ،فقال : اللهم اشهد ، ثم قال : يا أيها الناس إن الله مولاي و أنا مولى المؤمنين , وأنا أولى بهم من أنفسهم , فمن كنت مولاه فهذا مولاه – يعني الإمام علي عليه السلام – اللهم وال من والاه ،و عاد من عاداه ، ثم قال : يا أيها الناس إني سابقكم و إنكم واردون علي الحوض ، حوض أعرض ما بين بصرى إلى صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة , و أني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين , كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل , سبب طرفه بيد الله تعالى , و طرفه الأخر بأيديكم ، فاستمسكوا به و لا تضلوا و لا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي . فإنه نبأني اللطيف أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض ))
إن هذا الحديث ورد في مصادر أخرى أيضا و لكن بصياغة مختلفة نوعا ما
قال النبي الكريم يوم غدير خم :
ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم , قالوا : بلى ، ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم , قالوا : بلى ، ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم , قالوا : بلى .
قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه , اللهم وال من والاه و عاد من عاداه , وانصر من نصره و اخذل من خذله , وادر الحق معه حيث دار هذا وصي و خليفتي و قاض ديني من بعدي و منجز و عدي ، فعلي مني و أنا منه من خالفه يلعنه الله و الملائكة و الناس أجمعين
اشهدوا أني قد بلغت و أنذرت ما أمر ربي فمن قبل قولي فاز ونجا وكان من جملة المؤمنين ومن خالف قولي كان ضل وغوى و كان من النادمين فقد أنذرتكم و حذرتكم و فوضت أمري إلى الله إن الله سميع بصير
فليعلم حاضركم غائبكم أن الله أنزل قرآنا مبينا بالنص ليبلغه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وبعد ذلك نزلت الآية الكريمة : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) المائدة 3
و بعضهم يدعي بأن هذه الآية هي أخر أية نزلت في القرآن ولكن أخر أية هي : {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281 و توفي الرسول بعدها بحوالي عشرة أيام
ومن أقدم المصادر التي تؤكد صحة هذا الحديث الأبيات التي قالها حسان بن ثابت على رضا من الرسول / الغدير الأميني ج 11 ص 32 ، العاملي أعيان الشيعة ج3 ص 524- 532/ حين كان المسلمون يهنئون عليا بتلك المناسبة ومن غير المعقول أن يمر هذا الحدث الهام من دون أن يسجله حسان و هو الشاعر الملازم للرسول آخذين بعين الاعتبار أن حسان كان يرافق النبي في أولى حجاته بعد الهجرة و حقيقة أن حسان اعتاد أن ينظم الشعر ويلقيه في كل نشاطات النبي الهامة .
ينـاديهم يوم الغــدير نبيــهم ******* بخم و أســمع بالرســـول منــاديا
و قال فمن مـولاكم و وليكـم******* فقالــوا ولـم يــبدوا هنـاك التعاميا
إلهــك مـولانا وأنـت وليـنـا ******* و لن تجد منــا لك اليـــوم عاصيا
فقـال له قم يا عــلي فإنـنــي ******* رضيتك من بعدي إماما و هـاديا
فمن كــنت مولاه فهذا و ليه ******* فكونوا له أنصــار حـــق متواليا
هنا دعــا اللـــــهم وال واليه ******* و كن للذي عــادى عـلـيا معاديـا
وبعد ذلك قام جميع الحاضرين بمبايعة الإمام على و من بينهم أبو بكر و عمر و قال له عمر : بخ بخ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة / المناقب ابن المغازلي ص 19 /
وعلى كل حال فإن هذا الحديث و الحدث لم يسجلا في المصادر المعتمدة عادة في دراسة سير النبي مثل سيرة ابن هشام و الطبري و ابن سعد . فهذه المصادر إما تصمت عن ذكر الحديث ، أو تذكر توقف الرسول في غدير خم و لا تذكر الحديث و يفسر أحد المستشرقين – فيشيا فاغليري - موقف هؤلاء المؤرخين بقوله : " من الواضح أن هؤلاء خافوا من جلب عداوة الحكام السنة عليهم إذا ذكروا روايات تدعم موقف الشيعة الذين يستخدمون هذا الحديث لدعم قولهم في حق علي بالخلافة . و بالتالي فإن المستشرقين الذين يؤسسون دراستهم على هذه المصادر الثلاثة المألوفة لديهم لم يذكروا شيئا عن غدير خم . و مع ذلك فإن من المؤكد أن النبي محمد توقف في غدير خم و قال ما ذكرناه أعلاه , لأن الحديث حفظ بالنص كما ذكر بتفاصيل وافية لا من طرف اليعقوبي المتعاطف مع قضية الإمام علي ،و إنما ذكرت في صحاح الأحاديث المعتبرة و بخاصة سند أحمد بن حنبل و روايات الحديث معتمدة و بأسانيد كثيرة لدرجة أصبح من المستحيل رفضه " /مقال " غدير خم " في دائرة المعارف الإسلامية /
ماذا نستنتج من هذه الحادثة ؟
1-إن هذا الحديث قيل بعد أمر إلهي و تمثل في أية البلاغ و يفهم من هذه الآية أن الرسول الكريم قد تردد في إبلاغ أمر الله ولكن بسبب قرب انتقال قربه إلى جوار ربه قرر إبلاغ هذا الأمر العظيم لأن الله تعالى قرن هذا التبليغ بالرسالة المحمدية و هذا يدل على أهمية هذا الشيء – ولاية الإمام علي – و هذا ما يفسر تردده في الإبلاغ خوفا من احتجاج البعض على هذه الوصية التي تخص ابن عمه علي و اتهامه بجعل الولاية مسألة عائلية تخص آل النبي و لكن الله حثه على الإبلاغ ووعده بالحماية مما كان يتخوف
و بالفعل فقد وقع شيء مما كان يتخوف منه الرسول فلقد روى الثعاليبي في تفسيره هذه الحادثة " و قد شاع خبر الغدير " في البلاد و بلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله و قال يا محمد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فقبلنا منك , و أمرتنا أن نصلي خمسا فقبلنا منك , و أمرتنا بالزكاة فقبلنا ، و أمرتنا أن نصوم فقبلنا , و أمرتنا بالحج فقبلنا ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ( عضدي ) ابن عمك تفضله علينا فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه . فهذا شيء منك أم من الله ؟ فقال : و الله الذي لا إله إلا هو هذا لمن الله عز وجل . فولى الحارث يريد راحلته و هو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حتما فأمطر علينا حجارة من السماء , أو أتينا بعذاب أليم . فما وصل إلى راحلته
حتى رماه الله بحجر على هامته فقتله , و أنزل الله : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ{1} لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ{2} مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ{3}) المعارج
و الغريب أن هذه الحادثة رويت في كتاب سني و لم يتم العثور على ما يؤكد هذه الحادثة في المصادر الإسماعيلية
2- إن آية التبليغ / المائدة 3/ و حديث الغدير يؤكدان بشكل قاطع أن الإمامة أمر إلهي كالنبوة لا دخل للبشر فيهما ، وتتم الإمامة بأمر إلهي للرسول بتبليغها , ومن ثم تتسلسل الإمامة بأمر من الإمام السابق إلى الإمام اللاحق
3- إن الإمامة مستمرة في الكون حتى قيام القيامة ((ورود الحوض )) و العترة الطاهرة مستمرة أبدا مع كتاب الله تعالى من أجل استمرار الهداية ، و إن المسلمين مسؤولين إلى يوم القيامة عن التمسك بالثقلين : كتاب الله و العترة الطاهرة ( الأئمة ) و هذا ما عبر عنه الرسول الأعظم في حديثه الشريف بقوله : و إني سائلكم حين تردون علي الحوض عن الثقلين ،و كيف تخلفوني فيهما . الثقل الأكبر : كتاب الله عز وجل ، سبب طرفه بيد الله تعالى ، و طرفه بأيديكم فاستمسكوا به لن تضلوا و لا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فلأنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليا الحوض .
وقد أورد الحديث السابق – حديث الغدير – ثلاثة من كبار المحدثين السنيين و هم الطبراني و ابن جرير الطبري و الترمزي و كذلك أورده أحمد بت حنبل في مسنده الجزء الرابع ص 372 و اعترف به ابن حجر المستقلاني في كتابه الصواعق المحرقة ص 25 كما أخرجه الحاكم في كتابه المستدرك الجزء الثالث ص 109 و أخرجه محي الدين بن شرف النووي ( المتوفى 671 هـ ) في كتابه رياض الصالحين ص 164 و النسائي و ابن ماجة و غالبية المحدثين السنيين مثل ابن أثير في أسد الغابة و ابن عبد البر في الاستيعاب و تبعهم الكثير من كتاب السير و حتى ابن عبد ربه في العقد الفريد و الجاحظ في رسالة العثمانية و قد رويت أحاديث الغدير أيضا في معظم المصادر ومنها ابن كثير وهو من أكثر المتحمسين لتأييد وجهة النظر السنية خصص لهذا الحديث سبع صفحات و جمع عددا وفيرا من الأسانيد التي روت الحديث و يخبرنا ابن كثير أن الطبري دونه في ( كتاب الفضائل ) و هو من جزأين لم يكتملا و ذكر ذلك أيضا ياقوت في ( الإرشاد ) في فصل فضائل الإمام علي بن أبي طالب و ذكر فيه حديث الغدير و سجل الأستاذ حسين علي محفوظ في بحوثه حول حديث الغدير أن الحديث روي من طرف 110 صحابيا و 48 من التابعين ــ والمقصود بالتابعين هنا هم الجيل الثاني من المسلمين والذين لم يعاصروا النبي محمد و لكنهم عاصروا الصحابة ــ و 355 عالما و 25 مؤرخا و 27 محدثا و 11 مفسر و 18 متكلم و 5 لغويين / تاريخ الشيعة . كربلاء ص 77 – الغدير للأميني في 38 مجلد و الموسوي في عبقات الأنوار 34 مجلد و كلها تتحدث عن رواة الحديث /
أما رأي مفكري السنة في الحديث فقد تجلى في ثلاث نظريات و قد ذكرها الدكتور أحمد محمد صبحي و ذكرها في كتابه " نظرية الإمامة" ص 214:
الاتجاه الأول : وهو أشدها تطرفا و أصحاب هذا الاتجاه يسمون بـ / الظاهرية / أو أهل السلف و يمثلهم ابن تيمية و ابن حزم و عضد الدين الإيجي و هؤلاء ينكرون وقوع الحديث وصحته بحجة أن الإمام علي كان وقت إذ في اليمن و لو صح الحديث – برأيهم – لذكره أكثر رواة الحديث
و الرد على هذا الاتجاه بما يلي :
1- لقد وصف الدكتور أحمد محمود صبح – وهو مدرس لمادة الفلسفة بكلية الآداب في جامعة الإسكندرية – و هو سني المذهب وصف هذا الاتجاه بكتابه نظرية الإمامة ص 221 بقوله :" أما اتجاه الأول لأهل السنة و هو اتجاه الذين أنكروا واقعة الحديث من أساسها . و الواقع أن الدافع للإنكار لم يكن عدم ورود الحديث في الصحيحين ــ صحيح بخاري و مسلم ــ أو قدح بعض الأئمة أئمة الحديث فيه و لكن على حد تعبير ابن تيمية , أن أهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم و يوافق أهوائهم و هذه العبارة التي اتهم بها الشيعة لم يخلص هو منها و لما كان أهل الظاهر و السلفيين يوالون معاوية فإنه لم يكن لديهم مفر من اختيار : إما ترك هذه الموالاة أو القدح بشتى الوسائل بالحديث و بالرغم من أنه من المفروض أن تخضع العقائد للنصوص إلا أن كثيرا من أصحاب المذاهب أخضعوا الأحاديث لأهوائهم و مذاهبهم "
و أعتقد أن هذا الكلام أبلغ رد على الاتجاه الأول و ورد على لسان مسلم سني المذهب .
إن إيراد الاتجاهين الآخرين اللذين لم ينكرا الحديث من المحدثين السنة يمثلان الرد الصحيح المكمل لرد الأول ، ومما يزيد في أهمية هذين الردين أنهما وردا من المصادر السنية و ليس الشيعية
الاتجاه الثاني : هذا الاتجاه يمثله فخر الدين الرازي و هو من علماء الكلام و كان قريبا من المذهب الأشعري و هو يتصف بالشك و التردد في الحكم على صدق الحديث أو كذبه . فالذين أثبتوه من الرواة السنة إلى جانب الرواة الشيعة لهم مقامهم , والذين أغفلوه لهم خطرهم . و الحل الذي ارتآه هذا الاتجاه للخروج من التشكك و التردد هو التسليم بصحة الحديث مع تأويل بعض ألفاظه تأويلا لا يضفي على مولانا الإمام علي أية صفة زائدة أو ولاية ظاهرة لم يكن معترفا له بها من قبل , و مجمل موقفهم من تفسير هذا الحديث نختصره بما يلي :
1-إن الحديث يثبت فضيلة للإمام علي و لا يثبت له الإمامة , وكما هو الحال عند الشيعة .
2- إن كلمة " مولى " الواردة في الحديث لا تعني " أولى " لأنها إن كانت تعني ذلك فيكون معناها " الأولى بالتصرف " و لا يكون ذلك لغير الإمام و معناها حسب رأيهم " الناصر والصديق و القريب " لأن الموالاة ضد العداوة , ذلك لأن النبي أحس من قوم أنهم غير مخلصين في موالاتهم حيث دخل في الإسلام بعد الفتح من كان مولانا علي قد قتل أقاربهم , فقرن النبي (ص ) مولانا علي بنفسه ليزيل البقايا التي في النفوس , و هذا يعني برأيهم أن الحديث يدل على وجوب " محبته " لا دالا على وجوب" إمامته ".
أما الشيعة فقد أخذوا بمعنى أن كلمة مولى تعني القائد أو السيد
إن غنى اللغة العربية بالمعاني يجعل من الممكن الأخذ بالمعنيين معا فبينما قبل السنة حديث الغدير ، فسروا بأن ما قاله النبي يعني ببساطة حث أتباعه على تبجيل علي و محبته باعتباره ابن عم و زوج ابنة النبي الوحيدة على قيد الحياة . وأكثر من ذلك ، فسروا الظروف التي أوجبت فعل النبي بأنه رد على تذمر بعضهم من تعامل علي معهم بشدة و بدون تمييز بينهم عند تقسيم غنائم غزوة في اليمن التي حدثت تحت قيادة الإمام علي ،ومن هناك عاد علي ومن معه لينضموا إلى النبي في مكة في موسم الحج . و لكي يزيل النبي هذا الإحساس السلبي تجاه صهره تحدث النبي بما قاله في غدير خم ./ ابن كثير /
3- لو كان النبي أراد خلافة علي بهذا الحديث لقالها قولا صريحا .
و يرد على هذا الرأي بما يلي :
1- لقد رد على هذا الكلام السيد عبد الحسين شرف الدين في كتابه " المراجعات " ص 168 بما يلي : " كيف يجمع النبي ( ص ) تلك الألوف المؤلفة قبل أن يفترقوا بعد الحج و يهتم في حبسهم بتلك الرمضاء ... ثم ينزلهم في العراء على غير كلئ ولا ماء .. كان كل المقصود من هذا الجمع أن يعلن نصرة المسلمين لعلي و صداقتهم له . هذا أمر بين لا يحتاج إلى دليل .... أم يكون من المستساغ عقلا أن يكون المناسب للمقام في هذا الهجير , و اللائق بمعنى قوله يوم الغدير أن يعلن النبي وصيته , و يبلغ عهده و يعين القائم من بعده ، فلا سبيل إلى صرف معنى الولي و المولى إلى معنى من هذه المعاني المختلفة . و هذا واضح لمن كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد "
2- قال المبرد , اللغوي المعروف صاحب كتاب الكامل في اللغة و الأدب : تأويل " الولي " الأولى , و مثله المولى واحد , و هو المتولي لأمورهم , و هذا لا يصح لغير الإمام .
3- و نورد هنا ردا للدكتور أحمد محمود صبحي مناسبا في هذا المقام على أراء هذا الاتجاه من كتابه نظرية الإمامة ص 222 :
" أضفوا على الموقف فتورا لا يتناسب و جلالته و خطورته , و هذا الموقف التوفيقي لا يحل الأشكال , لأن جلال الموقف و جمع النبي لهذا العدد الغفير من الناس – إن سلم بذلك – قبل أن يفارق الدنيا بثلاث أشهر فهو أخر لقاء جماعي مع المسلمين يقتضي إعلان نبأ لا يقل خطورة و أهمية عن الموقف نفسه "
الاتجاه الثالث : يمثل هذا الاتجاه الحلبي و ابن حجر العسقلاني ( الذي ولد في مصر في عهد المماليك 773 هـ و كان مؤرخا و فقيها من المذهب الشافعي )
فهم قد أقروا بصحة الحديث ، و بالمراد منه الذي هو بيان الإمامة لمولانا علي ، وقالوا لا يمكن حمل معنى " المولى " الواردة في الحديث على معنى " الناصر أو المحبة " و إن المقصود بها " الأولى بالتصرف " غير أن إمامة مولانا علي " مآلية " و لو لم تكن مآلية لكان هو الإمام في حياة النبي ( ص ) ، وإذ كانت مآلية فهي لم تحدد زمن إمامته أو تنص على أنها بعد نبوة الرسول مباشرة ، ويقصدون بوصف إمامة مولانا علي بـ " المآلية " عدم صرف الإمامة عن الخلفاء الثلاثة أي أنهم يعترفون أن المقصود من الحديث إثبات الإمامة لمولانا علي ، إلا أنها لم تتم إلا بعد إمامة الخلفاء الثلاثة.
إن هذا الاتجاه أقرب الاتجاهات السنية إلى التفسير الشيعي و لو أنهم أطلعوا على التفسير الإسماعيلي لمعنى الخلافة و الإمامة الذي بموجبه يقرون بالخلافة بمعناها السياسي و الزمني للخلفاء الثلاثة باعتبارهم رؤساء للدولة الإسلامية الوليدة , ولكن بنفس الوقت يحددون أن الإمامة الروحية كانت للإمام علي دون الخلفاء الثلاثة و أضيفت إليها الخلافة السياسة بعد الخليفة عثمان بن عفان
ونقول : لو أنهم أطلعوا على هذا التفسير لما اختلفوا مع الإسماعيلين بتفسير الحديث و لما وصفوا إمامة مولانا علي بالمآلية
بعد هذا الاستعراض السريع الموجز لتفسيرات مفكري السنة لحديث " بيعة الغدير " نخلص إلى النتيجة التالية :
إن اعتراف كثير من محدثي السنة بصدق الحديث إلى جانب الاعتراف الشيعي الكامل به يؤكد بشكل قاطع صحة هذا الحديث . و هذا ما يجعله من أهم الأحاديث التي تثبت الولاية كأصل من أصول الدين , لا يكتمل إلا بها بدليل أن الآية الكريمة التي نزلت بعد إبلاغ الوصية بالولاية في غدير خم هي : : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) المائدة 3 فهي أي الولاية كمال الدين و تمامه , و هي من النعم الدائمة التي أنعم الله بها على عباده باستمرار الإمامة أبدا في هذا العالم لهداية المؤمنين عبر العصور المتغيرة من أجل رفعتهم و سموهم الروحي ، ونجاحهم في الحياة الدنيا و فوزهم بنعيم الآخرة الدائم .
و في الختام ، إن فكرة خلافة النبي محمد كانت بشكل أساسي دينية و ليست سياسية ،و كان التصور العام أن قداسة بني هاشم و بالإضافة إلى الأحداث التي جرت خلال حياة النبي و فضل الإمام علي أدت إلى تبلور الرأي عند العديد من الصحابة بأن الأصلح لخلافة النبي محمد هو الإمام علي و ذلك لإبقاء العهد سليما غير مخترق . و في المجادلات الحامية التي دارت في سقيفة بني ساعدة لم يتردد هؤلاء الصحابة في الإدلاء بآرائهم . و نتيجة الخلاف في السقيفة ظهرت بدايات انقسام الأمة الإسلامية إلى سنة و شيعة .
و بعد هذا التعليق البسيط على هذا الموضوع يتبادر إلى ذهني سؤالان
1- هل أطاع الرسول الكريم ربه في التبليغ ؟
2- إلى كل من لا يقولون بهذا التبليغ ماذا بلغ الرسول بعد هذه الآية ؟